يتأهب القادة الأوروبيون لمواجهة مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب في شأن واحدة من أكثر العلاقات التجارية قيمة في العالم، مؤكدين استعدادهم للرد لكنهم يفضلون التعاون.
وأعلن ترمب خلال عطلة نهاية الأسبوع عن فرض تعريفات عقابية على كندا والمكسيك، وأوضح أن حلفاء الولايات المتحدة عبر الأطلسي كانوا على رأس قائمة أهدافه، لكنه وافق لاحقاً على تأجيل التعريفات المفروضة على كندا والمكسيك مدة شهر.
وقال ترمب عن خططه لفرض التعريفات الجمركية على أوروبا، “سيحدث ذلك بالتأكيد مع الاتحاد الأوروبي. لقد استفادوا منا بصورة كبيرة”.
وخلال اجتماع لقادة الاتحاد الأوروبي في بروكسل، كان مخصصاً لمناقشة الإنفاق العسكري، وهو موضوع حساس آخر بالنسبة إلى ترمب، قلل معظمهم من احتمالات اتخاذ تدابير انتقامية مماثلة لكن التكتل الذي يقوم أساساً على مبدأ التجارة الحرة، كان يستعد منذ أشهر لاحتمال فرض ترمب تعريفات جديدة.
وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، “إذا تعرضنا لهجوم تجاري، فإن على أوروبا، بصفتها قوة دائمة، أن تفرض احترامها وترد.”
ولا يمكن التقليل من أهمية هذه المواجهة، فبحسب مكتب الممثل التجاري للولايات المتحدة، فإن العلاقة التجارية والاستثمارية بين الولايات المتحدة وأوروبا “هي الأكبر والأكثر تعقيداً في العالم.”
وجدد ترمب، أول من أمس الأحد، تركيزه على الفائض التجاري الذي يحققه الاتحاد الأوروبي مع الولايات المتحدة، الذي قال إنه يزيد على 300 مليار دولار. وتشير بيانات مكتب الإحصاء الأميركي إلى أن العجز في السلع مع الاتحاد الأوروبي بلغ 214 مليار دولار العام الماضي، في حين بلغت صادرات الولايات المتحدة إلى أوروبا 342 مليار دولار.
وقال ترمب، “لا يشترون سياراتنا، ولا منتجاتنا الزراعية، ولا يأخذون منا شيئاً تقريباً، بينما نأخذ كل شيء منهم. إنه أمر فظيع ما فعلوه.”
وفي عام 2023، حققت الولايات المتحدة فائضاً تجارياً بلغ نحو 77 مليار دولار في الخدمات المصدرة إلى الاتحاد الأوروبي، التي قدرتها وزارة التجارة الأميركية بقيمة 262 مليار دولار.
لكن حجم التجارة بين الجانبين يبدو ضئيلاً مقارنة بقيمة الاستثمارات المتبادلة عبر الأطلسي، فوفقاً لبيانات الحكومة الأميركية التي حللتها غرفة التجارة الأميركية في الاتحاد الأوروبي، يمثل كل طرف أكثر من 60 في المئة من إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر في اقتصاد الطرف الآخر، متجاوزاً بفارق كبير أهمية استثمارات أي اقتصاد آخر.
ووفقاً لغرفة التجارة الأميركية في الاتحاد الأوروبي بلغت مبيعات الشركات الأميركية العاملة في أوروبا أكثر من 3.8 تريليون دولار عام 2022، وهو ما يزيد بأكثر من أربعة أضعاف قيمة الصادرات الأميركية من السلع والخدمات إلى أوروبا. وبالنسبة إلى الشركات الأوروبية العاملة في الولايات المتحدة، فإن الأرقام والنسب قريبة من هذا المستوى.
ويأتي ضغط ترمب في وقت صعب بالنسبة إلى أوروبا، إذ نما اقتصاد الاتحاد الأوروبي بنسبة 0.8 في المئة فقط العام الماضي، وفقاً لتقديرات أولية صادرة عن مكتب الإحصاءات الأوروبي، بينما نما الاقتصاد الأميركي بنسبة 2.8 في المئة وفقاً لوزارة التجارة الأميركية. ويواجه قادة أكبر دول الاتحاد الأوروبي، مثل ألمانيا وفرنسا وبولندا، قيوداً بسبب الصراعات السياسية الداخلية والاستحقاقات الانتخابية.
