يتوجه العالم كل عام إلى مؤتمر الأطراف للمناخ “كوب” بحثاً عن دور قيادي، والعمل الفعلي والتعاون في معالجة أزمة تغير المناخ من جذوره. ومع ذلك شهدنا الأسبوع الماضي رئيس أذربيجان إلهام علييف يصف النفط والغاز بأنهما “هبة من الله”، في حين غاب تماماً عن المفاوضات قادة بلدان كبرى تسهم في تلوث بارز مثل إيمانويل ماكرون وجو بايدن وناريندرا مودي.
على رغم ذلك، وبصفتي أحد الأشخاص الذين تابعوا عدداً من مؤتمرات الأطراف، ما أزال آمل في الالتزام أخيراً بأهدافها المناخية الجديدة. في الواقع أشعر بمزيد من التفاؤل بعدما أعلن السير كير ستارمر خفضاً إضافياً في الانبعاثات، إذ أكد أن المملكة المتحدة ستسعى إلى تقليلها بنسبة 81 في المئة بحلول عام 2035.
لكن المشكلة الجلية لا تزال راهنة: كثيراً ما تتحول مؤتمرات الأطراف إلى ساحة لاستعراض مواقف القادة على حساب الإجراءات الحقيقية لإنقاذ الكوكب. لفت انتباهي تصريح رئيس وزراء ألبانيا إيدي راما الذي قال: “يبدو أن هذا [المؤتمر] يشبه تماماً ما يحدث في الواقع. تستمر الحياة اليومية بعاداتها القديمة، في حين لا تغير شيئاً خطاباتنا – المفعمة بكلمات جميلة عن مكافحة تغير المناخ”.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إذا لم تصدر التغييرات الحقيقية عن القمم حتى الآن، يمكنها أن تتأتى من الابتكار. هنا في المملكة المتحدة، يعمل عدد من الشركات بجد لمساعدة العالم في التحول إلى مستقبل أكثر ملاءمة للبيئة. بصفتي رئيساً لـ”سانكروفت” Sancroft، وهي شركة استشارية في مضمار الاستدامة والبيئة والمجتمع والحوكمة، أتعامل مع عدد من هذه الشركات – وأؤمن بأن قطاع الأعمال يستطيع أن يحقق في يوم واحد أكثر مما تحققه الحكومات في عقد كامل من الزمن.
من بين نماذج قطاع الأعمال يلفت النظر بروز الاقتصاد الحيوي [أو الأحيائي أي البيولوجي] bioeconomy. هو نظام تستخدم فيه الموارد البيولوجية، مثل النباتات والحيوانات والكائنات الدقيقة، إلى جانب منتجاتها الثانوية، لتوليد مجموعة متنوعة من المنتجات، بما في ذلك المواد الكيماوية، إذ تتحول النفايات المترتبة على عملية ما إلى مورد يصلح لعملية أخرى.
مع احتواء أكثر من 96 في المئة من المنتجات المصنعة عالمياً على مدخلات من قطاع الكيماويات، يصبح استبدال الكربون والطاقة المستخدمة فيها ضرورة. يمثل هذا القطاع أكثر من ثمانية في المئة من انبعاثات غازات الدفيئة العالمية، ولن تحل المشكلة التي يطرحها ذلك بواسطة تحديد الأهداف وحده، بل من خلال الابتكار.
يقدم الاقتصاد الحيوي الصناعي – القائم على المواد الحيوية والقابلة للتحلل – فرصة ذهبية للحد من اعتمادنا على الموارد الأحفورية. وفي هذا الإطار، يطمح قطاع الكيماويات في المملكة المتحدة إلى مضاعفة حجمه مع تحصيله 30 في المئة من الكربون المستخدم في القطاع من كتل حيوية biomass.
