لعله في مقدم الملفات الشقاقية والفراقية والتي يتوقع أن تنفجر في الداخل الأميركي مع وصول الرئيس المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، ملف التعامل مع المثليين والمتحولين جنسياً، خصوصاً أن الرجل لم يدار أو يوار توجهاته التي تدفع هؤلاء وأولئك إلى مزيد من المخاوف حول أوضاعهم المجتمعية وحقوقهم القانونية.
ولنا أن نتساءل أول الأمر، هل هذه التوجهات جديدة أم أن لها أصولاً وجذوراً تعود للولاية الأولى للرئيس العائد من جديد للبيت الأبيض؟
الثابت أنه بين عامي 2017 و2021 مثلت إدارة ترمب ومايك بنس أحد أكبر التهديدات التي واجهها مجتمع المثليين في التاريخ الحديث، فخلال الأعوام الأربعة الأولى من توليه منصبه أصدر ترمب قرارات عدة، واعتبر بعضهم أنه ساعد في نشر الكراهية لمجتمع المثليين والمتحولين يميناً ويساراً وبطرق جعلت الحياة أسوأ بالنسبة إليهم.
وفي هذا السياق اعتبر كثير من المراقبين أن ترمب هو من وقف خلال تلك الأعوام الأربعة الفائتة وراء تعيينات القضاة المعادية للمثليين والمتحولين جنسياً، كما كان مصدر خطر دائم للأشخاص المثليين في جميع أنحاء العالم حتى بعد تركه منصبه، فهل ركز ترمب بالفعل على حقوق المثليين جنسياً ككيس ملاكمة مفصل جديد؟ وهل يمكن أن تسن أميركا كثيراً من التشريعات التي من شأنها أن تضر بحقوق تلك الشرائح المختلفة من حيث الهوية الجنسية خلال فترة ولايته الجديدة؟
معالم الولاية الثانية
الذين تابعوا صولات وجولات ترمب طوال حملته الانتخابية رسخ لديهم أن الرجل يستعد بالفعل لشن نوع من أنواع الحروب بكل الأدوات المتاحة على المتحولين جنسياً والمثليين، وذلك انطلاقاً من قناعاته التي لا تحيد أبداً عن وجود جنسين فقط في النوع البشري، ذكر وأنثى، وما عدا ذلك فغير معترف به ولا مكان له على الخريطة الأدبية وربما القانونية لأميركا لاحقاً، ووعد ترمب أكثر من مرة بأنه ومنذ اليوم الأول له في البيت الأبيض سيسعى جاهداً إلى وقف ما سماه “جنون التحول الجنسي”، وأخيراً وخلال فعالية لتيار من الشباب الأميركي المحافظ في مدينة فينيكس بولاية أريزونا، أكد الرئيس المنتخب أنه سيوقع بمجرد تنصيبه على “أوامر رئاسية تنفيذية لإنهاء تشويه الأطفال جنسياً وإخراج المتحولين جنسياً من الجيش والمدارس الابتدائية والمتوسطة والثانوية”.
وعطفاً على ذلك تعهد ترمب بـ “إبعاد الرجال عن الرياضات النسائية”، مشدداً على أن “السياسة الرسمية لحكومة الولايات المتحدة ستتمثل في أن ثمة جنسين فقط ذكر وأنثى”.
ولا تبدو تصريحات ترمب مجرد محاولات لإثارة الخوف أو الذعر وحسب، بل تبدو خطوات إجرائية على الأرض ومن بينها إعطاؤه الضوء الأخضر لـ “الجمهوريين” في مجلس الشيوخ بتمرير موازنة وزارة الدفاع البالغة 895 مليار دولار للعام الحالي، والتي تتضمن بنوداً تمنع تغطية كلفة علاجات الجراحات للمتحولين جنسياً من أطفال العسكريين الأميركيين، وأقر المجلس القانون بغالبية 85 صوتاً في مقابل 14، وامتناع عضو واحد من التصويت .