التعاون مع ترمب في مواجهة الصين
وأشار كبار مسؤولي الاتحاد الأوروبي إلى استعدادهم للتعاون مع ترمب في مواجهة الصين اقتصادياً وجيوسياسياً، إذ أصبحت أوروبا أكثر حذراً تجاه الصين مقارنة بفترة ولاية ترمب الأولى.
وقالت رئيسة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس، لصحيفة “وول ستريت جورنال”، “ما هو واضح أنه لا يوجد فائزون في الحروب التجارية… إذا بدأت الولايات المتحدة حرباً تجارية مع أوروبا، فإن الطرف الذي سيضحك على الهامش هو الصين.”
وأمضى مسؤولو الاتحاد الأوروبي، الذين يدافعون عادة عن التجارة الحرة، أشهراً في إعداد خيارات للرد على التهديدات الجمركية الأميركية، بما في ذلك فرض رسوم قد تستهدف منتجات من ولايات أميركية حساسة سياسياً. وقد يكون هذا الرد مشابهاً للرسوم الانتقامية التي هددت بها كندا في الأيام الأخيرة، وكذلك للإجراءات التي اتخذها الاتحاد الأوروبي ضد تعريفات ترمب على الصلب والألمنيوم خلال ولايته الأولى.
ويعقد المسؤولون الأوروبيون أيضاً محادثات مع نظرائهم في كندا، التي تربطها اتفاقية تجارة حرة مع الاتحاد الأوروبي، بحسب ما أعلنوا أخيراً عن اتفاق تجاري جديد مع المكسيك.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي هذا السياق، أجرى رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، الأحد الماضي، محادثة مع أنطونيو كوستا الذي يترأس المجلس الأوروبي، لبحث سبل التعاون ضد الضغوط الأميركية.
وقال رئيس الوزراء الفنلندي بيتري أوربو، “نحن مستعدون”، لكنه رفض الخوض في تفاصيل التحضيرات… لن أبدأ حرباً. أريد أن أبدأ مفاوضات”.
لكن السؤال الذي يثقل كاهل أوروبا هو ما إذا كان ترمب يريد التفاوض أصلاً، فيما اقترح قادة الاتحاد الأوروبي زيادة مشترياتهم من الغاز الطبيعي المسال الأميركي، لكن هذه الخطوة لم تلق حتى الآن أي رد علني من واشنطن. ويشير بعض المسؤولين إلى أن شراء مزيد من المعدات العسكرية قد يكون عاملاً مساعداً.
الفائض التجاري الأوروبي مصدر غضب ترمب
كان الفائض التجاري طويل الأمد للاتحاد الأوروبي في السلع مصدر غضب لترمب منذ ما قبل فترته الرئاسية الأولى، كما هي الحال مع ضعف الإنفاق العسكري الأوروبي. ورغم أن معظم أعضاء حلف شمال الأطلسي الـ(ناتو) في أوروبا كانوا متأخرين عن تحقيق أهداف الإنفاق الدفاعي، إلا أن عدداً منهم زاد إنفاقه العسكري أخيراً استجابة لضغوط ترمب والهجوم الروسي على أوكرانيا.
لكن بعدما حققت الدول الأوروبية الأعضاء في “الناتو” مجتمعة هدف الإنفاق الدفاعي عند اثنين في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العام الماضي، وبدأت محادثات لرفع هذا السقف نحو ثلاثة في المئة، صرح ترمب أخيراً بأن المستوى المطلوب يجب أن يكون خمسة في المئة، وهو مستوى يصعب على أي دولة أوروبية تحمله، إن لم يكن مستحيلاً.
وكرر ترمب مراراً رغبته في أن تشتري الولايات المتحدة غرينلاند من الدنمارك، وهو طلب رفضه رئيس وزراء الدنمارك وزعماء أوروبيون آخرون. وقالت رئيسة وزراء الدنمارك، ميته فريدريكسن، “إنها ليست للبيع… أوروبا في حاجة مطلقة إلى زيادة الإنفاق العسكري إلى ما يتجاوز اثنين في المئة. إذا كان الأمر يتعلق بتأمين منطقتنا من العالم، فيمكننا إيجاد طريق للمضي قدمت، لكن لن أدعم أبداً فكرة محاربة الحلفاء، ومع ذلك إذا فرضت الولايات المتحدة تعريفات جمركية قاسية على أوروبا، فسنحتاج إلى رد جماعي وقوي.”
نقلاً عن : اندبندنت عربية