يعتبر المسؤولون في قوة الحدود الإستونية أن مدينة نارفا، التي تضم واحدة من نقاط العبور القليلة إلى روسيا، هي “نهاية العالم الحر وبدايته”.
لقد أصبحت المدينة، التي تقع على الحدود الشرقية لحلف شمال الأطلسي (ناتو)، هدفاً مستمراً لتكتيكات الحرب الهجينة التي تستخدمها روسيا، إذ يرسل الكرملين مناطيد مراقبة بانتظام كل أسبوع تقريباً كما يقوم بإزالة البنية التحتية للحدود الإستونية في وقت متأخر من الليل.
يقول إيغرت بيليتسيف، وهو المدير العام لقوة الحدود الإستونية “لا أستخدم [مصطلح] ’العالم الحر‘ من أجل وصف كل ما هو على الجانب الآخر من الحدود”.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولكن ليس الجميع في نارفا يرون الأمر بطريقة بيليتسيف ذاتها.
وتشكل الروسية اللغة الأولى لدى نحو 96 في المئة من سكان نارفا البالغ عددهم 56 ألف شخص، في حين أن 34 في المئة من السكان مواطنون روس.
وتذكر الدكتورة ماريا سمورجيفسكيخ – سميرنوفا، وهي مديرة متحف نارفا أن هؤلاء “يعيشون داخل الفضاء الثقافي والدعاية الروسيين”.
وعليه ربما من غير المستغرب أن يشير فلاديمير بوتين عام 2022 إلى أنه يضع نارفا نصب عينيه، وهو ما يوحي بأنه سيكون من المبرر “استعادة وتأمين” هذه المدينة الحدودية.
وتتابع سمورجيفسكيخ – سميرنوفا “لقد وجد متحف نارفا، الذي تطل واجهته نحو روسيا بصورة مباشرة، نفسه في قلب التوترات المتأججة بعد أن قام بعدد من الأعمال المثيرة المناهضة لبوتين واستضافة معارض فنية تسلط الضوء على الدعاية الروسية وجرائم الحرب.
وعلق المتحف على مدى العامين الماضيين، لافتة كتب عليها “بوتين مجرم حرب” على جانب قلعة نارفا، المواجهة لإيفانغورود، وهي بلدة حدودية روسية تقع على بعد 101 متر فقط.
في كل عام، يتم توقيت رفع اللافتة ليتزامن مع احتفالات روسيا بيوم النصر في التاسع من مايو (أيار) التي تقام في إيفانغورود. وهناك شعور واضح في إستونيا بأن الاحتفالات، التي يجري بثها عبر مكبرات صوت ضخمة، لا تنظم من أجل أولئك الذين يعيشون في روسيا.
ويرى بيلتسيف أنهم “يعمدون القيام بذلك باتجاه سكان نارفا. المسرح موجه نحو إستونيا. يستخدمون أكبر مكبرات الصوت لديهم في روسيا. إنه ليس من أجل إيفانغورود”.
وطالب مسؤولون روس ممثلي سلطات الحدود الإستونية بإزالة اللافتة المناهضة لبوتين (لكنهم رفضوا)، لكن هذه اللافتة لم تثر الغضب فقط على الناحية المقابلة من نهر نارفا.
وبينما حظي المتحف بموجة من الدعم من مدن إستونية أخرى، فإن سمورجيفسكيخ – سميرنوفا تكشف عن أنها هي وعائلتها تلقوا تهديدات بالقتل وإساءة المعاملة والمضايقة من بعض سكان نارفا.
ويشير زوراب يانيس، الذي يعمل في المتحف، إلى أن التهديدات جاءت إلى رئيسته عن طريق رسائل بالبريد الإلكتروني ورسائل نصية ومنشورات على “فيسبوك”. ويزيد زوراب “لقد هددوا باغتصابها وقتلها وشنقها، كما أنهم قاموا بتعديل صور ماريا بواسطة برنامج فوتوشوب لتظهر وكأنها مقطوعة الرأس”، ويوضح أن ابنها تلقى صوراً مقززة معدلة إلكترونياً.
بعد الأعمال المثيرة المناهضة لبوتين التي قامت بها على مدى عامين، تعتقد سمورجيفسكيخ-سميرنوفا الآن أن منصبها في المتحف بات معرضاً للخطر نتيجة للتوجهات المؤيدة لروسيا في نارفا.
