كشفت منظمة سعودية رسمية عن تصميمها خطة طموحة لاستقطاب الدبلوماسيين الأجانب في عواصم عدة بينها الرياض، لمساعدتهم في تعلم اللغة العربية وفق أساليب مبتكرة، بعد استقصاء المنظمة اهتمام شرائح واسعة من هذا القطاع بذلك، بوصف العربية إحدى الألسنة الأكثر طلباً بين الأوساط العالمية.

وقال سعد القحطاني مدير البرامج التعليمية في مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية، إن إدارته عملت على تصميم برامج تستهدف الدخول بالعربية إلى كل الدهاليز وتقريبها لغير الناطقين بها، بهدف كسر الهالة المحاطة بها بظنها لغة معجزة، يصعب تعلمها، “بينما أثبتنا بالدليل الذي أمامكم أن ذلك غير صحيح، فقد صممنا برنامجاً يمكن الدارس من إتقان اللغة العربية المحكية (البيضاء) في مستويات عدة أقصاها 8 أشهر”، إضافة إلى برامج أخرى تستهدف مختلف الفئات مثل رجال المال والأعمال والدبلوماسيين.

ولدى سؤال “اندبندنت عربية” القحطاني عن طبيعة البرنامج الخاص بتعليم الدبلوماسيين اللغة العربية، لفت إلى أن هذا المسار له آلية خاصة، ويتسم بمرونة واختيارات عدة، مثل المدرسين الخاصين أو ضمن فئات معينة. بيد أنه شدد على أن الأهم من ذلك هو تصميم المنهج الذي ينهض بالجانب الفني للعملية التعليمية، وفق احتياج كل فئة.

 وأشار في حديث مع وسائل الإعلام إلى أن “أصحاب رؤوس الأموال قد يتبنون عدداً من الأفكار والمبادرات النوعية التي يطلقها المركز، وبالتالي فإننا جميعاً نصل إلى الهدف المنشور وهو خدمة الثقافة العربية، عبر توفير الفرصة لفئات متعددة في هذا المشروع”، مشيراً إلى أن برنامج “أبجد” التعليمي في المجمع يستهدف أن يكون بمواصفات عالمية مثل “المجلس الثقافي البريطاني”، بتوفير اختبارات قياس عالمية للغة العربية تلبي احتياجات غير الناطقين بها، شبيهة بـ”التوفل”.

 

 

وفي اتصال “اندبندنت عربية” مع دبلوماسي غربي حول المبادرة، قال من دون الرغبة في ذكر اسمه “إنها لحظة انتظرناها طويلاً، فاللغة العربية دائماً مهمة، ولكن لشخص يعمل في الرياض مهمة أكثر فأكثر”، مضيفاً أن المناسبات الرسمية لن يجد فيها من يتحدث اللغة الإنجليزية مشكلة في التواصل “لكن ماذا عمن يرغب بأن يسعد بعيش التجربة كاملة مع المجتمع السعودي المضياف في القرى والمدن البعيدة عن الرياض”؟

الدبلوماسية اللغوية

وليس هذا التفاعل الوحيد للمجمع مع الدبلوماسيين، إذ قاد شراكة البلاد مع الأمم المتحدة في دعم حضور اللغة العربية في المنظمات الدولية في مناسبات عدة، كان آخرها في ديسمبر (كانون الأول) الجاري ضمن برامج الاحتفاء باليوم العالمي للغة العربية، وهي المناسبة التي قال أمين عام المجمع عبدالله الوشمي في حديثه اليوم مع الصحافيين في الرياض، وجدت اهتماماً دبلوماسياً لافتاً، مشدداً على أن التحدي الذي يجتهد الصرح الذي يحمل اسم ملك البلاد في الاستجابة له، هو إخراج العربية من دائرة التقعر والمثالية والنخبوية، إلى دائرة الاستخدام الشائع، والحضور الميداني بالتقاطع مع حركة الناس واهتماماتهم في مجالات الذكاء الاصطناعي والألعاب الإلكترونية والتعليق الرياضي، مع وجود بقية العناصر الأخرى مثل الدراسات، وإنشاء سلسلة من المعاجم التي تلبي حاجة الاستخدامات اللغوية المعاصرة. 

