أعاد اعتداء رجل أعمال موريتاني على الصحافي حنفي ولد دهاه مالك إحدى القنوات التلفزيونية، قضية سلامة الصحافيين وحرية التعبير إلى الواجهة في بلد يحتل المرتبة العاشرة عالمياً على مؤشر أمن الصحافيين، متقدمة على دول من أبرزها فرنسا والولايات المتحدة وكندا، ومعظم الدول الأوروبية. لكن صورة دماء الصحافي التي غزت منصات التواصل الاجتماعي في موريتانيا قد تعصف بمكانة حرية التعبير في البلد.

تصدرت موريتانيا المرتبة الأولى على مؤشر حرية الصحافة في العالم العربي وأفريقيا، بعد أن حققت تقدماً ملحوظاً في التصنيف العالمي الصادر عن منظمة “مراسلون بلا حدود”، حيث حل في المرتبة 33 عالمياً خلال عام 2024.

ما الذي حدث؟

هزت الحادثة التي حركت المجال العام الموريتاني، والتي وقعت بداية الأسبوع الجاري، حين كان الصحافي حنفي ولد دهاه يُقدم برنامجه الأسبوعي ويستضيف إعلاميين لنقاش أبرز الأحداث، وبعد انتهاء البرنامج وخروج الصحافي وضيفيه إلى خارج مقر القناة، كانت المفاجأة الصادمة باعتداء رجل أعمال موريتاني شاب يدعى زين العابدين صدافه عليه.

في حديثه لـ”اندبندنت عربية، قال الإعلامي الموريتاني عبد الله اتفغ المختار الذي كان ضيفاً على برنامج الصحافي حنفي ولد دهاه، “بعد خروجنا من مقر القناة فوجئنا بالشاب المعتدي ينهال على دهاه بالضرب، مما تسبب في كدمات قوية وسال الدم من فمه”.

 

 

وعن المخاوف من اعتداءات يحتمل أن تتكرر، أكد عبد الله أنه “لا بديل عن تسوية الخلافات بالتي هي أحسن، ومن المهم أن يفهم الجميع أن القضاء هو المخول لأخذ الحقوق”.

أما الصحافي المعتدى عليه فكتب عبر حسابه على “فيسبوك” بعيد الحادثة، “أنا بخير ولن يُثنيني الجبناء عن كشف الحقائق”.

بدورها، عزت وسائل إعلام موريتانية، الواقعة إلى تناول القناة ضمن برنامج لها خاص بممارسات الفساد في البلاد، قضية معروضة أمام القضاء بين رجل الأعمال المعتدي زين العابدين ومؤسسة ميناء نواذيبو المستقلة. وتحدث البرنامج عن “فوز رجل الأعمال المذكور بمناقصة صيانة جسر الميناء مقابل أربعة مليارات أوقية (نحو 100 مليون دولار) من دون أن ينفذ أي شيء من أعمال الصيانة، مع أنه تسلم 80 في المئة من الكلفة”.

الصحافيون يتحركون

ضجت وسائل التواصل الاجتماعي بحملات التضامن والمساندة للصحافي المعتدى عليه، واختلفت زوايا المهتمين بالقضية في كتاباتهم، لكن الأمر الثابت فيها هو تجريم وشجب وإدانة العنف الجسدي ضد أصحاب الكلمة.

وعن حملة التضامن، قال نقيب الصحافيين الموريتانيين أحمد طالب المعلوم، في تصريح خاص، “نحن في نقابة الصحافيين الموريتانيين نؤكد متابعتنا عن كثب لحادثة الاعتداء الآثم الذي تعرض له الزميل أمام مقر عمله، حيث تم سحبه بطريقة وحشية نقل على إثرها فاقداً للوعي. إننا نعتبر هذا التصرف تطوراً خطراً يهدد حرية الصحافة في موريتانيا، بخاصة في ظل تحقيق البلاد المرتبة الأولى عربياً في حرية الصحافة، متجاوزة العديد من الدول”.

 وعن تحرك النقابة، أوضح “لقد قمنا في النقابة بخطوات أولية تمثلت في متابعة القضية وإصدار بيان سابق أدنا فيه هذا الاعتداء، مؤكدين تضامننا الكامل مع الزميل المعتدى عليه. ونطالب الجهات المختصة بمحاسبة الجاني وضمان عدم تكرار مثل هذه الحوادث التي تمثل تهديداً مباشراً للصحافيين، وتعيق عملهم الاستقصائي الحر بغض النظر عن ذرائع المعتدي. نعتبر هذه الحادثة انتهاكاً للديمقراطية وإهانة لمهنة الصحافة، ومحاولة صريحة لترهيب العاملين في هذا المجال”.

