إذا كنت تعاني زيادة في الوزن فقد يكون سماع عبارات مثل “الحميات لا تجدي نفعاً أو ستستعيد كل الوزن مجدداً” أمراً محبطاً، ولكن في عصر دواء “أوزمبيك” وغيره من أدوية فقدان الوزن الأخرى التي أصبحت شائعة بصورة متزايدة، يتعرض الأشخاص الذين فقدوا وزنهم أخيراً لمزيد من هذه التعليقات المشككة أكثر من أي وقت مضى.
ويشير بحث جديد إلى أن السبب في استعادة الوزن ليس ببساطة العودة للعادات السيئة، وبالنسبة إلى بعضهم فثمة سبب علمي أيضاً وراء اكتساب الوزن مجدداً، فإذا كنت ترغب في الانضمام إلى ما يقدر بـ 15 إلى 20 في المئة من الأشخاص الذين ينجحون في الحفاظ على وزنهم المفقود على المدى الطويل فسيتعين عليك بذل جهد إضافي، إذ تشير الدراسات إلى أن “ذاكرة الخلايا الدهنية” يمكن أن تجعل الجسم يتوق إلى حجمه السابق الأكبر وسيعمل جاهداً لاستعادته، بغض النظر عن الطريقة التي استخدمتها في الأساس لخسارة الوزن.
وربما يبدو الوضع برمته غير منصف، فعندما يبدأ أي شخص يعاني الوزن الزائد في تناول طعام صحي يُعتبر ذلك [في نظر الآخرين] حمية غذائية حتى وإن كان الهدف تحسين الصحة، وغالباً ما يكون الأشخاص الذين يعيبون علينا الكيلوغرامات الزائدة هم أنفسهم الذين يقللون من أهمية الطرق التي نلجأ إليها لإنقاص الوزن.
وفي البحث الجديد المنشور في المجلة العلمية “نيتشر” Nature استعادت الفئران التي كانت تعاني السمنة في السابق وزنها بسرعة أكبر مقارنة مع الفئران التي كانت تتمتع بوزن سليم أصلاً، وجاء في التقرير أن “الفئران التي تحمل هذه الذاكرة المرتبطة بالسمنة تظهر استعادة سريعة للوزن الذي خسرته”.
وأضاف التقرير، “باختصار تشير النتائج التي خلصنا إليها إلى أن الجسم يحتفظ بذاكرة للسمنة تعتمد إلى حد كبير على التغيرات الجينية المستقرة في خلايا الدهون لدى الفئران وربما في خلايا أخرى أيضاً [يحدث هذا الشكل من التغييرات استجابة لعوامل بيئية أو تجارب حياتية فيؤثر في طريقة عمل الجينات في الجسم من دون تغيير تسلسل الحمض النووي نفسه] ويبدو أن هذه التغييرات تجعل خلايا الجسم أكثر استعداداً للاستجابات غير الصحية في بيئة تؤدي إلى السمنة مما يسهم في ظاهرة “يو- يو” (yo-yo) المزعجة [الدوامة المستمرة من فقدان الوزن واستعادته] التي تظهر غالباً مع اتباع الحميات الغذائية بدافع إنقاص الوزن.
وبعد حياة طويلة من النضال للحفاظ على وزني لا يفاجئني أن أسمع أن جسدي لا يزال يتوق إلى سروال مقاس 18 من سراويل الحمل القديمة التي كنت أرتديها منذ فترة طويلة (كانت مريحة حقاً)، ولست فأرة طبعاً، ولكن خلال أعوام حياتي كامرأة بالغة فقدت واكتسبت وفقدت واكتسبت قدراً كبيراً من الوزن، وفي الواقع إذا جمعت كل الحميات الغذائية التي جربتها على مر الأعوام فسيكون مجموع الوزن الذي خسرته 127 كيلوغراماً مع فقدان أكثر منذ 32 كيلوغراماً في غضون ستة أشهر فقط أواخر العشرينيات من عمري، باتباع خطة قاسية جداً تقضي باستبدال وجباتي اليومية بوجبات غذائية تحوي 500 سعرة حرارية فقط يومياً، وصولاً إلى المحاولات المتعددة مع برامج دعم شهيرة تركز على إنقاص الوزن [من دون قيود صارمة] من قبيل “ويت واتشرز” WeightWatchers و”سليمينغ وورلد” Slimming World، إلى جانب كثير من الاحتساب التقليدي للسعرات الحرارية باستخدام تطبيقات رقمية مبتكرة وجذابة مثل “ماي فيتنس بال” My Fitness Pal و”نووم”Noom .
