ساد الهدوء في الشارع السوري إثر الانتقال السلمي المبسط للسلطة من حكومة النظام المخلوع التي يترأسها محمد غازي الجلالي إلى حكومة عينها قائد هيئة تحرير الشام أحمد الشرع، ويترأسها محمد البشير، لكنها سميت كما يجب دستورياً “حكومة تصريف الأعمال”، وظل هذا الهدوء حيال حكومة من المفهوم موقعها وتموضعها السياسي كحكومة انتقالية إلى أن تجاوزت صلاحياتها الدستورية والقانونية خلال أيام قليلة للغاية.
وزير سابق في إحدى حكومات ما قبل الحرب السورية أطلع “اندبندنت عربية” على بعض المفاصل الأساسية التي تخطتها حكومة “تصريف الأعمال”، مفضلاً عدم الكشف عن اسمه لأسباب شخصية مرتبطة بتشابك المرحلة وخصوصيتها، كما أوضح.
هواجس الانتقال
يقول المسؤول السابق إن “حكومة تصريف الأعمال التي يترأسها البشير اتخذت قرارات لها طابع وبعد استراتيجي لا يحق إلا لحكومة مستقرة اتخاذه، وذلك يتناقض مع الدستور القائم، فمثلاً ملف الجيش وتسريحه أو الاحتفاظ به أو إجراء تسوية له هو من صلب تخصص حكومة قائمة ويتعدى بمراحل خصوصية حكومة معينة لتصريف الأعمال، وكذلك سن عقوبات إدارية تصل إلى السجن لمدد زمنية متراوحة حيال أمور عدة هو أيضاً تجاوز للدستور”. ويكمل، “حكومة تصريف الأعمال هي حكومة بصلاحيات محدودة جداً، فكيف تفاوض مثلاً الروس على ملف بقاء القواعد العسكرية من عدمه، بل كيف تنسج علاقات دولية وإقليمية انطلاقاً من الرؤية الخارجية لها بما قد يكبل ويتعارض مع عمل الحكومة القادمة، ومن بين الملفات حلهم لمجالس النقابات كالمهندسين والمحامين وتعيين نقباء جدد من دون انتخابات أو مشاورات”.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يذكر الوزير مثالاً عن شيء فعلته حكومة حسين عرنوس التي سبقت حكومة الجلالي قبل أشهر في عهد النظام السابق، وهي قيامها بعزل خمسة مديرين عامين وتعيين بديلين عنهم قبل أيام من نهاية ولايتها وهي في مرحلة تصريف الأعمال، مما كبد الحكومة اللاحقة مشكلات مزمنة في التعاطي مع التعيينات غير المناسبة، والتي كانت جوهرية في مكانها ومؤثرة في زمانها، وعليه يجب أن تعلم حكومة “تصريف الأعمال” أنها هنا لتسير الأمور لا لتتخذ شكلاً سلطوياً يبني ويرسم وينسج اتفاقات تحتاج إلى دول قائمة بكامل قوتها لإتمامها.
وحول تعيين قائد العمليات أحمد الشرع للحكومة والمسؤولين يجيب الوزير السابق، “هو الآن في مرحلة حساسة ودقيقة جداً، إذ يدير دفة البلاد في أعقد مرحلة تواجهها منذ الاستقلال، لذلك يحتاج إلى الرجال الموثوقين من حوله، والمؤسسين السابقين معه للهيئة وقواعدها وبنيتها ليضمن الأمان في جميع الاتجاهات، وقد يبدو هذا الهاجس مبرراً، فالجماعة – أي الحكام الجدد – انطلقوا من إدلب المدينة الصغيرة ليحكموا سوريا بخبراتهم هناك، وحكم مدينة ليس كحكم بلد”.
ويلفت الوزير النظر إلى أن الأميركيين بخلاف البريطانيين والفرنسيين وبقية الوفود رفضوا لقاءه في قصر الشعب (القصر الرئاسي)، كما رفضوا التقاط صور تذكارية معه أو عقد مؤتمر صحافي مباشر، وهو ما يعزز مخاوف الحكم الجديد دولياً من أن الأعين تتجه حوله وتراقبه وترصد تصرفاته وتدفعه علانية للتسريع في إنهاء مرحلة تصريف الأعمال والخوض في مشروع وطني شامل وجامع تحظى فيه كل المكونات السورية بدورها في بناء سوريا المستقبل.
لون مذهبي واحد
“لأنها حكومة انتقالية مدتها ثلاثة أشهر، إن استمرت الحال هكذا بعد مضي هذه المهلة فسنكون أمام مشكلة”. بهذا يجيب المتخصص في الشؤون الدبلوماسية ماهر زيود عن سؤال “اندبندنت عربية” حول تشكيل إدارة العمليات الجديدة في سوريا لحكومة انتقالية من لون مذهبي واحد.
يقول زيود، “أكد قائد العمليات أحمد الشرع في مجمل تصريحاته، وخصوصاً للوفود الغربية، أنه يسعى إلى مرحلة انتقالية شاملة تجمع كل مكونات الشعب السوري، ورد الأميركيون على ذلك بأنهم ينظرون إلى الأفعال لا إلى الأقوال، وهي نفسها حال الشعب السوري المتوجس من ألا يلقى مكاناً في السلطة القادمة أو التعيينات الجديدة”.
