اكتشف عدد من الباحثين ما قد يكون الدليل المباشر الأقدم على نشاط مائي ساخن شهده كوكب المريخ في الماضي، مما يشير إلى أن “الكوكب الأحمر”، كما يسمى، كان يملك الظروف اللازمة لدعم وجود أنواع حياة على سطحه قبل مليارات السنين.
في التفاصيل، توصل علماء من “جامعة كيرتن” الأسترالية إلى هذا الاكتشاف في خضم دراستهم نيزكاً مريخياً شهيراً، يُلقب بـ “الجمال الأسود” Black Beauty، كان عثر عليه في الصحراء الكبرى عام 2011. وتحوي هذه الصخرة الكونية التي تكونت من حمم بركانية تعرضت لتأثير التبريد السريع فتصلبت، ما يزيد بمقدار 10 مرات من المياه مقارنة بالنيازك المريخية الأخرى. وقد تشكلت منذ أكثر من ملياري سنة.
وعند تحليل التركيب الكيماوي الذي تتكون منه حبيبات الزركون zircon الموجودة في النيزك التي تشكلت منذ 4.45 مليار عام مضت، علماً أنه معدن صغير لا يتجاوز حجمه عادة بضعة ملليمترات فقط ويتشكل في صخور تعرضت لتغيرت بفعل سوائل ساخنة، وجد العلماء “بصمات” في حبيبات الزركون تدل على وجود سوائل غنية بالمياه.
وفي بيان أدلى به في هذا الشأن، قال الدكتور آرون كافوسي: “كانت الأنظمة الحرارية المائية [التي توفر الحرارة والماء والعناصر الكيماوية] أساسية لتطور أشكال حياة على كوكب الأرض، وتشير نتائجنا إلى أن المريخ كان يحوي أيضاً الماء، علماً أنه عنصر أساس لوجود أشكال الحياة في البيئات المختلفة، خلال التاريخ المبكر لتكوّن قشرة الكوكب”.
وكافوسي باحث مشارك في دراسة حول البحث الذي نشر الجمعة الماضي في مجلة “ساينس أدفانسيس” Science Advances.
باستخدام التصوير النانوي والتحليل الطيفي، تقنيتان علميتان تنطويان على استخدام مايكروسكوبات تعتمد على الطاقة العالية [للحصول على صور عالية الدقة للمكونات الدقيقة]، حدد الفريق أنماط [التوزيع والترتيب الكيماوي] العناصر الموجودة في بنية معدن الزركون، بما في ذلك الحديد والألمنيوم والإيتريوم والصوديوم [مما يساعد في فهم الظروف التي مر بها المعدن وأصوله].
وأوضح كافوسي: “دخلت هذه العناصر في بنية الزركون أثناء تشكله قبل 4.45 مليار سنة، مما يشير إلى أن الماء كان موجوداً خلال نشاط صهاري (ماغماتي) شهده المريخ في مرحلة مبكرة من تاريخ تكونه”.
تذكيراً، يعود اكتشاف الماء للمرة الأولى على المريخ إلى عام 2008، بواسطة مركبة الهبوط “فينيكس مارس”Phoenix Mars التابعة لـ”ناسا”. وطوال سنوات، كانت المركبات الفضائية الجوالة الخاصة بوكالة الفضاء الأميركية تستكشف سطح المريخ بحثاً عن المكونات أو العلامات الأخرى التي تدل على أن المريخ احتضن حياة ميكروبية ضاربة في القدم. ومنذ ذلك الحين، وجد الباحثون أدلة تشير إلى وجود خزان ضخم من الماء السائل تحت سطح المريخ، يُعتقد أنه كان يمكن أن يملأ محيطات على سطح الكوكب في الماضي. كما تشير الدراسات إلى أن الماء كان يتدفق على المريخ في فترة ليست بعيدة جداً. وعام 2020، قال علماء في “جامعة أريزونا” إن المريخ ربما كان موطناً لينابيع ساخنة.
وتحدثت في هذا الشأن أيضاً جيسيكا بارنز من “جامعة أريزونا”، فقالت: “إذا كانت هذه ينابيع مياه حارة، فإن مراقبتها تزودنا بمعلومات عن البيئات الصالحة لعيش كائنات قادرة على البقاء والتكاثر في ظروف بيئية قاسية جداً [شديدة الحرارة مثلاً أو البرودة أو مرتفعة الحموضة أو الملوحة]. ويُحتمل أن هذه الأماكن كانت ستشكل أفضل البيئات لتطور أنواع الحياة على المريخ.
لقد فتح هذا الاكتشاف آفاقاً جديدة تمكننا من فهم قابلية الكوكب لدعم وجود أنواع من الحياة على سطحه في الماضي، إضافة إلى فهم أنظمته الحرارية المائية [تكتسي هذه الأنظمة أهمية كبيرة في البحث عن حياة محتملة لأنها توفر بيئات قادرة على دعم الكائنات الحية].
وبيّن البحث، وفق كافوسي، أنه على رغم اصطدام قشرة المريخ بنيازك ضخمة تسببت في اضطراب كبير لسطح الكوكب، كان الماء موجوداً خلال الفترة المبكرة لما قبل “نواتشيان” [فترة جيولوجية قديمة جداً في تاريخ المريخ تشير إلى حقبة زمنية سبقت “نواتشيان” وهي الفترة التي يعتقد بأنها شهدت ربما بداية وجود الماء على سطحه]، أي قبل نحو 4.1 مليار سنة.
وقال كافوسي: “تقربنا هذه الدراسة الجديدة خطوة إضافية نحو فهم الفترة المبكرة من نشوء المريخ، عن طريق تحديد العلامات الواضحة للسوائل الغنية بالمياه منذ وقت تشكل حبيبات الزركون، مما يوفر مؤشرات جيوكيماوية على وجود المياه في أقدم قشرة معروفة للمريخ”.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعام 2022، وجدت دراسة تناولت حبيبات الزركون نفسها أنها تعرضت “لصدمة” نتيجة اصطدام نيزك بالكوكب، مما يجعلها الحبيبات الزركونية الوحيدة المعروفة من المريخ المتأثرة باصطدام نيزكي.
وعلى كوكب الأرض، الزركون معدن شائع جداً وموجود في معظم الصخور النارية والمتحولة. وتمتلك أستراليا أكبر موارد الزركون في العالم، ويستخدم في صناعة الأجهزة الإلكترونية والمحركات والمركبات الفضائية.
تولى تمويل البحث الجديد “مجلس البحوث الأسترالي” و”جامعة كيرتن” و”جامعة أديليد” و”مؤسسة العلوم الوطنية السويسرية”.
نقلاً عن : اندبندنت عربية