قد يعطيك مشهد قصور المشاهير والمعالم السينمائية التي استحالت أكواماً من الرماد الانطباع بأن حرائق الغابات التي تستعر في منطقة لوس أنجليس طاولت مجموعة من النجوم السينمائيين.

لكن إن جلت في السيارة عبر الأحياء المتفحمة في أرجاء ألتادينا، سترى أن النيران التهمت أيضاً منطقة مذهلة لاذت بها أجيال من الأسر السوداء تفادياً لممارسات التمييز التي تطاول الإسكان في أماكن أخرى. وقد ضمت المنطقة مجموعات متنوعة عرقياً واقتصادياً امتلك كثر من سكانها منازلهم الخاصة.

لكن ما يخشاه البعض الآن هو أن تكون هذه الحرائق التي تعد من بين أكثر الحرائق تدميراً في تاريخ كاليفورنيا قد غيرت هذا الواقع إلى الأبد. فالتعافي من المصاب وإعادة الإعمار قد تكون أمور بعيدة من متناول كثر فيما يحتمل أن تتجدد الضغوط باتجاه تغيير وجه المدينة لتحسينها وترقيتها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تذكر سامنثا سانتورو، 22 سنة، وهي من الجيل الأول الذي يرتاد الجامعة في عائلتها وتتابع دراستها في جامعة البوليتكنيك في بومونا بولاية كاليفورنيا، أنها شعرت باستياء عندما ركزت نشرات الأخبار في تغطيتها حرائق الغابات على المشاهير أكثر من غيرهم. وتقلق الشابة وشقيقتها التي ترتاد جامعة يو سي بيركلي على والديهما المهاجرين القادمين من المكسيك وعلى جيرانهم الذين ينتمون إلى الطبقة العاملة ولا سيما في موضوع قدرتهم على استكمال حياتهم بعدما خسروا منازلهم في ألتادينا.   

وقالت سانتورو “لا يمكننا أن نقول ‘آه، سأذهب إلى منزلي الثاني وأبقى فيه'”.

لم يرفع مالك شقتهم التي تضم غرفتي نوم وحوض سباحة بدل الإيجار البالغ 1650 دولاراً أبداً، وهذا ما سمح للزوجين سانتورو أن يتحملا نفقات تربية ابنتيهما. وفي الوقت الراهن، تسكن العائلة في شقة أحد الأقارب في باسادينا. وجل ما تملكه الآن تقريباً هو بوليصة تأمين المستأجرين.

وقالت سانتورو وسط دموعها وهي تفكر في والديها “أعتقد أنه من الصعب التصديق بأنك لا تمتلك شيئاً. كل ما عملا من أجله موجود في ذلك المنزل”.

وتحوي ألتادينا مزيجاً مدهشاً من الأكواخ الصغيرة والقصور الفخمة. أما السكان المحليون البالغ عددهم 42 ألف نسمة فيتوزعون بين عائلات عمال وفنانين وعاملين في قطاع الترفيه وموظفي شركات. ونحو 58 من سكان المنطقة من غير البيض، ربعهم من اللاتينيين وخمسهم تقريباً من السود وفقاً للبيانات الإحصائية.  

خلال حقبة الحقوق المدنية، تحولت ألتادينا إلى أرض الفرص النادرة بالنسبة إلى الأميركيين السود كي يصبحوا من الطبقة المتوسطة بمنأى عن الممارسات التي تميز ضدهم وتمنعهم من الحصول على القروض وظلت منازلهم ضمن عائلاتهم وساعدوا بعضهم بعضاً على التطور والازدهار. واليوم تبلغ نسبة تملك السود العقارات في المنطقة 81.5 في المئة أي ما يقارب ضعف المعدل الوطني.

وهذا الواقع مذهل لا سيما في ضوء كون 92 في المئة من المنازل في ألتادينا، ويبلغ عددها 15 ألفاً، مخصصة لسكن عائلة واحدة وفقاً للدراسة الاستقصائية للمجتمعات الأميركية عام 2023. ويتخطى متوسط دخل السكان 129 ألف دولار. بينما يعيش أكثر من سبعة في المئة منهم في حالة من الفقر.

