<p class="rteright">الجهود السياسية والدبلوماسية التي يقوم بها الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان تحولت إلى حقل ألغام (رويترز)</p>

آراء
Tags: 
مسعود بزشكيان 
المرشد الإيراني
حسن روحاني
طوفان الأقصى

يبدو أن الجهود السياسية والدبلوماسية التي يقوم بها الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان تحولت إلى حقل ألغام تحاول القوى المتشددة زرعه أمام سلطته التنفيذية ليتفجر فيه وفي حكومته وإدارته السياسية، وقد وجدت هذه القوى المتضررة من وصول بزشكيان وخطابه التوفيقي على أساس وطني مسوغاً لها لرفع مستوى مواجهتها له ولفريقه وخطابه، وهو عداء لا ينطلق من خليفه شخصية وإنما تحركه دوافع ومصالح ومكاسب وإستراتيجية ورؤية مختلفة للعمل السياسي والتنفيذي، تتعارض وتتصادم مع أي خطاب إصلاحي أو وسطي أو توفيقي، وإن كان الهدف منه الحفاظ على المصالح القومية العليا وإبعاد الخطر من إيران ونظامها وثورتها الإسلاميين.
ولم تترك هذه القوى، وبخاصة الجناح المدعوم من سعيد جليلي الخاسر في السباق الرئاسي أمام بزشكيان، أية فرصة للنيل أو وضع العراقيل أمام الحكومة الجديدة التي جاءت من خارج إرادة المحافظين بتشكيلاتهم المتشددة، متخذة من وجود وزير الخارجية الأسبق محمد جواد ظريف في موقع مساعد الرئيس للشؤون الإستراتيجية ذريعة لحربها ضد بزشكيان وفريقه، وصولاً إلى الإطاحة به إذا أمكن أو منعه من تحقيق برنامجه السياسي والاقتصادي في الحد الأدنى.
وإذا ما كان الرئيس السابق حسن روحاني قد وصل إلى الرئاسة وورث مساراً قائماً من المفاوضات السرية الثنائية بين النظام والإدارة الأميركية، أفضت معه، وبقيادة ظريف، إلى التوقيع على الاتفاق النووي عام 2015، فإن بزشكيان جاء ببرنامج واضح ومباشر لم يكن أي من أسلافه في رئاسة السلطة التنفيذية يملك الجرأة والقدرة على الإفصاح عنه أو الاقتراب منه بهذه الشفافية والواقعية، من خلال التأكيد أن الطريق للخروج من الأزمات الاقتصادية والمعيشية والاختلال في الموقع السياسي في المعادلات الإقليمية والدولية للنظام وإيران يمر من خلال التفاوض المباشر مع الإدارة الأميركية، وإعادة تعريف العلاقة معها وحل كل الملفات العالقة، بدءاً من الملف النووي ووصولاً إلى كل الملفات السياسية والأمنية على المستويين الإقليمي والدولي، وأن الحاجة إلى مثل هذا المسار باتت أكثر إلحاحاً وبخاصة خلال المرحلة الأخيرة، ونتيجة التطورات والتداعيات التي شهدتها المنطقة والمعادلات الجيوسياسية والجيوستراتيجية التي نتجت من الأحداث في قطاع عزة ولبنان وسوريا والعراق، والتي ستفرض على النظام وقيادته إعادة تعريف مفهوم “العمق الإستراتيجي” الذي بنا عليه نفوذه الإقليمي.
وعلى رغم الموقف الواضح للمرشد الأعلى للنظام في دعم التوجهات السياسية والإستراتيجية للرئيس بزشكيان، والتي تتقدم بالتنسيق والتخطيط معه وتحت رعايته، ومعرفة وإدراك القوى والتيارات المتشددة لهذه الحقيقة، لكنها تحاول الذهاب إلى تحدي توجهات المرشد وشروط واشتراطات المرحلة الجديدة وتعقيداتها من خلال رفضها التسليم أمام هذا المتغير في إستراتيجية النظام وقيادته، ولم تسقط ما تملكه من أسلحة أو ما تعتقده كذلك في حربها ضد إدارة بزشكيان، والعمل على إفشاله أو إجباره على اتخاذ سياسات أكثر تشدداً وراديكالية تنسجم مع أيديولوجيتهم وعقيدتهم السياسية والفكرية.
