أن تستمع إلى كلام الرئيس دونالد ترمب يعني أن تدخل عالم السريالية من بابه الواسع. كما جاء في افتتاحية الجمعة في “اندبندنت”، لا يقتصر الموضوع على عزمه الظاهري على سحب الدعم الأميركي لأوكرانيا التي يفرض عليها إبرام صفقة أو اتفاق وقف إطلاق نار مع روسيا ورئيسها بوتين من أجل وقف الحرب، بل يتخطى ذلك إلى اختياره شيطنة الرئيس فولوديمير زيلينسكي وأوكرانيا نفسها كدولة مستقلة ذات سيادة من خلال سلسلة من الأكاذيب الهائلة الخارجة من قلب البروباغندا الروسية مباشرة، حول أصل الحرب، تبريراً لسياسته.

ويصدمك بالدرجة نفسها أن تضطر إلى الاستماع إلى هذه الأكاذيب مكررةً على لسان نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس ووزير دفاعه بيت هيغسيث. وكل ذلك قبل أن نصل إلى هذر السيد إيلون ماسك. ويبدو من الحتمي الاستنتاج بأن قيادة الولايات المتحدة قيد التحول إلى بلاط الإمبراطور نيرو [مشهور بقسوته وفجوره]، حيث يتوسطها زعيم نرجسي شرير تحيط به مجموعة من المداهنين: وهذه كارثة موصوفة بالنسبة إلى شعب الولايات المتحدة والعالم الحر.

لكن في الوقت الحالي، يجري تجنب تبعات كل ما سبق على أمننا القومي. ويعرب بعض البريطانيين عن أمله في أن تؤدي الزيارة المقبلة لرئيس الوزراء [البريطاني] إلى الولايات المتحدة إلى تغيير الاتجاه. كذلك يوشك الرئيس إيمانويل ماكرون أن يجرب ذلك الطريق أيضاً. لكن ما لم تحصل معجزة، من الصعب أن نرى كيف لكل هذا الضرر الذي أُلحق سريعاً بوحدة أهداف “ناتو” ألا ينبئ بتغيير جذري في رؤية ترمب المصالح الوطنية الأميركية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

والمؤشرات موجودة بالفعل على أنه ارتدى شخصية زعيم المافيا المحب للصفقات والمهتم أكثر بكثير بإبرام اتفاق مع بوتين الذي لا جدال في كونه زعيم مافيا من السعي إلى تعزيز المصالح الأميركية عبر الحفاظ على قيم النظام العالمي القائم على القوانين الذي دأب بوتين على انتهاكه على الصعد كافة.

منذ نهاية الحرب العالمية الثانية تربط علاقة خاصة بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في مجالات الأمن والدفاع وقد استمرت على رغم الاختلافات العرضية في السياسة وكانت مفيدة جداً للطرفين، كما علمتني الفترة التي قضيتها على رأس لجنة الاستخبارات والأمن البرلمانية. نحن نتشارك الاستخبارات مع كندا وأستراليا ونيوزيلندا من خلال تحالف “العيون الخمس”، في إطار عملية راسخة لدرجة أنها لا تحتاج إلى أي توجيه سياسي. فهو قائم على درجات عالية من الثقة.

لكن من المستحيل أن نرى كيف سيُكتب لهذا الوضع الاستمرار بعدما ضل أقوى عضو في التحالف الطريق وأصبح يتودد لروسيا، التي قد يجوز اعتبارها في الوقت الحالي الخصم الأساس والأكثر خطراً علينا وعلى جيراننا أيضاً وإن ظلت تجمعنا معه مصالح مشتركة في ما يتعلق بالخطر الصيني وغيره.

نمر الآن بأشد أزماتنا وطأة منذ عام 1939. ونواجه هذه الأزمة مع موازنة عسكرية غير كافية أوصلت قواتنا المسلحة بعد أكثر من عقدين إلى وضعها الحالي. كذلك نواجهها في زمن ما زال اقتصادنا فيه يتأثر سلباً ببريكست وفيما انسحاب المملكة المتحدة من الهيئات الأوروبية لا يزال يشكل عائقاً كبيراً أمام التعاون في مشتريات الدفاع الذي سوف يصبح ضرورياً في وقت وجيز بغية التصدي للتحدي من جهة روسيا، لا يعتبر الحرص على استمرار أوكرانيا ونجاتها كدولة حرة ومستقلة وذات سيادة ضرورة أخلاقية وحسب بل هو ضرورة من أجل تفادي اندلاع صراع لاحق أسوأ بكثير.

خلال الحرب العالمية الأولى، دفع رجل الأعمال جان مونيه الناطق بالإنجليزية والمحب للثقافة الإنجليزية بالمملكة المتحدة وفرنسا إلى التحالف وإلى كسر الحواجز التي تعوق الشراكة في المشتريات الدفاعية وتوسيع نطاق التعاون الاقتصادي خلال الحرب. هذا ما سنحتاج إليه مجدداً وبشكل ملح على مستوى عموم أوروبا. إن الواقع شديد الوضوح. نظراً إلى الاتجاه الحالي الذي تتبناه الولايات المتحدة، لا يسعنا سوى مواجهة التحدي الذي تشكله عبر العمل مع جيراننا الذين يشاركون قيمنا.

شغل المحامي والسياسي السابق دومينيك غريف منصب وزير الداخلية في حكومة الظل بين 2008 و2009 ومدعي عام إنجلترا وويلز بين عامي 2010 و2014.

نقلاً عن : اندبندنت عربية