وتقول إن “المتحف يتعرض لضغوط وتوترات مستمرة، بيد أننا نواصل الحديث عن تاريخنا المؤلم”.
ومع أن سمورجيفسكيخ-سميرنوفا نفسها ولدت في سيبيريا ولغتها الرئيسة هي الروسية، فهي تقول “الأمر بالنسبة إلينا، لا يتعلق بالأمم والأصول، بل يتعلق بالقيم”.
وعلى رغم وجود عدد كبير من السكان الروس من حيث الثقافة والعرق في نارفا، إلا أن نظام بوتين لا يزال يستخدم المدينة كهدف رئيس لبث الاضطراب، وهي حوادث تتزايد من حيث الشدة والوتيرة مع استمرار الحرب في أوكرانيا.
ووفقاً لمسؤولي قوة الحدود الإستونية، عمدت روسيا في مرات عدة إلى إطلاق منطاد مراقبة كبير في المجال الجوي لبلدة نارفا، يحمل حرف “زد” Z وهو رمز وثيق الصلة بالدعاية الروسية.
ويقول بيلتسيف إن التكنولوجيا عفا عليها الزمن لدرجة مضحكة، ويلفت إلى أنه أداة واضحة من أدوات المراقبة، ويتم استخدامها بهدف إثارة القلق في إستونيا.
ويقول إنهم “يحاولون استفزازنا لكي نقوم برد فعل، إنهم يريدون أن يروا كيف نستجيب”.
كما اتهمت روسيا بسرقة العوامات التي تشير إلى الحدود على نهر نارفا في محاولة لتعطيل قدرة إستونيا على مراقبة التوغلات، فضلاً عن إبطاء عمليات التفتيش على الحدود بصورة متعمدة قبل العرض الوطني الإستوني، وذلك من أجل إغراق المنطقة المحلية بالطوابير.
وبعد ما يقرب من ستة أشهر، لا يزال الناس يقفون في طوابير لأكثر من 12 ساعة في الثلج لكي يعبروا الحدود إلى روسيا.
وزعمت قوة الحدود الإستونية أن الكرملين هو المسؤول عن ذلك، ولكن في بلدة نارفا الناطقة بالروسية، يجري أيضاً توجيه اللوم إلى الحكومة الإستونية.
لقد أغلقت روسيا نقطة تفتيش نارفا أمام المركبات كافة، وبالتالي فإن السبيل الوحيد للعبور هو الذهاب سيراً على الأقدام. وتجعل التحصينات الضخمة المضادة للدبابات المتمركزة في منتصف الجسر مستحيلاً على أي شخص يستخدم نقطة التفتيش أن ينسى كم هو قريب من منطقة الحرب.
وفي حين يستخدم بعض الناس المعبر لكي يحاولوا تهريب بضائع، مثل أجزاء الطائرات من دون طيار أو وقود السيارات، إلى روسيا، فإن هناك أيضاً أشخاصاً يقطعون الحدود لأسباب أكثر من عادية.
إحدى النساء في أوائل العشرينيات من عمرها، التي عبرت من روسيا إلى إستونيا يوم الأحد الماضي، كانت سافرت إلى موسكو لزيارة صديقة لها، وقالت لـ”اندبندنت” إنها انتظرت لمدة ثماني ساعات في الثلج عندما غادرت إستونيا قبل بضعة أيام.
وهناك رجل آخر، يعمل في فنلندا لنصف عام ولكنه يعيش في روسيا، قال إنه انتظر في طابور لأكثر من 12 ساعة من أجل عبور الحدود في طريقه إلى بلدته الروسية لقضاء الشتاء هناك.
وفي حين تصر قوة الحدود الإستونية على أن روسيا هي المسؤولة عن التأخيرات الضخمة، لا يبدو أن بيلتسيف منزعج للغاية من الانتظار الطويل.
وهو يرى أنه “إذا كنت تريد دخول الاتحاد الروسي، فلا ينبغي أن يكون ذلك مريحاً، إن روسيا دولة معتدية نفذت عمليات عسكرية واسعة النطاق لأكثر من 1000 يوم في إحدى الدول المجاورة لها”.
ويضيف قائلاً إن “أي شخص يتمتع بمنطق سليم لن يذهب إلى هناك”.
نقلاً عن : اندبندنت عربية