ويتساءل المراقبون في الداخل الأميركي هل تركت إدارة ترمب الأولى أثراً واضحاً في سياقات الحياة الخاصة لـ “مجتمع الميم” في داخل الولايات المتحدة حتى بعد أن خسر ترمب أمام بايدن؟
يبدو أنه كذلك قولاً وفعلاً، فمنذ عام 2021، أي في أعقاب رحيل ترمب عن البيت الأبيض، كان هناك ارتفاع كبير في عدد الهيئات التشريعية للولايات التي تقترح أو تمرر قوانين تستهدف الأشخاص المثليين والأطفال المتحولين جنسياً بخاصة، وتتضمن بعض أسوأ الاتجاهات حرمان الأطفال المتحولين جنسياً من الوصول إلى الرياضة ومنعهم من مرافق الحمامات المناسبة وكشفهم لأفراد الأسرة.
كما تحظر أكثر من نصف الولايات الأميركية على الأطفال المتحولين جنسياً الحصول على رعاية طبية تؤكد جنسهم، والتي قد تنقذ حياتهم في كثير من الأحيان، فهل يعني ذلك نهاية زمن “الجنس الثالث” في الداخل الأميركي؟
نهاية فكرة “الجنس الثالث” أميركياً
خلفت إدارة ترمب الأولى عدداً من الولايات الأميركية التي تفرض حظراً على مناقشة فكرة التوجه الجنسي والهوية الجنسية داخل المدارس، وعددها سبع ولايات، فيما تفرض أربع ولايات أخرى قيوداً على ما إذا كان من الممكن مناقشة النشاط الجنسي المثلي في المدارس وكيفية مناقشته، وجرى تمرير هذه القوانين لمنع الأطفال من التعرف على التوجهات الجنسية والهويات الجنسية المتنوعة، مع عدم مراعاة التأثيرات الضارة التي قد تخلفها العزلة والإخفاء على الشباب الذين يعرّفون أنفسهم أو سيعرّفون أنفسهم بأنهم من المثليين أو لديهم أفراد من أسر المثليين.
وفي هذا السياق يتساءل القائمون على حقوق الإنسان حول الكيفية التي يمكن لهذا النوع من التمييز، في تقديرهم، أن يلعب دوره على المسرح الوطني في ظل إدارة ترمب المقبلة، وأحد الأمثلة هو قول ترمب إنه سيحظر تماماً الرعاية المؤكدة للجنس للقاصرين في الولايات المتحدة.
وبالنظر إلى نيات ترمب الرسمية والمعلنة فإن طلبه من الكونغرس أن يقرر عدم الاعتراف إلا بجنسين فقط على المستوى الفيدرالي من شأنه أن يوقف التقدم الذي يجري إحرازه حالياً في البلاد للاعتراف بالأفراد غير الثنائيين، وهو ما رأيناه في الجهود الفيدرالية والولائية للسماح للناس باختيار خيار الجنس الثالث (X) على جوازات السفر والرخص والوثائق الأخرى.
هل يشكل هذا مشكلة بالنسبة إلى الأشخاص المتحولين جنسياً؟
الجواب نعم من دون شك، ذلك أنه يمهد الطريق لقوانين وسياسات قد يقرها الكونغرس، وقد قدم بعض “الجمهوريين” بالفعل تشريعات من شأنها أن تجعل تقديم الرعاية التي تؤكد النوع الاجتماعي جريمة في الولايات المتحدة، أو من شأنها أن تحظر على الفتيات المتحولات جنسياً ممارسة الرياضة في جميع أنحاء البلاد، وعطفاً على ذلك فإن كثيراً من التغيرات التي اقترحها المشرعون وترمب من شأنها أن تستبعد الطلاب المتحولين جنسياً من الحماية التي يوفرها لهم “العنوان التاسع”، وهو قانون فيدرالي يحظر التمييز على أساس الجنس داخل المؤسسات التعليمية الممولة فيدرالياً، وهذا من شأنه أن يؤثر في سياسات المدارس في ما يتعلق باستخدام الطلاب للحمامات وغرف تبديل الملابس.