ويتابع، “حتى خارج الحكومة وعلى مستوى المحافظين والمشرفين والنقابات اختار الشرع لوناً تمثيلياً واحداً، وقد يكون ذلك مبرراً بانتقائه الثقات ممن كانوا معه في إدلب خلال سنوات الحرب الطويلة، وبطبيعة الحال فإن المكون هناك كان من لون طائفي واحد ويحظون بثقته الكاملة، الآن كل ما علينا أن نفعله هو أن ننتظر مجيء شهر مارس (آذار) لنرى كيف سيشرك كل السوريين في صنع القرار وصياغته بدءاً من المؤتمر الوطني الجامع، مروراً بالدستور، وصولاً لشكل الحكومة القادمة والاتحادات والنقابات والمناصب مهما صغرت أو كبرت، وتلك مشكلة أخرى”.
وعن تلك المشكلة يقول زيود، “يخشى أن تترك التعيينات الكبرى لموالي الشرع والمحيطين به، والصغرى لبقية فئات ومكونات الشعب السوري، وهذا أول ما سنلاحظه في القوات المسلحة، فهل ستقبل القيادة الجديدة بضباط جيش وشرطة وأمن من عموم المكونات أم أن اجتماعه – أي الشرع – بقادة الفصائل أخيراً وإخبارهم بنية دمجهم في جيش واحد هو مؤشر إلى استبعاد الدروز والمسيحيين والإسماعيليين والعلويين والشيعة من صورة الحكم المنتظر، إن حصل ذلك فستكون البلاد أمام كارثة كبرى عنوانها (أفغنة سوريا) والاكتفاء بالحكم السني لجميع مفاصل القرار”. ويشير إلى أن النظام السابق أشرك كل المكونات في الحكم ولكن بدرجات، وتمكن من تحويلهم جميعاً إلى قتلة ومتورطين في التعذيب والإخفاء القسري، راجياً أن تكون إدارة الشرع أكثر تبصراً وحكمة وروية ومعرفة بأن المكون الواحد قد يفعل ما يفعله اتحاد المكونات إذا ما قيدت البلد بصورة خاطئة، وهنا التعويل على دور المؤسسات في ضبط دفة إيقاع سوريا المستقبل.
غياب تام للمكونات
يلمس الشارع ويتداول كثيراً في موضوع افتقار الحكومة الحالية لأدنى تمثيل سياسي وشعبي وتخصصي، فهي تتكون من خمسة وزراء من إدلب وثلاثة من حلب وثلاثة من حماة وواحد من دمشق، ويعد تمثيل دمشق ضعيفاً جداً قياساً بكونها العاصمة السياسية، إذ جرت العادة أن تكون حصة دمشق هي الكبرى في الحكومات السورية. كذلك غابت المكونات المذهبية والدينية عن حكومة البشير من مسيحيين وإسماعيليين وشيعة وعلويين ومرشدين ودروز، وغاب تمثيل المرأة في الحكومة الحالية، وإن كان ذلك مفهوماً قياساً بحكومة الإنقاذ السابقة في إدلب التي لم تضم أي امرأة سابقاً، بيد أن الحكومات السورية السابقة كانت تنضوي على ضم سيدات في مناصب مختلفة، وآخرها حكومة الجلالي التي تولت فيها ثلاث سيدات حقائب الثقافة والتنمية الإدارية والشؤون الاجتماعية.
كل ذلك زرع المخاوف في الشارع حول مصير البلاد مع مطلع مارس 2025 وانتهاء حقبة ولاية حكومة تصريف الأعمال، فهل سيتجه الشرع لتشكيل حكومة فعلية من نوع التكنوقراط يسمح فيها بتمثيل المرأة والأقليات السورية أم يحافظ على اللون الواحد في حكومة ستطول مدة ولايتها، وسيكون بيدها قرار السلم والحرب والمعيشة في بلد قاربت الحرب نسب مكوناته جزئياً وصعدت أقليات صغرى لتصبح كبرى فيما أحالت أخرى لما دون الأقليات الصغرى.
وتضم حكومة “تصريف الأعمال” رئيسها محمد البشير، وهو من مواليد جبل الزاوية في إدلب عام 1983، ووزير الخارجية أسعد حسن الشيباني، من محافظة الحسكة (مواليد 1987)، ووزير التعليم العالي والبحث العلمي عبدالمنعم عبدالحافظ، من معرشرين في إدلب (1961)، ووزير الدفاع أبو الحسن الحموي المكنى (مرهف أبو قصرة) من حماة، ووزير الداخلية محمد عبدالرحمن، إدلب (1985)، ووزير الصحة مازن محمد دخان، إدلب (1969). ووزير الإعلام محمد يعقوب العمر من بلدة خان السبل جنوب إدلب، ووزير الأوقاف حسام حاج حسين، إدلب (1977)، ووزير الزراعة والري محمد طه الأحمد، حماة (1982)، ووزير الاقتصاد والموارد باسل عبدالعزيز، حلب (1984)، ووزير العدل القاضي شادي محمد الويسي، حلب (1985)، ووزير التنمية فادي القاسم، حماة (1983)، ووزير التربية والتعلم نذير محمد القادري، دمشق (1970)، ووزير الإدارة المحلية والخدمات محمد عبدالرحمن مسلم، من حلب (1988).
ويسجل للشرع اختياره حكومة “تصريف الأعمال” وزراؤها من أعمار تنتمي إلى فئة الشباب على خلاف حكومات سابقة كان متوسط الأعمار فيها بين 55 و60 سنة.
نقلاً عن : اندبندنت عربية