تعيش الجزائر حال استنفار “غريبة” لم يألفها الشارع من قبل، بعد رصد طائر يسمى “المينة” بإحدى ضواحي العاصمة، مما أفرز حال جدل شعبي باعتباره حدثاً بيئياً فريداً، وبين التساؤل والسخرية والتأويل عبرت السلطات الرسمية عن قلقها من انتشار الطائر، وما العواقب الخطرة لهذا الضيف غير المرغوب فيه؟

وأطلقت عدة جمعيات بيئية، ومتخصصون وزراعيون في الجزائر، صفارات إنذار من خطورة طائر “المينة” الذي وصل البلاد عبر منطقة زرالدة (غرب العاصمة). وتعد جمعية ترقية تربية الطيور السباقة في الإعلان عن ظهور هذا النوع من الطيور. وقالت على صفحتها عبر “فيسبوك”، إن أحد أعضائها رصد وجود زوجين من طائر “المينة” في العاصمة في سياق تتبع انتشار الطائر في دول مجاورة.

 وحذرت من أن هذا الطائر يشكل خطراً على النظام البيئي لأنه يغزو الغابات والمحاصيل الزراعية التي يتلفها لأنه يتغذى على الحبوب والخضراوات والفاكهة، كما يهدد صحة الإنسان باعتباره ناقلاً للأمراض، داعية إلى ضرورة تنصيب خلية رصد ومتابعة لمواجهة تهديداته.

كيف دخل البلاد؟

مما أثار المخاوف لدى الأوساط البيئية والفلاحية كما الشارع، هو التذكير المتكرر بخطورة هذا الطائر، إذ عدّ المتخصص في الشؤون الفلاحية لعلي بوخالفة، أن طائر “المينة” يعد من الطيور الناقلة للأمراض الخطرة المعدية، على غرار مرض إنفلونزا الطيور والسالمونيلا، مما يجعله خطراً على الصحة الحيوانية خصوصاً شعبة الدواجن، مبرزاً أن هذا النوع من الطيور يتكاثر طوال السنة وليس له فصل محدد مثل باقي الطيور، من ثم فإن تهديداته مضاعفة مستقبلاً.

 

 

وتابع بوخالفة، أن هذا الطائر الذي تعد الهند موطنه الأصلي، ليس من الطيور المهاجرة التي يمكن رصدها من فترة إلى أخرى، بل متنقل، مشيراً إلى أن دخوله إلى الجزائر قد يكون عبر البواخر والسفن التجارية. وشدد على ضرورة القضاء عليه في أقرب وقت لتفادي تكاثره وانتشاره.

بين عمان وأستراليا

وقبل وصوله الجزائر، ظهر طائر “المينة” في مايو (أيار) الماضي في سلطنة عمان، وأثار وضعاً مرعباً بين مواطنيها، مما دفع السلطات إلى اتخاذ خطوات حاسمة لمكافحته والقضاء عليه. آنذاك أعلنت هيئة البيئة في السلطنة عن تمكنها من القضاء على مليون طائر من “المينة” الهندي، واتخاذ مختلف الإجراءات اللازمة لمكافحته، بما في ذلك استخدام الفخاخ والطرق البيولوجية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتتحدث المعلومات عن أن طائر “المينة” وصل أول مرة إلى أستراليا في أواخر ستينيات القرن الـ19، وتسبب في خسائر كبيرة لا سيما في المحاصيل، ثم انتشر في معظم المناطق الحضرية والريفية في شرق أستراليا ونيوزيلندا.

وبحسب ما ذكرت مصادر بيئية مهتمة بالطيور، فإن طائر “المينة” الذي يعشعش في تجاويف الأشجار والنخيل وتحت الأسطح وفي الحظائر، عدواني ويأكل أي شيء تقريباً، بما فيها أغذية الحيوانات الأليفة والقمامة وأعلاف الدجاج، كما يصدر أصواتاً عالية ويلوث منطقة وجوده بالفضلات.

