تستعد تونس لاستئناف موسم تصدير الحوامض، مع توقعات بتواصل انخفاض نسقه بفعل فقدان جزء كبير من الأسواق الخارجية، إذ تراجعت الكميات المصدرة لتنحسر عند 8500 طن في الموسم الماضي، مقارنة بفترات سابقة، على رغم القدرات الإنتاجية المرتفعة بمعدل إنتاج يساوي 350 ألف طن في مواجهة الآفات والإشكالات التي واجهت القطاع، مما يهدد بفقدان أحد أهم القطاعات الزراعية، الذي كان في الماضي مورداً رئيساً للعملات وأحد مقومات الميزان التجاري الغذائي.
تعد الحمضيات المصدر الثاني للدخل من صادرات الفواكه بعد التمور، وعلى رغم موجة الجفاف التي استمرت أعواماً، فإن توقعات الحصاد لموسم زراعة الحمضيات الجديد 2024-2025 تفيد بزيادة في الإنتاج بنسبة 5.2 في المئة إلى 384 ألف طن، وهو ارتفاع طفيف مقارنة بمحصول الموسم السابق الذي ناهز 365 ألف طن. وكشفت مديرة الأشجار المثمرة بالإدارة العامة للإنتاج الفلاحي بوزارة الفلاحة، درصاف بن أحمد، عن توقعات بارتفاع الإنتاج في كل الأصناف، باستثناء الليمون الذي من المتوقع أن ينخفض حصاده بنسبة 3.6 في المئة. وأضافت أن تونس صدرت 8510 أطنان من القوارص خلال موسم 2023 – 2024، واستحوذ صنف المالطي على 7411 طناً منها، في حين كانت جملة الصادرات في موسم 2022-2023 في حدود 7614 طناً ما يساوي نمواً لصادرات المالطي بقيمة 11.8 في المئة، وزادت قيمة صادرات الحمضيات في المجمل بنسبة 15.5 في المئة، وارتفعت من 25.4 مليون دينار (7.9 مليون دولار) إلى 30 مليون دينار (9.4 مليون دولار).
انهيار الأسعار ونسق التصدير
وخلافاً للتوقعات بأن تساعد الزيادة المعلنة في محصول الحمضيات في 2024-2025 على تحسين حجم الصادرات التونسية، قال عضو المجلس المركزي للاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري، بيرم حمادة، إن حجم الصادرات شهد تراجعاً كبيراً، إذ تخسر القوارص التونسية وجهاتها التقليدية ولا تخلق أسواقاً جديدة.
وأضاف لـ”اندبندنت عربية” أن قطاع الحمضيات يكافح من أجل الصمود أمام الصعوبات التي تهدد وجوده وتدفع إلى العزوف عن ممارسة هذه الزراعة، وسط مخاوف من اندثار الغابات في حال عدم إيجاد الحلول.
اشتهرت الحوامض التونسية خصوصاً صنف المالطي بجودتها حول العالم وبروزها كأفضل القطاعات الزراعية الجاذبة للعمولات فجر الاستقلال، قبل أن تتدنى صادرات تونس إلى أدنى مستوياتها لتصل إلى 8 آلاف طن انطلاقاً من عام 2019 مقارنة بأكثر من 30 ألف طن في الفترة السابقة لعام 2011.
ولم يرادف التراجع اللافت للصادرات خفض كبير للإنتاج، إذ تنتج البلاد ما بين 350 و400 ألف طن في انخفاض طفيف مقارنة بأعوام ماضية فاق فيها معدل الإنتاج 450 ألف طن.
وتبلغ تقديرات إنتاج صنف المالطي المعد للتصدير لموسم 2024-2025 نحو 50 ألف طن، وتأثر حجم الإنتاج بالتغييرات المناخية التي انعكست بالسلب على الغابة القديمة الواقعة بالشمال الشرقي حول مدن منزل بوزلفى وبني خلاد وسليمان، بمساحة تناهز 20 ألف هكتار، إضافة إلى مساحات أخرى في محافظات بالشمال الغربي والوسط تتجاوز 6 آلاف هكتار، مما يرفع المساحات إلى قرابة 28 ألف هكتار على المستوى الوطني، لكن تعرضت هذه المساحات إلى آفة مرض “تريستيزا” التي ضربت تونس وبلداناً أخرى منافسة. وأصابت العدوى الغابة في تونس بداية من عامي 2011 و2012 وتلفت مئات الهكتارات مما أثر في حجم الإنتاج الذي نزل بعدها إلى مستوى 350 ألف طن، في حين يوفر القطاع قرابة 30 ألف موطن شغل بين قار وغير قار، ويسهم في الدورة الاقتصادية على المستوى الوطني برقم تعاملات يساوي 500 مليون دينار (157.2 مليون دولار).