وإضافة إلى ما تقدم قال ترمب خلال حملته الانتخابية إنه سيعمل على إلغاء السياسات الفيدرالية التي تحظر التمييز على أساس التوجه الجنسي والهوية الجنسية، وخلال فترة ولايته الأولى عملت إدارته على إضعاف بعض هذه الحماية، وربما يتساءل بعضهم هل هذا التوجه يختص بترمب وحسب؟ أم أنه تيار عام وشبه كامل يختص بالحزب الجمهوري؟
مما لا شك فيه والعهدة هنا على المدير السباق للحزب الجمهوري في ولاية ميشيغان شاول أنوزيس أن “تطرف اليسار الديمقراطي الليبرالي جاء بنتائج عكسية مروعة على الديمقراطيين، ويعتقد الناخب الأميركي أن اليسار التقدمي ذهب بعيداً جداً مما يفتح الباب لتصرفات مضادة من جانب الجمهوريين”.
الجمهوريون واستهداف حقوق المثليين
من المؤكد أن فوز ترمب وبهذه النسبة العالية الكاسحة سيدعم توجهات الحزب الجمهوري لجهة مزيد من استهداف المتحولين والمثليين، وعلى سبيل المثال جاء قرار مجلس النواب بمنع أول عضو متحول جنسياً في الكونغرس من دخول الحمامات النسائية إلى تسليط الضوء على اتجاه وطني يستهدف حقوق المثليين واعتبار أن فوز ترمب عامل داعم في هذا الاتجاه.
لماذا كان الفوز الترمبي على هذا النحو؟
الشاهد أن “الجمهوريين” يتعاملون مع انتصار ترمب باعتباره تفويضاً لمزيد من تقييد الأشخاص المتحولين جنسياً من الوصول إلى الحمامات والرياضات الشابة والرعاية التي تؤكد النوع الاجتماعي، مستشهدين برسالة الرئيس المنتخب الختامية “كامالا من أجلهم، والرئيس ترمب من أجلكم”، ولقد أصيب الديمقراطيون بالشلل بسبب تبادل الاتهامات بعد الانتخابات، وفوجئوا بقوة خطاب التخويف الذي ينتهجه “الجمهوريون” ضد المتحولين جنسياً، وفي الوقت نفسه يتساءل المتحولون جنسياً عمن يقف معهم بالضبط، فقد قدم الجمهوريون 32 مشروع قانون مناهضاً للمتحولين جنسياً خلال اليوم الأول من فترة ما قبل التقديم، أي قبل جلسات المجلس التشريعي في تكساس للعام الحالي، كما أقر المجلس التشريعي في ولاية أوهايو حظراً على استخدام المراحيض في جميع أنحاء الولاية داخل الحرم الجامعي في أول يوم من انعقاده بعد الانتخابات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
والواقع أن “الجهوريين” راهنوا على أجندة معاداة المتحولين جنسياً باعتبارها إستراتيجية رائجة حتى عندما تؤثر القضايا المطروحة في حصة ضئيلة من الأميركيين، والسكان المستهدفون بمشروع القانون هم من بين الأكثر عرضة للمعاناة من القلق والاكتئاب، وهنا ربما يتذكر الأميركيون أنه خلال حدث أقيم في ولاية كارولينا الشمالية عام 2023 قال الرئيس ترمب إنه “من المذهل مدى قوة مشاعر الناس تجاه هذا الأمر، وعندما أتحدث عن المتحولين جنسياً يصاب الجميع بالجنون، فمن كان ليتصور قبل خمسة أعوام أنك لا تعرف ما هو هذا الأمر؟”
وفي عام 2021 تواصلت “وكالة أسوشيتدبرس” مع المشرعين في 20 ولاية اقترحوا حظر الرياضة للشباب، ووجدت أن أياً منهم لم يتمكن من الاستشهاد بأية أمثلة على مشاركة الرياضيين المتحولين جنسياً مما يشكل مشكلات في ولاياتهم ، فهل سلوك الحزب الجمهوري هذا يعني أن هناك مزيداً من إجراءات التضييق التي ستنتهجها إدارة ترمب وتحولها حرباً على المتحولين والمثليين؟
هجمات ترمب بين الماضي والحاضر
في أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي قدّم الكاتب ومقدم الـ “بودكاست” وصانع الفيديو المقيم في سياتل بولاية واشنطن، مات بوسامنانثا، ما يشبه جردة حساب لهجمات ترمب على مجتمع المثليين جنسياً، وتكمن أهمية هذه الجردة في كونها تمتلئ بكثير من الأبعاد والزوايا التي لا تزال مفتوحة، ويمكن أن تفعّل بأقصى مد وحد خلال الولاية الثانية للملياردير الجمهوري، فعلى سبيل المثال كانت إحدى الطرق الأكثر وضوحاً التي عبرت بها إدارة ترمب الأولى عن عدائها للأشخاص المثليين هي معارضتها لقانون المساواة، وهو التشريع الذي لا يزال معلقاً والذي من شأنه أن يضمن أن حماية الحقوق المدنية الحالية تغطي التوجه الجنسي والهوية الجنسية بالطريقة التي تُفعّل بها بالفعل تجاه العرق والإعاقة، ووضع المحارب القديم وأكثر من ذلك، والمعروف أن قانون المساواة يحظى بدعم تحالف واسع النطاق من عشرات المجموعات، بما في ذلك منظمات الحقوق المدنية مثل “الاتحاد الأميركي للحريات المدنية” و “هيومن رايتس ووتش” وشركات مثل “أبل” و”غوغل” و”نتفليكس”، وجماعات دينية مثل كنيسة المسيح وغيرها، ومع ذلك قال أحد كبار المسؤولين في البيت الأبيض وقتها إن حماية الأميركيين المثليين من شأنه أن “يقوض حقوق الوالدين والضمير”، ووصف المتحدث باسم البيت الأبيض جود ديري القانون بأنه “حبة سامة “، فيما ذهب ترمب إلى أنه وإن كان عارض التمييز إلا أنه لن يوقع على مشروع القانون، فهل يعني ذلك أن الطريق سيكون ممهداً وبقوة أمام ترمب خلال ولايته الثانية لإقرار معارضة “قانون المساواة” وربما إلغاءه رسمياً؟
ومن القضايا التي شكلت في الماضي، وحكماً ستكون حجر زاوية في إدارة ترمب الثانية، قضية معارضة حماية الوظائف للأشخاص المثليين، فقد ضخت إدارة ترمب الأولى قدراً كبيراً من الموارد لمنع الحماية الوظيفية الأساس للأشخاص المثليين، وأصرت على أن أصحاب العمل يجب أن يكونوا أحراراً في طرد العمال لمجرد الشك في أنهم قد يكونون من مجتمع المثليين، وفي عهد ترمب قدمت الإدارة مذكرات في “قضية بوستوك” التاريخية أمام المحكمة العليا بحجة أن قوانين الحقوق المدنية القائمة لا ينبغي تفسيرها لتغطية التوجه الجنسي والهوية الجنسية، وقد وضعهم هذا في معارضة للجنة تكافؤ فرص العمل مما خلق وضعاً غير عادي، إذ اضطرت الحكومة الفيدرالية إلى الجدال ضد نفسها في المحكمة .
وخلال عهد ترمب الأول ألغت وزارة الصحة والخدمات الإنسانية الحماية الطبية للأشخاص المثليين التي أنشئت بموجب قانون الرعاية الميسرة الذي أصدره الرئيس السابق باراك أوباما،
فأنهى تغيير القاعدة سياسة كانت تحمي الأشخاص المثليين من التمييز في مؤسسات الرعاية الصحية، مما أدى إلى تفريغ جزء من قانون الرعاية الميسرة المعروف باسم “القسم 1557″، وجرى تنفيذ التغيير في صيف عام 2020، وجاء في خضم جائحة “كورونا” التي ثبت منذ ذلك الحين أنها تشكل أخطاراً صحية غير مناسبة للأشخاص المثليين، فهل بدأ الرعب يتسلل بالفعل إلى قلوب ونفوس “مجتمع الميم الأميركي” مع انطلاق إدارة ترمب الثانية؟
هلع “مجتمع الميم”
خلال الأسبوع الأول من يناير (كانون الثاني) الجاري قدم موقع “باز فييد” والذي يهتم بشؤون المشاهير والحياة الخاصة، ما يشبه قراءة استقصائية لردات فعل بعض من “مجتمع الميم” الأميركي حال نفذ ترمب ما وعد به، ويقول أحدهم “سأتخرج في المدرسة الثانوية هذا العام وأريد فقط أن أتأكد من أنني سأكون آمناً في الكلية أينما ذهبت”، مضيفاً “إلى كل أخوتي المتحولين جنسياً من فضلكم ابقوا آمنين قدر الإمكان، والآن هو الوقت المناسب لتكوين مجتمع يمكننا الاعتماد عليه لتكوين صداقات مع أشخاص متحولين جنسياً آخرين، فالتزموا بالأمل من فضلكم”.