أخطر الطيور

وفي السياق اعتبر أستاذ العلوم الفلاحية كمال بن دريس، في حديث إلى “اندبندنت عربية”، أن طائر “المينة” من أسوأ أنواع الطيور في العالم، وتصنفه منظمة البيئة العالمية من بين أخطر ثلاثة طيور، لكونه عدوانياً بصورة خطرة، إذ يقوم بمواجهة الطيور بشراسة وإتلاف بيضها وقتل فراخها، موضحاً أن ضجيجه ورائحته تشكل إزعاجاً كبيراً يتسبب في كثير الأحيان في إثارة القلق والفوضى لدى الإنسان والحيوان على حد سواء.

وأوضح بن دريس، أن طيور “المنة” تشكل خطراً كبيراً على الإنسان لأنها ناقلة للأمراض، كما أن خطرها يتمثل في مهاجمة البشر، مشدداً على أن هذا الطائر يتسبب في خسائر كبيرة للفلاحين إذ يتغذى بصورة أساسية على الحبوب والخضر والفاكهة، وهو ما يفرز الندرة التي في شأنها تهديد الأمن الغذائي للمنطقة أو البلاد.

إجراءات وتبديد المخاوف

وبهدف تبديد المخاوف، طمأنت المديرية العامة للغابات باتخاذ الإجراءات الاحترازية اللازمة، داعية المواطنين والفلاحين إلى تجنب تصرفات قد تؤدي إلى الإخلال بالتوازن البيولوجي وكسر السلسلة الغذائية الطبيعية، من طريق الصيد العشوائي أو تهديد الثروة الحيوانية.

وكشفت المديرية أنها شرعت في تكوين لجنة من إطاراتها وعدد من المتخصصين في علم الطيور من مركز ومحمية الصيد وفيدرالية الصيادين وعدد من الجمعيات البيئية من أجل رصد ومراقبة أسراب هذا الطائر، وكل ما يتعلق بتنقلاته وطرق غذائه وسلوكياته، بغية الوصول إلى استراتيجية علمية تتصدى للأخطار التي قد يتسبب فيها من دون الإخلال بالتوازن البيولوجي.

 

 

واتخذت السلطات الجزائرية إجراءات وخطوات مستعجلة تكشف عن الوضع الذي أفرزه وصول هذا الطائر، ومن بينها دعوة الفلاحين إلى وضع الاحتياطات اللازمة لحماية المحاصيل ومواجهة تهديدات “المينة”، بالإبلاغ الفوري عن ظهور الطائر، وتشجيع المواطنين على الإبلاغ عن أي ظهور، إضافة إلى التنسيق بين الجهات والعمل المشترك بين الجمعيات البيئية والمصالح المتخصصة لتطوير خطط مكافحة فعالة.

ليس وحشاً ولا داعي للتهويل

في المقابل أكد العضو المؤسس بالجمعية الجزائرية لتوثيق الحياة البرية مختار العلمي، أن طائر “المينة” الذي تم رصده أخيراً ليس وحشاً وليس بتلك الخطورة التي تستدعي قتله بمجرد رؤيته، بل لهذا الكائن فوائد في بيئته، مشيراً إلى أن سبب دق ناقوس الخطر هو أن الجزائر ليست بيئته على اعتبار أنه يعيش جنوب آسيا، وتحديداً الهند وبعض الدول الأخرى، ويوجد تنوع بيولوجي مختلف عن شمال أفريقيا. وأضاف أن هذا الطائر كان ممنوعاً من الدخول إلى فضاء الاتحاد الأوروبي سواء للتربية أو الزينة أو سبب آخر.

إلى ذلك، أعلنت مديرية الغابات بالجزائر العاصمة، عن تنظيم خرجة ميدانية من أجل البحث عن طائر “المينة”. وقال مصطفى عادل غريب، عضو مكتب بجمعية ترقية وتربية الطيور للجزائر العاصمة، إنه بعد رصد هذا الطائر في العاصمة خصوصاً منطقة “سيدي فرج”، تم مراسلتهم من قبل مديرية الغابات للمشاركة في خرجة ميدانية بغرض رصد هذا الطائر الذي يعد من أخطر الطيور في العالم.

ودعت إلى عدم تهويل الأمر، خصوصاً أنه طائر يوجد بالطبيعة وفي الهند بصورة عادية، ولم يتسبب في كوارث بيئية مثلما يشاع ويروج له، كما فندت تسجيل وجود نفس الطائر على مستوى ولايات أخرى.

نقلاً عن : اندبندنت عربية