والقوى المحافظة، سواء في عهود الرؤساء السابقين وتحديداً محمد خاتمي وحسن روحاني، لم تستطع التخلي عن طموحاتها في إبعاد وإقصاء كل القوى والتيارات المختلفة أو المتعارضة معها، ولم تترك وسيلة لإفشال كل برامجها الإنقاذية والتنموية على جميع المستويات، إضافة إلى إفشال كل الجهود التي بذلت من أجل ترميم علاقات إيران مع المجتمع الدولي وخفض التصعيد وتخفيف التوتر مع المحيط والعالم. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولا يختلف الأمر مع بزشكيان الذي رفع شعار “الوفاق الوطني” كمدخل لشراكة جميع القوى السياسية في العملية الإنقاذية التي يسعى إليها بالتنسيق والتفاهم مع المرشد الأعلى، في ظل ما يحيط بإيران من أخطار لا تقتصر على التهديد الخارجي وإمكان حصول حرب إقليمية مدمرة، بل تشمل أيضاً أخطار الانفجار الداخلي ووقوع إيران في دائرة الفوضى وعدم الاستقرار مع تحمله من تداعيات خطرة قد تصل إلى تهديد وحدة الأراضي الإيرانية.
وفي هذا السياق يكمن اعتبار الاستهداف المركز الذي يتعرض له ظريف من قبل التيار المتشدد في المحافظين، وبخاصة التيار المحسوب على جماعة “الثابتون – بایداریها” إضافة إلى الجماعات المحسوبة على سعيد جليلي، بمثابة الضحية التي يسعى هؤلاء إلى الرمي بها وسط حقل الألغام الذي زرعوه في طريق بزشكيان وحتى النظام، والحرب على ظريف لم تبدأ نتيجة الكلام الذي صدر عنه على هامش طبيعية الأحداث الأخيرة وتغييب إيران عن توقيت عملية “طوفان الأقصى” التي نسفت الجهود التي بذلتها طهران لإعادة إطلاق الحوار بينها وبين الإدارة الأميركية، إضافة إلى توصيف موقف رئيس الجمهورية الذي علّق بالتنسيق مع المرشد والمجلس الأعلى للأمن القومي تنفيذ قانون الحجاب الصادر عن البرلمان، أو مستوى التداعيات التي كانت ستواجهها المنطقة وإمكان حصول حرب مدمرة في حال وصول جليلي إلى الرئاسة.
والهجوم على ظريف بدأ بصورة واسعة وممنهجة منذ أن انضم إلى الحملة الانتخابية للمرشح بزشكيان، ثم في الدور الذي لعبه في تشكيل الحكومة وتركيب فريق الرئيس السياسي والإداري، وبخاصة ما يتعلق بالملفات الدولية والحساسة، والذي جعل من هذه القوى رافضة دوره لاعتبار أن سلطة بزشكيان استمرار لعهدي خاتمي وروحاني، وأن هذه الحكومة ستستغل ما تواجهه إيران من أزمات لفرض أجندتها السياسية على علاقات إيران الدولية والإقليمية، وأن ذلك سيشكل ضربة لهذه الجماعات ومشروعها في أن تكون هي الجهة التي تقود هذه العملية وأن تسجل باسمها، لتكون قادرة على توظيف أي انفراج اقتصادي أو سياسي أو دولي في تعزيز مواقعها داخل منظومة السلطة، وأن تكون صاحبة الكلمة الفصل في رسم سياسات النظام خلال المرحلة المقبلة، بخاصة أنها تعيش بانتظار التداعيات السياسية التي ستشهدها إيران بعد غياب المرشد الأعلى وحجم الدور الذي ستلعبه في اختيار المرشد الجديد.
لا شك في أن معركة استهداف ظريف والسعي إلى إخراجه من دوره والحياة السياسية والإدارية لا يكمن اعتباره معركة ثأرية بينه وبين هذه القوى ومعها جليلي، بل هي معركة تستهدف السلطة التنفيذية والخطاب التوافقي الذي يحمله بزشكيان المدعوم من المرشد، والذي يدرك ويلمس مدى الحاجة إلى هذا التغيير الذي يقوده الرئيس لإنقاذ النظام، وبالتالي فإن نجاح هذه القوى في إبعاد وإخراج ظريف يعني حكماً إنهاء أو إضعاف، حد الموت، تجربة بزشكيان، وإعادة إيران للمراوحة السياسية المفتوحة حينها على جميع الاحتمالات، بما فيها العودة للخطاب التصعيدي والتحريضي الذي يعيد توفير الحماية لمصالح ومكاسب هذه الجماعات القريبة والبعيدة، ويسمح لها بإحكام قبضتها على مفاصل القرار السياسي والإستراتيجي بمختلف مستوياته من جديد.
أما في حال فشلها والذي يعني انتصار الخطاب المعتدل والانفتاحي، فإن إيران قد تذهب إلى مرحلة جديدة من إعادة بناء علاقاتها الداخلية والخارجية التي ستكون متأثرة بطبيعة الحال بالتطورات التي شهدتها منطقة غرب آسيا والمعادلات الجديدة التي طرأت عليها.

subtitle: 
القوى المحافظة لم تستطع التخلي عن طموحاتها في إبعاد وإقصاء كل القوى والتيارات المختلفة أو المتعارضة معها
حسن فحص
publication date: 
الأربعاء, فبراير 12, 2025 – 20:30

نقلاً عن : اندبندنت عربية