وقال متحدث ثان من دون الكشف عن هويته إنه “كشخص متحول جنسياً بلغ 18 سنة أخيراً ومنعني والداي من التحول عندما كنت قاصراً، أشعر بالرعب من أن يجري قطع تحولي قبل أن أبداً حتى، فأنا أعيش في ولاية زرقاء عميقة وأتعاطف مع أخوتي المتحولين جنسياً في الولايات الحمراء، ومع ذلك وعلى رغم مدى حظوتي بالعيش في المكان الذي أعيش فيه الآن، أشعر بالقلق من استخدام ترمب سلطته الفيدرالية لمنع الناس من التحول”، وتقول إحدى المتحولات المتزوجات إن “زوجي متحول جنسياً وأنا أشعر بالقلق عليه باستمرار”، مضيفة “أشعر بقلق شديد إزاء العنف الموجه ضدهم، فلم يعد أي من خياري الحمام المخصص للجنسين يشعرهم بالأمان، وأشعر بقلق بالغ لأنني أعلم أنني لا أستطيع حمايته من كل شيء، أن أكون هناك دوماً باستمرار من أجل حمايته من الكراهية، وبصرف النظر عن سلامته الجسدية فإنني أخشى على صحته العقلية، ذلك أن الاستمرار في وصفه وأمثاله بالمصابين بمرض عقلي من قبل الجمهور والمسؤولين الحكوميين أمر من شأنه أن يؤثر سلباً في صحته هو وكل من يماثله، ولقد كان لدي شريك صحته العقلية أفضل بكثير قبل أن يدخل ترمب عالم السياسة، غير أن هذا أمر مشكوك فيه الآن”.
“مشروع 2025” وشيطنة المتحولين
تعلمنا الأدبيات السياسية الكلاسيكية أن من يوسوس في أذن الملك هو أخطر كثيراً من الملك، وعليه نتساءل “هل من جهة بعينها تدعم وتزخم مسيرة ترمب نحو هذه الحرب على المتحولين جنسياً؟
المقطوع به هو أن أبجديات الإدارة الأميركية الجديدة لدونالد ترمب يمكن للمرء أن يجدها في “مشروع 2025” أحد أهم ثمار “مؤسسة التراث الأميركية” والتي تعد الصوت الصارخ في البرية الأميركية في مواجهة اليسار الليبرالي التقدمي بأعبائه وأخطائه التي تقترب من حدود الخطايا، والسؤال المهم هنا “هل يحاول “مشروع 2025″ شيطنة الأشخاص المثليين جنسياً ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسية؟”.
يتضمن “مشروع مؤسسة التراث 2025” والذي وصفه حلفاء الرئيس المنتخب بأنه أجندة الإدارة المقبلة خططاً واسعة النطاق لتقليص الحقوق والحماية للأشخاص المثليين جنسياً والمتحولين، والصورة الكبيرة للمشروع حال تنفيذه من شأنها أن تعيد تشكيل نسيج الحياة الأميركية من خلال توسيع سلطة الرئاسة وتقليص شبكة الأمان الاجتماعي وإلغاء الحقوق لشريحة واسعة من الأميركيين، والثابت بصورة كبيرة أن “مشروع 2025” يسعى، ولا سيما في نظر الديمقراطيين التقدميين والليبراليين، إلى محو مجتمع المثليين والمثليات ومزدوجي الميل الجنسي والمتحولين جنسياً من الحماية الفيدرالية بالكامل، كما أن هذا المشروع من شأنه أن يخلف آثاراً واسعة النطاق على الأشخاص من ذوي البشرة الملونة والنساء في جميع أنحاء البلاد، وتدعو تفويضات “مشروع 2025” إلى حذف الكلمات بعض الكلمات مثل “التوجه الجنسي” و”التنوع” و”المساواة” و”الإدماج” و”المساواة بين الجنسين” و”الوعي بالجنس” و”الحساسية بين الجنسين” و”الإجهاض” و”الصحة الإنجابية” و”حقوق الإنجاب” من كل القواعد الفيدرالية ولوائح الوكالات والعقود والمنح والتشريعات الموجودة.