وبالطبع ما إن أصل إلى المقاس المستهدف وأبدأ في تخفيف عادات الأكل الصارمة حتى أستعيد وزني المفقود مرة أخرى غالباً، وكنت أحاول الحفاظ على تلك العادات الصحية ولكن الحمل والأمومة والضغط النفسي والهرمونات، إضافة إلى الإغراءات المستمرة من الشوكولاتة من نوع “تونيز” Tony’s والنبيذ كانت تعوقني، ومع ذلك كنت دائماً أشعر بالظلم: أصدقائي النحيفين الذين كانوا لا يختلفون عني في طريقة العيش كانوا دائماً يحافظون على وزنهم من دون أية زيادة، في حين أن نهاية أسبوع مليئة بالأطعمة الدسمة والمشروبات كانت كافية بالنسبة إليّ ليزداد مقاس فستاني.
إذاً كيف نجحت الآن في الانضمام إلى تلك القلة المميزة من الأشخاص الذين يحافظون على وزن أقل؟
صراحة لم يأت ذلك بسهولة أبداً، فمنذ عام 2021 حافظت تقريباً على خسارة ثابتة في الوزن تبلغ 20 كيلوغراماً، ومن المؤكد أن وزني لا يزال يرتفع وينقص بحسب تغير فصول العام ولكن بصورة أقل شدة، وأجرؤ على القول إنني حققت ذلك بطرق أكثر طبيعية مما كانت عليه الحال أيام الحميات القاسية والمتطرفة التي كانت تدفعني إلى دوامة الـ “يو- يو” فمثلاً بعد عيد الميلاد كان وزني أثقل بخمسة كيلوغرامات مقارنة مع ما كنت عليه ربيع العام الماضي عندما كنت أتدرب للمشاركة في “ماراثون لندن”.
لا ريب أنني كنت سأصاب بالذعر لو حدث هذا في شبابي وكنت سأعتقد أنني أفقد تماماً السيطرة على الأمور (ثم سأتناول بسكويت “هوبنوب” لأشعر بالتحسن قبل أن أسجل اشتراكي في برنامج “سليمينغ وورلد” مرة أخرى)، أما الآن فأجدني أتقبل أن وزني سيتقلب دائماً، لكن هذه الأيام يتراوح بين المقاس 12 و 14 بدلاً من 10 و 20، وبفضل ممارسة التمارين الرياضية بانتظام انتصرت على تلك الخلايا الدهنية العنيدة التي كانت تذكر جسمي بحجمه السابق.
نعم لقد أصبحت ذلك الشخص الذي يمارس التمارين الرياضية خمس مرات في أقل تقدير أسبوعياً، ثلاث منها تمارين الركض (كنت واحدة من الذين بدأوا بالركض في خضم فترة الإغلاق [بسبب “جائحة كورونا”] ضمن برنامج “كوتش تو5 كي” Couch to 5K cliche ولكنني واظبت عليها، والآن أتدرب عادة من أجل هدف معين)، واثنان منها لتقوية العضلات إضافة إلى أنني أمشي في المتوسط أكثر من 13 ألف خطوة يومياً. قد يبدو هذا المقدار من التمارين مرعباً لأي شخص لم يصب بعد بعدوى الرياضة أو مشكلة “ذاكرة الخلايا الدهنية”، كان يبدو مرعباً لي في شبابي لكن الآن أصبح جزءاً من حياتي وأستمتع به بصورة كبيرة أيضاً، وأخيراً أستطيع أن أستمتع بالطعام من دون أن أكون مهووسة به كما كنت أفعل في كل تلك التدابير القاسية التي كنت ألجأ إليها سابقاً.
وبطبيعة الحال أصبحت عاداتي الغذائية صحية أكثر أيضاً ولم أعد، ولا أستطيع، أن أشرب الكحول بقدر ما كنت أفعل في العشرينيات من عمري، أما الوجبات السريعة فباتت بمثابة مكافأة شهرية وأتناول كمية كبيرة من البروتين والفواكه والخضراوات الطازجة، ولكن وللمرة الأولى في حياتي لا أشعر أنني رهينة نظام غذائي لأنني أعلم أيضاً أنه من المهم ألا أفرض على نفسي قيوداً صارمة في نظامي الغذائي عندما أمارس كثيراً من التمارين الرياضية [لأن الجسم يحتاج إلى الطاقة للقيام بمجهود كبير].
من المحبط أن نسمع كلمات “كُلْ أقل وامشِ أكثر” من أشخاص لم يعانوا زيادة الوزن لكنها صحيحة إلى حد ما، ولكنني أعلم أن الوصول إلى هذا يتطلب تغييراً ذهنياً كبيراً، وأحد الأمور التي يتطرق إليها كثر من مستخدمي “أوزمبيك” وأدوية “جي أل بي-1” الأخرى هو أن هذه الأدوية تساعدهم في تقليل الأفكار المزعجة المتعلقة بالطعام مما يمنحهم القدرة على التحكم بصورة أفضل في تفكيرهم حيال الطعام، وهذا يسمح لهم بفهم تجربة الأشخاص الذين لم يعانوا مشكلات في الوزن ولا يشعرون بالضغوط نفسها أو التفكير المستمر في الطعام.