ومن أهم الإشكالات التي يواجهها ارتفاع كلفة الإنتاج بالنظر إلى معدل أسعار البيع، وتراوحت الأسعار ما بين 0.9 دينار (0.28 دولار) و1.5 دينار (0.47 دولار)، وبارتفاع حجم العرض مقابل الطلب وعدم قدرة السوق الداخلية على استيعاب الإنتاج تنهار الأسعار سنوياً، ولا تشهد النمو المأمول المناسب للكلفة، ولا تتجاوز سوق الاستهلاك الداخلية 300 ألف طن بمعدل أسعار يستقر عند 0.9 (0.28 دولار) ودينار واحد (0.31 دولار)، مع تفاوت بالنظر إلى الأصناف والحجم والجودة، إذ تراوح الأسعار ما بين 0.3 دينار (0.09 دولار) ودينار واحد (0.31 دولار) في هذا الشأن.
وتقدر الكلفة بدينار واحد (0.31 دولار) للكيلوغرام من الحوامض، وهي متصاعدة بعد ارتفاع أسعار الأسمدة والكهرباء ومياه الري واليد العاملة، ويعد العامل الرئيس لانهيار الأسعار الدائم انخفاض نسق التصدير سنوياً، بعدما ظلت تونس معتمدة على السوق التقليدية وهي السوق الفرنسية بالأساس، ولم تنفتح على أسواق عالمية جديدة، وهو الدور المنوط بالسلطة المعنية مثل وزارة التجارة وبالتحديد مركز النهوض بالصادرات، ووزارة الفلاحة والمصدرين الذين كان يتعين عليهم أن يلعبوا دوراً محورياً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويكشف حمادة عن أن السوق التالية هي ليبيا التي تستورد كميات مهمة من فصيلة “التامصون” في حين اقتصر صنف المالطي الذي امتازت به تونس على المستوى العالمي على السوق الفرنسية المضمحلة، من دون خلق أسواق جديدة، علماً أن تونس تواجه منافسة شرسة من الصادرات المغربية والإسبانية في حوض المتوسط، وانعكست هذه العوامل على الناشطين بالقطاع الذين يعانون المديونية ونقص التمويلات بعدما أخذوا على عاتقهم جهود مقاومة الآفات الطبيعية، واضطرابات السوق بمفردهم في غياب كامل للممولين ولصناديق التعويض.
مشروع إنقاذ لم ير النور
كانت وزارة الفلاحة قدمت مشروعاً لإستراتيجية تنمية الحوامض للفترة من 2016-2026 بقيمة مقترحة تفوق 66 مليون دينار (20.7 مليون دولار)، وتهدف هذه الإستراتيجية إلى ترفيع معدل الصادرات السنوية إلى 50 ألف طن، وترفيع الاستهلاك الداخلي من 400 ألف طن حالياً إلى 500 ألف طن، وتحقيق محصول حوامض سنوية في حدود 600 ألف طن، وإنتاج نحو 5 آلاف طن من البرتقال البيولوجي في غضون عام 2026.
وترتكز الإستراتيجية إلى تعصير الغراسات وتطوير الكميات الموجهة للتحويل من 3 آلاف طن حالياً إلى نحو 40 ألف طن، مع جهود لتحسين الإنتاجية بتطوير معدل إنتاجية الهكتار الواحد إلى 22 طناً، علاوة على إدراج عامل المردودية الاقتصادية بحسب الأصناف، ثم وضع خطوط تمويل للفلاحين، وإنشاء قناة مد للمياه من الشمال الغربي لفائدة مساحات الإنتاج بالشمال الشرقي، لكن لم تر هذه الإستراتيجية النور إلى اليوم، بسبب البيروقراطية التي أدت إلى ضياع هذا المشروع المحوري الحيوي بين أروقة الإدارات التونسية، وفق حمادة.
ويمثل انهيار الأسعار العامل الأساس لتحويل القطاع إلى طارد للناشطين، وفق المستثمر في الحمضيات، الحبيب شاشية، الذي رأى أن كلفة إعادة استصلاح المساحات المتضررة من الأمراض والأوبئة والجفاف تصل إلى 100 ألف دينار (31.4 ألف دولار) للهكتار الواحد، وهي مرتفعة لدى الناشطين المتكونين من مزارعين صغار في معظمهم، ونتج من هذه العوامل تخلي المزارعين عن مساحاتهم لمصلحة مستثمرين كبار من غير المختصين في الزراعة على خلفية الصعوبات المالية، وهو ما يهدد بفقدان الجانب التنموي الذي وفره قطاع الحمضيات لفائدة المناطق التي انتشرت فيها زراعته، وإمكانية اختفاء سبل العيش وارتفاع نسب البطالة بمجتمعاتها، فيما اكتُفي بحلول ترقيعية في غياب رؤية متكاملة كان من المفترض اقترانها بمشاريع تنمية مستدامة مستقطبة للناشطين الشبان الذين تهددهم البطالة، ومستغلة أراضي وطنية شاسعة ملكاً للدولة تشكو الإهمال، مما قد يحول هموم هذا القطاع الزراعي إلى ملف اجتماعي بالأساس.
نقلاً عن : اندبندنت عربية