والمعروف أنه في عام 2020 وسّعت المحكمة العليا نطاق حماية التميز في مكان العمل بموجب العنوان السابع للعمال على أساس ميولهم الجنسية أو هويتهم الجنسية، غير أن “مشروع 2025” يدعو إلى تقييد تطبيق هذا الحكم على التوظيف والفصل، ويوجه الرئيس بتوجيه الوكالات الفيدرالية لسحب أية إرشادات تهدف إلى تطبيقه خارج هذا النطاق .
ويطالب “مشروع 2025” بإلغاء الأمر التنفيذي الذي أصدره الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن في شأن أول مجلس لسياسة النوع الاجتماعي في البيت الأبيض خلال عام 2021، وسعى هذا الأمر إلى تعزيز المساواة بين الجنسين والصحة والحقوق الجنسية والإنجابية، كما يطالب التقرير بخفض التمويل الفيدرالي للرعاية المؤكدة للجنس والقضاء على “التدريب على الإجهاض” في كليات الطب، وعطفاً على ذلك يتضمن “مشروع 2025” مجموعة واسعة من القيود الأخرى التي من شأنها أن تؤثر في الحياة اليومية للأميركيين المتحولين جنسياً، مثل منعهم من الخدمة في الجيش بحجة “أن اضطراب الهوية الجنسية لا يتوافق مع متطلبات الخدمة العسكرية”.
ويدعو مشروع القانون إلى سن تشريع يمنع موظفي التعليم العام أو المتعاقدين معه من استخدام أسماء أو ضمائر لا تنطبق مع شهادة ميلاد الطالب ما لم يكن لديهم إذن كتابي من الوالدين، كما يسعى إلى عكس جهود إدارة بايدن لتوسيع نطاق حماية “العنوان التاسع” ويدعو الكونغرس إلى تعديل العنوان نفسه لتعريف “الجنس” ليعني “الجنس البيولوجي المعروف به عند الولادة فقط”.
ويحدد “مشروع 2025” المبادرات الإضافية التي يمكن أن تؤثر في الأشخاص المثليين جنسياً ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسية في الداخل والخارج، وبالإجمال يهدف “مشروع 2025” إلى إعادة صياغة مشاهد الرعاية الصحية للأميركيين من “مجتمع الميم” وبخاصة للمتحولين جنسياً، فهل يمكن القول بأن هذا المشروع مولود من قلب الرحم الديني اليميني الأميركي المعادي لـ “مجتمع الميم”؟
ترمب وحرب اليمين على المثليين
يدرك القاصي والداني أن ترمب ليس له دالة على الإيمانيات أو الروحانيات بشكل أو بأخر، وأن الرجل تطارده لوائح عدة من الاتهامات الأخلاقية ليس أخرها ولا أقلها قضية “أموال الصمت الشهيرة”، غير أن ذلك لا يمنع من الإقرار بأن الرجل لديه توجهات يمينية ثقافية ومجتمعية ترتبط بالتيار الأميركي المحافظ، والقسم الغالب فيه يميل إلى الصحوة الدينية التي ترى في أميركا “المدينة فوق جبل”.