 

 

ونبه إلى أنه “انطلاقاً من التزامنا بالدفاع عن حرية الصحافة، تواصلنا مع الزميل المعتدى عليه في العيادة حيث أبدينا استعدادنا لمؤازرته قانونياً ومساندته في اتخاذ الإجراءات اللازمة لمقاضاة المعتدي. واليوم، بدعوة من المؤسسات الصحافية وبعض الزملاء، نعمل على توحيد الجهود بين مختلف النقابات والهيئات الصحافية لتقديم الدعم الكامل للزميل المعتدى عليه، وحماية الحقل الصحافي من مثل هذه الانتهاكات المستقبلية”.

بدوره، زار وزير الثقافة الموريتاني الحسين ولد أمدو، الصحافي المعتدى عليه حنفي ولد دهاه في المستشفى للاطمئنان على صحته.

كما دان عدد من التجمعات الصحافية الاعتداء على ولد دهاه، وطالبوا بمعاقبة المعتدي ووضع قوانين رادعة لحماية الصحافيين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبحسب متابعين لهذه القضية فإن السر وراء هذا التضامن الكبير من الصحافيين والفاعلين في الساحة السياسية والحقوقية مرده هو نُدرة الاعتداءات الجسدية على الصحافيين، التي تكاد تكون منعدمة، إضافة إلى التزامات الحكومة الموريتانية المتعلقة بحماية العاملين في الحقل الصحافي أثناء تأدية مهامهم.

بدوره، قال رئيس رابطة الصحافيين الموريتانيين، موسى بهلي، إن “الصحافة في موريتانيا، بخاصة المستقلة، كانت جريئة في كشف الفساد والفضائح والمسائل التي يتستر عليها الجميع، لكنها كانت تعاني من المصادرة، ووصل الأمر إلى تكسير المعدات، مما استوجب توفير حماية للصحافة والصحافيين. ومع ذلك، تم تمييع الحقل الصحافي حتى اختلطت الأمور فيه، وأصبح الفساد في المجال قاعدة لا استثناء”.

وذكر أن هناك من يسعى إلى إنشاء صحافة جديدة لا علاقة لها بالعمل الصحافي أو المهنية، بل تهاجم الصحافة التي تؤدي عملها بمهنية وكأنها سلطة رقابية. وأشار إلى أن الدول الديمقراطية عادة ما تنص قوانينها على حماية الصحافيين، لكن في موريتانيا ما زال ينقصنا الكثير في هذا المجال.

وأوضح أن هناك قانوناً يُعرف بـ”قانون المعلومات”، يفرض على المسؤول أو صاحب المشروع عدم حجب المعلومات عن الصحافي، ويترتب على من يخالف ذلك عقوبات قانونية. وأكد أنهم تابعوا هذا القانون حتى وصل إلى الجمعية الوطنية، لكنه سُحب بعد ذلك. وأشار إلى أن الصحافة في موريتانيا تعاني، بخاصة تلك القلة التي تسعى للحفاظ على وجود الصحافة الحقيقية.

تاريخ العنف ضد صحافيي موريتانيا

منذ ظهور الصحافة المستقلة في موريتانيا بعد التحول الديمقراطي مطلع التسعينيات، ظهرت حالات اعتداء نادرة ومتباعدة ضد الصحافيين.

وعن هذه المرحلة، نبه الصحافي محمد السالك داهي، إلى أن “الاعتداءات على الصحافيين ليست جديدة، فمنذ بداية ما يعرف بالديمقراطية في موريتانيا عام 1991، وظهرت وجوه للصحافة المستقلة، لكنها تعرضت لاعتداءات جسدية سواء من نافذين، أو أفراد حماية لمجموعاتهم، أو حتى من السلطات”.

 

 

وقال إن الاعتداء على الزميل حنفي دهاه ليس الأول من نوعه، فقد تعرض خلال مسيرته الصحافية للكثير من الاعتداءات، بخاصة في عهد الرئيس السابق، مؤكداً أن هذا الاعتداء جزء من سلسلة الاعتداءات السابقة التي يتعرض لها بسبب كتاباته وأعماله الصحافية التي تزعج الكثيرين.

وتزخر ملفات القضاء الموريتاني بقضايا تنتظر البت في وقائع اعتداء سُجلت ضد صحافيين، وفي الغالب ما تمكث هذه القضايا من دون البت في أحكام نهائية، نظراً لطبيعة المجتمع القبلي والذي تلعب فيه المنظومة التقليدية أدواراً من اختصاص القضاء، كالجنوح للصلح وتجميد الاستئنافات درعاً لسجن المعتدين، الذين غالباً ما يكونون نافذين في السلطة أو لديهم روابط اجتماعية مع قبائل الضحايا من الصحافيين.

نقلاً عن : اندبندنت عربية