قد يكون مفاجئاً للبعض أنه، بعد عقود من استقلال دول البلطيق عن الاتحاد السوفياتي، وأعوام طويلة من سياسة فك الارتباط، وثلاثة أعوام على بداية الغزو الروسي لأوكرانيا الذي أزال ما تبقى من علاقات بين موسكو والدول التي دارت يوماً في فلكها، كانت لا تزال جزءاً من شبكة ترابط كهربائية تديرها موسكو.

اليوم أخيراً، تشهد دول البلطيق حدثاً يوصف بأنه “استقلال في مجال الطاقة”، إذ تخرج لاتفيا وليتوانيا وإستونيا نهائياً من حلقة الطاقة “بريل” BRELL، التي تربطها بروسيا وبيلاروس، واعتبرت سلطات دول البلطيق هذه الخطوة إتماماً لعملية طويلة من التكامل مع نظام الطاقة الأوروبي وتحرر الجمهوريات البلطيقية من خطر الوقوع تحت أية محاولات ضغط من موسكو.

وأشادت كبيرة المسؤولين عن السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس، وهي رئيسة وزراء إستونيا سابقا، عبر منصة اكس بـ”انتصار الديموقراطية”.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

واعتباراً من الـ10 من فبراير (شباط) 2025، ستصبح الدول الثلاث جزءاً من شبكة الطاقة الأوروبية الموحدة، لتكمل بذلك رحلة طويلة نحو الاستقلال في مجال الطاقة. ومن المرتقب تنظيم مراسم رسمية للاحتفاء بالحدث في البلدان الثلاثة، تحضره رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين مع قادة دول البلطيق غداً الأحد في فيلنيوس عاصمة ليتوانيا.

ما هو نظام “بريل”؟

“بريل” هو اختصار يتكون من الأحرف الأولى للدول المشاركة (بيلاروس وروسيا وإستونيا ولاتفيا وليتوانيا). الترابط يعود أساساً إلى أيام الاتحاد السوفياتي لكن الاتفاق الذي كان معمولاً به حتى اليوم يعود إلى عام 2001، وكان يهدف إلى ضمان التشغيل المتزامن لشبكات الكهرباء في هذه البلدان بتردد 50 هرتز.

الوظيفة الرئيسة لنظام “بريل” هي ضبط التوتّر الكهربائي بين البلدان، إذ توجّه الكهرباء الزائدة إلى حيث يوجد نقص في أي وقت محدد.

وعلى رغم أن إستونيا تخلت عن المشتريات التجارية للكهرباء من روسيا منذ عام 2010، ثم لاتفيا (منذ عام 2022)، استمرت التدفقات التقنية في ضمان استقرار النظام.

على مدى عقود، سمح ذلك لدول البلطيق بالاستفادة من البنية التحتية للطاقة التي بُنيت خلال الحقبة السوفياتية. ومع ذلك، في الأعوام الأخيرة، كان يُنظر إلى الاعتماد على موسكو أنه تهديد للأمن القومي.

دول البلطيق تقرر الخروج من نظام “بريل”

اتخذ القرار الرسمي بالخروج من نظام “بريل” عام 2017، وفي العام التالي، وقع ممثلو لاتفيا وليتوانيا وإستونيا اتفاقية لمزامنة أنظمة الطاقة الخاصة بهم مع أوروبا، بعد بدء الحرب الروسية ضد أوكرانيا تسارعت العملية – بحلول أغسطس (آب) 2024، قدمت دول البلطيق إشعاراً نهائياً بالخروج من النظام.

وكما ذكرنا فالسبب الرئيس للخروج هو المخاوف من استخدام موسكو الربط هذا كأداة للضغط السياسي، في عام 2016، صرح وزير الطاقة الليتواني زيغمانتاس فايتشيوناس بأن “الاحتلال في مجال الطاقة لدينا لم ينته بعد”، فيما شبه وزير الطاقة السابق داينيوس كريفيس الخروج من نظام “بريل” بـ”انسحاب آخر دبابة روسية” من ليتوانيا.

كيف سيتم فك الترابط؟

بدءاً من الثامن من فبراير، ستبدأ دول البلطيق في إيقاف 21 شبكة اتصال مع روسيا وبيلاروس تدرجاً، ستفصل ليتوانيا أولاً الخط مع منطقة كاليننغراد، فيما شبكة الاتصال في إستونيا ستكون الأخيرة، لاستبعاد إمكان إعادة الاتصال، ستُفكك محطات الاتصال.

بعد الإغلاق، ستنتقل دول البلطيق إلى وضع “جزيرة الطاقة” – وهي فترة موقتة تعمل فيها الأنظمة بصورة مستقلة، ثم سيتم الاتصال بالشبكة الأوروبية عبر خطوط الحدود “ليت-بول لينك” LitPol Link (ليتوانيا – بولندا). واعتباراً من الـ10 من فبراير، ستصبح البلدان رسمياً جزءاً من نظام الطاقة القاري الأوروبي.

الكلف المالية والإعداد

تطلبت عملية التحضير للخروج من نظام بريل استثمارات بقيمة 2 مليار يورو، وتولى الاتحاد الأوروبي جزءاً كبيراً من هذه الكلف، قامت ليتوانيا ولاتفيا وإستونيا بتحديث أنظمة الطاقة، وبنت خطوط كهرباء إضافية مع بولندا وفنلندا والسويد، وركبت ليتوانيا محولات خاصة للتزامن الكهربائي تضمن التشغيل المستقل للشبكة في حال انقطاع الاتصال بأوروبا.

الأهمية الجيوسياسية

تعتبر دول البلطيق الخروج من نظام “بريل” ليس مجرد خطوة تقنية، بل هو إنهاء رمزي للاعتماد على الطاقة من روسيا، تتم مقارنة هذا الحدث باستعادة الاستقلال، لأنه الآن لم يعد بإمكان موسكو تنظيم إمدادات الكهرباء أو التهديد بالقطع.

كيف سيؤثر الأمر في الجيب الروسي كاليننغراد؟

أفاد محافظ منطقة كالينينغراد، أليكسي بيسبروزفانيخ، اليوم السبت، أن قطاع الطاقة في المنطقة انتقل إلى العمل في وضع مستقل دون أية مشكلات.

وكان خبراء روس أكدوا أن روسيا مستعدة منذ فترة طويلة لقرار دول البلطيق بالخروج من نظام الطاقة الموحد “بريل”، وأن هذا القرار لن يؤثر في أمن إمدادات الطاقة الروسية، وأن البلاد مستعدة لذلك منذ فترة طويلة إذ أجرت أيضاً جميع الاختبارات وعمليات التحقق اللازمة.

ولفتوا أن نظام الطاقة يسمح “بتأمين توليد كامل لمنطقة كاليننغراد، بل حتى مع وجود احتياطي، لذلك لا توجد مشكلات في هذا الصدد”.

نقلاً عن : اندبندنت عربية