أدى اتساع دائرة الفقر في إيران إلى ظهور وظائف تبدو غريبة عن البلد الذي يشهد أزمات اجتماعية واقتصادية متعددة، ومن بين هذه الوظائف عمال يؤدون خدمات غريبة في المقابر.
في عام 2014 عندما أنتج المخرج الإيراني شاهد أحمد لو، فيلماً تحت عنوان “كم تقبض مقابل البكاء؟” لم يكن يخطر على بال أحد أن يتحول هذا التصور إلى مهنة لمن باتوا يعرفون بـ”البكائين في مراسم العزاء”، إذ نشهد انتشار عدد كبير من هؤلاء الأفراد الذين يحضرون في مقبرة طهران خلال مراسم الدفن من أجل البكاء.
ثمن النواح
إلى جانب المشكلات المعيشية واضطرار كثير من الأفراد إلى العمل في أكثر من وظيفة، تشهد بعض مراسم الوفاة في إيران مثل هذه الظاهرة، إذ تقدم بعض العائلات الغنية في المجتمع الإيراني على جلب هؤلاء الأفراد ليتظاهروا أمام ذويهم بإقامة مراسم بحضور عدد كبير من خلال دفع المال لمن يحضر مراسم الدفن،
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يكشف تحقيق لصحيفة “اندبندنت فارسية” عن أن الشركات العاملة في مجال الدفن وإقامة مراسم العزاء في العاصمة الإيرانية طهران تعرض على زبائنها جلب أفراد لحضور المراسم إلى جانب خدمات أخرى مثل تقديم الطعام للحاضرين، وتقدم هذه الشركات أموالاً لمن يحضر تقدر بـ1.5 مليون تومان (16 دولاراً) ليحلوا محل الأصدقاء وذوي المتوفى في مراسم الجنازة.
وفي النتيجة تدفع هذه العائلات مثلاً مقابل حضور 50 شخصاً مبلغاً يصل إلى 75 إلى 100 مليون تومان (800 إلى 1000 دولار) للشركات التي تتولى تنظيم مراسم الدفن والعزاء. ويحصل هؤلاء مقابل هذا العمل البسيط على مبالغ تصل إلى أضعاف ما يتقاضاه العمال، ومن بين الذين تجلبهم الشركات المذكورة نساء ورجال وحتى أطفال.
وأكدت وكالة الطلبة الإيرانيين “إيسنا” وجود مثل هؤلاء الأفراد، وشرحت تفاصيل ما يطلبه القائمون على مراسم العزاء من هؤلاء الأفراد، ومنها “المشاركة في مراسم العزاء والتظاهر بالحزن والبكاء بصوت عال وفي بعض الأحيان الصراخ وترديد كلمات ذات محتوى حزين من أجل تأثر الآخرين، وإيجاد جو من الأحاسيس والمشاعر الحزينة”.
احترفت البكاء
رسول، وهو مدير لشركة تعمل في مجال تقديم خدمات لمراسم العزاء، يقول لصحيفة “همشهري” الإيرانية إن “هؤلاء الأفراد يحضرون مراسم العزاء ويتقاضون مبالغ مختلفة مقابل خدمات منها البكاء الطبيعي، أو البكاء مع الصراخ واللطم على الوجه أو حتى فقد الوعي. وغالبية أعضاء هذا الفريق من النساء في منتصف العمر، لكن خلال الفترة الماضية شهدنا رغبة من الشباب أيضاً، ويزداد عددهم باستمرار”.
وقالت صحرا، وهي فتاة شابة تشارك أسبوعياً بين مرتين إلى ثلاث في مثل هذه المراسم “أنا طالبة جامعية في اختصاص الحاسوب، وتقدمت للعمل في أماكن متعددة ولم أحصل على وظيفة، إلى أن اقترح عليَّ أحد أقاربي هذه الشركات”، موضحة الأيام الأولى كانت صعبة جداً، لكن الآن بعد ثلاثة أعوام أدعي أنني أصبحت محترفة في البكاء، كلما أتقنت مثل هذه الأمور تحصل على أموال أكثر”.
من جانب آخر، وفي ظل ارتفاع أسعار الإيجارات في الأعوام الأخيرة، يضطر بعض الفقراء إلى المبيت في قبور تقع داخل المقابر الكبيرة.
وقد عد مركز الأبحاث التابع لمجلس الشورى الإيراني عام 2023 في تقرير له، بعض الأماكن الغريبة للمبيت لبعض الفئات الفقيرة، منها المبيت فوق السطوح وغرف الصيانة في المباني الكبيرة، وفي السيارات والمقابر والحافلات والتنقل من مكان إلى مكان آخر، أو عيش عدد من العائلات في شقة واحدة، وهي ظواهر تنتشر في البلاد بسبب عدم وجود سياسات تحمي المستأجرين وذوي الدخل المنخفض في إيران.
على هذا الأساس فإنه في ظل السياسات التي يتبعها النظام، والمبنية على أساس المواجهة والحرب، فإن عدم الاهتمام بالوضع الاقتصادي والوضع المعيشي للناس أدى إلى ارتفاع كبير في أسعار العملات الأجنبية، ويبدو أن المقابر في إيران ستتحول، إضافة إلى كونها مكاناً لدفن الأموات، إلى أماكن للحياة وكسب المال أيضاً.
نقلاً عن “اندبندنت فارسية”
نقلاً عن : اندبندنت عربية