ولعله ما من شك في أن “اليمين الديني الأميركي” يقع في قلب الرسالة المعادية لمجتمع المثليين والتحول الجنسي في العالم عامة وفي الولايات المتحدة الأميركية بخاصة، ولذلك يحتاج الحديث عن “اليمين الأميركي” ودوره في فوز ترمب الأخير إلى مساحات واسعة من الحديث، غير أن نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة أفرزت ظاهرة تبدو مثيرة للجدل، وهي أن ملايين الأميركيين عزموا أمرهم على التصويت لترمب بدوافع دينية محافظة، بل أكثر من ذلك تبدو هناك صيحات مغرقة في التشدد الإيماني والتفسير الحرفي للرؤى الكتابية، تربط بين الخيبات والإخفاقات التي تعيشها أميركا، ناهيك عن النوازل المتعلقة بالطبيعة مثل الأعاصير والزلازل والبراكين وغيرها، وبين ما يحدث في الداخل الأميركي من تفكك وتفسخ أخلاقي واجتماعي من ناحية، وانحلال روحاني من ناحية ثانية.
ولعله من مصادفات القدر أن تأتي حرائق مدينة لوس أنجليس قبل أيام معدودة من تنصيب الرئيس ترمب، وقد ذهب كثيرون في تفسير تلك الحرائق إلى أنها إشارة من السماء تحمل عنواناً للغضب الإلهي المحتوم على الولايات المتحدة عامة وعلى مجتمع لوس أنجليس وسينما هوليوود التي تشيع الفاحشة صباح مساء كل يوم، عبر شاتها الفضية، سواء في الداخل الأميركي أو حول العالم، فلقد بات “اليمين الديني الأميركي” يمثل تياراً حاضراً وبقوة، وغالب الظن أن هناك علاقة ما بين اشتداد عوده من ناحية ومخاوف الرجل الأبيض من تراجع هيمنته الديموغرافية في الداخل الأميركي من ناحية ثانية .
واليوم بات في حكم المؤكد كذلك أن مجموعات أميركية يمينية أسهمت في إنشاء شبكة عالمية لتبادل الأفكار والتمويل في محاولة لتقييد حقوق المثليين والمتحولين جنسياً عالمياً، مما يعني أن حرب ترمب ليست على الداخل فقط بل حكماً ستمتد إلى خارج الولايات المتحدة بالقدر نفسه، وهنا يمكن القطع بأن تلك الحرب ستستخدم كثيراً من الأدوات والآليات التي تمتلكها أميركا، سواء ارتبط بالأمر بنفوذها في المؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة أو منظمة الصحة العالمية أو مجلس حقوق الإنسان، أو فيما يخص المساعدات الصحية والطبية التي تقدم لكثير من دول العالم، ولا سيما القارة الأفريقية، حيث تبدو قضية المثليين والتحول الجنسي مثار كثير من الأحاديث ذات الأهمية.
هل من خلاصة؟
يبدو أن هناك بعداً مثيراً آخر متعلق بالأمن القومي الأميركي وحال العنف المسلح التي قد تنجم عن التضييق الكبير على المثليين والمتحولين، ناهيك عن المتعاطفين معهم ولا سيما حال التزم ترمب وإدارته بكل ما وعد به، ففي منتصف نوفمبر الماضي نشرت صحيفة “غارديان” البريطانية تحقيقاً مطولاً عن ردود الفعل المحتملة لدى قطاع واسع من هؤلاء وأولئك، وآنذاك تحدث الشاب الأميركي أنيكوس سباركس، وغالباً هو اسم غير حقيقي، عن عزمه حضور دورة تدريبية لمدة ست ساعات حول ترخيص حمل الأسلحة الخفيفة، على رغم أنه ليس من محبي الأسلحة النارية، ولكن بصفته شاباً متحولاً جنسياً يبلغ من العمر 18 سنة فإنه يشعر بالقلق من أنه قد يحتاج ذات يوم إلى امتلاك سلاح ناري “فقط في حال الطوارئ”.
ومنذ انتخاب ترمب واجه سباركس تهديدات عبر الإنترنت بالعنف والاعتداء الجنسي من أنصار الرئيس المنتخب، فهل تعني حرب ترمب على المثليين والمتحولين عودة لتهديدات الحرب الأهلية بين الأميركيين مرة أخرى؟
نقلاً عن : اندبندنت عربية