وتقلق رئيسة مجلس بلدية ألتادينا، فيكتوريا ناب، أن تكون الحرائق قد غيرت طبيعة المكان بصورة يتعذر الرجوع عنه بالنسبة إلى هذه الأسر.

وقالت ناب “سوف يشتري أحدهم (المكان) ولا يمكن معرفة ما الذي سيبنيه فيه. وهذا سيغير طابع ألتادينا”، مضيفة أن أصحاب الإمكانات الضعيفة سيتضررون بصورة أكبر من غيرهم.

كانت عائلة كينيث سنودن، 57 سنة، إحدى عائلات السود القادرة على شراء منزل عام 1962. وقد دمر ذلك المنزل الآن، إضافة إلى منزل آخر اشتراه سنودن منذ ما يناهز الـ20 عاماً.

وهو يطالب المسؤولين على مستوى الولاية والحكومة الفيدرالية بتقديم مساعدة منصفة لجميع المجتمعات التي تضررت جراء الحرائق لأن “منزلك الذي تبلغ كلفته 40 مليون دولار لا يختلف عن منزلي الذي يبلغ سعره مليوني دولار”.

وما ينشده سنودن هو إمكانية الحصول على قروض إسكان من دون دفع فوائد عليها.

وقال “امنحونا إمكانية إعادة الإعمار وإعادة تسيير حياتنا. إن كنتم قادرين على إنفاق مليارات الدولارات لخوض حرب فأنتم قادرون على إنفاق مليار دولار لمساعدتنا على العودة حيث كنا”.

أما، شون براون، فلم تفقد منزلها فحسب، بل أيضاً المدرسة العامة المستقلة التي أسستها في ألتادينا.

وقد وجهت رسالة إلى ملاكي المنازل السود الذين قد ربما تغريهم عروض شراء منازلهم “أقول لهم أن يظلوا أقوياء ويعيدوا بناء (منازلهم) ويواصلوا مسيرة تقدم أجيال الأفارقة الأميركيين”.  

وتسعى السيدة إضافة إلى موظفين آخرين من أكاديمية روزبد في باسادينا إلى جمع الأموال من أجل إعادة إعمار العقارات فيما تبحث عن مواقع موقتة داخل الكنائس.

لكن حتى بعض الكنائس قد احترقت. فجل ما تبقى تقريباً من كنيسة ألتادينا المعمدانية هو برج الجرس.

من ناحيته، يحاول الكاهن جورج فان ألستين وآخرون مساعدة أكثر من 10 أشخاص من أبناء الرعية الذين فقدوا منازلهم، ويعينونهم للتعامل مع التأمين والمساعدات الفيدرالية. ويقلق الكاهن من أن تؤدي الحرائق إلى تغيير شكل المدينة فيدفع الثمن أبناء الأبرشية السود الذين يشكلون نصف أبناء الرعية.

وقال “نرى عدداً من العائلات التي ستضطر على الأرجح أن تنتقل من المنطقة لأن إعادة الإعمار في ألتادينا ستكون مكلفة للغاية بالنسبة إليهم”.

من جهتها، فرت المصورة دانيلا داوسون البالغة من العمر 32 سنة من شقتها الصغيرة التي كانت تعمل وظيفتين من أجل تأمين بدل إيجارها البالغ 2200 دولار، وهربت من الحرائق بسيارتها الرباعية الدفع من ماركة هيونداي برفقة قطتها لولا. خسرت السيدة كل مقتنياتها الأخرى تقريباً بما فيها معدات تصوير بقيمة آلاف الدولارات.

كما لم تكن تملك بوليصة تأمين المستأجرين.

وقالت “لا شك أنني أفكر في الموضوع الآن وأتمنى لو كنت قد حصلت عليها”.

تخطط داوسون للعودة إلى أريزونا حيث كانت تسكن في السابق لاسترداد قواها، لكنها لا ترجح العودة إلى ألتادينا بعد ذلك.

نقلاً عن : اندبندنت عربية