وكان بين الفعاليات في نيويورك حينها، تنظيم المجمع حلقة نقاش عن “الترجمة العربية في الأمم المتحدة”، بمشاركة نخبة من الخبراء والمتخصصين الدوليين، إلى جانب أخرى عنوانها “مهارات الترجمة العربية لأغراض دبلوماسية”، بقصد تعريف المنسوبين بأدبيات الترجمة وآلياتها لأغراض دبلوماسية، وتدريبهم على ممارستها، وإتقانها، ومعرفة مصطلحاتها.

وبرز في السعودية سفراء دول عدة، اهتموا بتفعيل ما يعرف بـ”الدبلوماسية الاجتماعية”، وصاروا يحاولون تحسين لغتهم العربية، والتعرف مباشرة إلى عادات وتقاليد المجتمع في اللباس والأكل عن قرب، مثل سفير اليابان السابق فوميو إيواي، وسفير فرنسا لودوفيك بوي الذي أسف لمغادرته الرياض قبل أشهر، وكذلك سفير أميركا الحالي مايكل راتني، وآخرين مثل سفير طاجيكستان أكرم كريمي، الذي مكنته لغته العربية من الحلول ضيفاً على عدد من الفعاليات الثقافية في المملكة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إلى ذلك، عرض المجمع عدداً من الطلاب المنتمين إلى دول عدة من آسيا وأوروبا وأفريقيا في مستويات البرنامج المختلفة، وهم يخاطبون الصحافيين بلغتهم المتفاوتة طبقاً للمرحلة التي وصل إليها كل طالب. وتختلف دوافع المتعلمين، فهناك الذي كان الفضول محفزه الأكبر للتعرف إلى المجتمع السعودي، والذي أراد فك رموز بعض المصطلحات الدينية الواردة في القرآن على سبيل المثال. وكان لافتاً بين المجموعة التي عرضت تجاربها فتاة طاجيكية، قالت إنها أرادت تعلم العربية لتكون صحافية بلغة يتحدث بها الملايين غير لغتها الأم فاختارت لغة العرب.

وتحدث المتدربون في قاعتهم عن استكشاف الثقافة السعودية عبر اللغة، فتعلموا “أبشر، وسم، واقدع، واقلط”، وهي كلمات من اللهجات المحكية، تختصر العديد من المفاهيم الثقافية المحلية، فيما قالت إدارة “المجمع”، إنها وضعت الاستراتيجية التعليمية على هذا النحو بهدف إغناء تجربة المتعلم، وتسهيل تلقي اللغة عبر الممارسة، من خلال الأنشطة غير الصفية والاحتكاك بالمجتمع في البيوت والأسواق والفعاليات المختلفة، كما أن اللغة المستهدفة في البرنامج ليست لغة المعاجم، وإنما “اللهجة البيضاء” الأكثر استخداماً، يساعدهم على ذلك أن أكثر المصطلحات الشائعة في مناطق السعودية المختلفة، تعود إلى أصل فصيح، حتى وإن ظنها المتحدث أو السامع عامية.

يأتي ذلك ضمن برنامج “أبجد” الذي يندرج تحت أنشطة “مجمع الملك سلمان” التعليمية، إذ يشكل “التخطيط والسياسة اللغوية، والحوسبة اللغوية، والتعليم والتعلم، والثقافة اللغوية” ركائز المنظمة التي توسعت أنشطتها إلى نحو 65 دولة، بهدف تعزيز دور اللغة العربية إقليمياً وعالمياً.

نقلاً عن : اندبندنت عربية