مع توفر الدعم المناسب، يمكن أن تسهم المواد الكيماوية والمواد المستمدة من الكتل الحيوية في تحقيق عوائد سنوية تزيد على 204 مليارات جنيه استرليني (256 مليار دولار) للشركات البريطانية، كما يمكنها أن تؤدي دوراً أساسياً في تحقيق المملكة المتحدة هدف صفر انبعاثات.
ومن شأن اعتماد مزيد من المنتجات المستمدة من كتل حيوية أن يفضي إلى إدارة مستدامة للموارد الطبيعية، مما يحد من الاستغلال المفرط لها، مع ضمان الأمن الغذائي وتوليد وظائف “خضراء” تنافسية ومنتجة.
هذا الأسبوع، سأشارك في تقديم جوائز “ديميتر” Demeter الخاصة برابطة الصناعات القائمة على المواد البيولوجية والقابلة للتحلل، في مناسبة تسلط الضوء على بعض شركات المملكة المتحدة الأكثر ابتكاراً في هذا المجال. لقد تابعت بنفسي شركات مثل “زامبلا” Xampla التي تتخذ من كامبريدج مقراً، وتنتج أول بوليمرات طبيعية في العالم من بروتينات نباتية، يمكن استخدامها في تطبيقات متعددة مثل الطلاء وطبقات التغطية الرقيقة.
وبالمثل، طورت شركة “كيلبي” Kelpi في بريستول بوليمراً بيولوجياً مبتكراً من الأعشاب البحرية، يمكن استخدامه كطبقة تغطية لطبقات مثل الورق والكرتون والألياف. وتعمل كلتا الشركتين بالفعل مع بعض الشركات العالمية الكبرى لتوسيع إنتاج طلاءاتهما القابلة للتحلل وتقديم حلول مستقبلية في مضمار التعبئة والتغليف.
وإلى جانب التعبئة والتغليف، تنتشر منتجات أخرى كانت تصنع سابقاً من البلاستيك التقليدي لتصبح منتجات قابلة للتحلل بالكامل – ويمكن التخلص منها مع النفايات الغذائية. تعمل شركة “كرومويل بولي إيثيلين” Cromwell Polythene ومقرها ليدز في هذا المجال منذ عام 1983، إذ يمكن لمنتجاتها، مثل القفازات، أن تتحلل مع النفايات الغذائية بدلاً من أن تحرق.
مع عودة القادة من مؤتمر “كوب 29” وهم يبحثون عن حلول لأزمة المناخ، يجب عليهم النظر في بلدانهم نفسها. ذلك أن التحول إلى اقتصاد أكثر ملاءمة للبيئة ليس خياراً: إنه واجب.
على رغم إعجابي بالتزام السير كير بتسريع انتقال بريطانيا إلى اقتصاد أكثر استدامة، لن تتمكن الحكومة من تحقيق ذلك إذا تجاهلت الإمكانات التي يوفرها استخدام الكتلة الحيوية في المواد الكيماوية والمواد الحيوية. يجب إيلاء هذه الإمكانات الأولوية على الاستراتيجية الحالية التي تركز على استخدام الكتلة الحيوية في إنتاج الطاقة.
كان الرئيس علييف على خطأ. يريد الله أن تستخدم نعمه بطريقة تحافظ على خلقه. ولا تكون الموارد الأحفورية نعمة إلا إذا لم ترتب، حرفياً، تكاليف على كوكب الأرض. والدليل على ذلك يكمن في الاسم: هي حفريات – هي بقايا نظام اقتصادي قديم يقدم الأرباح القريبة الأجل على صحة كوكبنا المستدامة.
فقط بمساعدة الاقتصاد الحيوي الناشئ، يمكننا ترك هذه الحفريات حيث يجب أن تكون: في الأرض وفي الماضي.
اللورد ديبن شارك في تقديم جوائز “ديميتر” الخاصة بـ”رابطة الصناعات القائمة على المواد البيولوجية والقابلة للتحلل” يوم الـ25 من نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري.
نقلاً عن : اندبندنت عربية