يترك الإحساس الذي يغمرني خلال ممارسة الركض تأثيراً مماثلاً عليّ إضافة إلى أنني أتقبل حقيقة أنني ربما لن أكون نحيفة أبداً من الناحية العلمية (إذ لا يزال مؤشر كتلة الجسم لدي في نطاق الوزن الزائد)، غير أنني مع ذلك أستطيع أن أكون قوية وأن أملك ما يكفي من اللياقة البدنية وأكون مليئة بالطاقة والحيوية، وإذا لم ير الأشخاص الذين فقدوا كيلوغرامات كثيرة باستخدام “أوزمبيك” أو وسائل أخرى غير تقليدية وقاسية أن ممارسة التمارين يومياً ستكون جزءاً من حياتهم في المستقبل، فربما يجدون أنفسهم مضطرين إلى أخذ الدواء مدى الحياة للحفاظ على وزنهم، وعلى ارتداء سروال جينز بمقاس 10، ولكن تتوافر طرق أخرى تمكنهم بطريقة ما من “إعادة ضبط” أجسامهم ومسح ذاكرة الخلايا الدهنية نهائياً.
أسست الدكتورة زوي واتسون مبادرة “ويل غود ويلبينغ” Wellgood Wellbeing التي تركز على تعزيز الصحة وتحسين أسلوب العيش، وتقول إنها في مجال الطب العام الذي تمارسه تقابل كثيراً من المرضى الذين يعانون القلق تحديداً، وتضيف “بالطبع عرفنا منذ وقت طويل أن العوامل الوراثية تؤدي دوراً كبيراً في السمنة ويبدو أن بعضهم محظوظون وراثياً في الحفاظ على الوزن نفسه طوال حياتهم، بينما يتخبط آخرون طوال حياتهم في حلقة لا تنتهي من فقدان الوزن واكتسابه مراراً وتكراراً”.
“لطالما فسر الخبراء تلك الظاهرة [استعادة الجسم الكيلوغرامات الزائدة] بوجود ما يسمى “نقطة استقرار الأيض” أو التمثيل الغذائي (تحويل الغذاء إلى طاقة) في الجسم، وهكذا في كل مرة يكتسب الجسم الوزن ثم يفقده فإنه سيعمل بكل ما أوتي من قوة للعودة للوزن الأعلى الذي كان عليه”، تضيف الدكتورة واتسون.
وتعتقد الدكتورة واتسون أن تعديل طريقة تفكيرنا يساعدنا بالتأكيد، وتقول “إن جوهر المشكلة أن السمنة وزيادة الوزن مرضان مزمنان، وشأن أي داء مزمن آخر نحاول أن نعالجه في مجال الطب العام مثل الربو والسكري وارتفاع ضغط الدم مثلاً، يلازمنا علاج هاتين الحالتين الصحيتين مدى الحياة”.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبناء عليه فمن المحتمل جداً أن يستعيد كثيرون الكيلوغرامات الزائدة بعد فقدانها، سواء خسروها باستخدام “أوزمبيك” أو “مونجارو” Mounjaro أو جراحة السمنة، أو ببساطة خفض السعرات الحرارية المستهلكة، ولكن لا يعني ذلك أن علينا الاستسلام وخصوصاً إذا كنت تعتقد أنك ستشعر بالسعادة والصحة عند الوصول إلى وزن أقل.
تشرح الدكتورة واتسون “على المدى الطويل سيكون التركيز على تبني أسلوب حياة صحي للمساعدة في الحفاظ على الوزن المفقود، ولكن تحقيق خسارة وزن كبيرة في البداية من طريق اتباع حمية ما وممارسة الرياضة يبقى خطوة صعبة جداً وغالباً ما تفشل”، وبناء عليه فإذا كنت تفكر في استخدام أدوية إنقاص الوزن فتقول الدكتورة واتسون إنه من المفيد أن تكون هذه الخطوة مصحوبة بتغيير أسلوب عيشك إلى الأفضل، هكذا بدلاً من الاعتماد على تأثير الدواء في خفض الشهية للطعام ثم القلق من الحال التي ستؤول إليها عند التوقف عن هذه العقاقير، ويمكنك استغلال فقدان الوزن السريع وكل ما يصاحبه من مزايا مثل شراء الملابس الجديدة وتحسن مستوى الطاقة كحافز للاستمرار في العادات الصحية.
وتوضح الدكتورة واتسون أن بعض الأدلة تشير إلى أنه بمجرد أن تتمكن من الحفاظ على قدر معين من فقدان الوزن مقارنة مع الوزن السابق الذي بدأت منه، فإن نقطة استقرار الأيض لديك [الوزن الذي يميل الجسم إلى العودة له بعد فقدانه] ستعيد ضبط نفسها مرة أخرى، إنه مجال بحثي مثير للاهتمام ومتطور جداً، وتعد أدوية “جي أل بي-1″ واحدة من أكثر العقاقير المثيرة للاهتمام التي شهدناها في علاج السمنة.”
صحيح أن الحفاظ على وزن صحي يكون أكثر صعوبة بالنسبة إلى بعضنا مقارنة مع الآخرين، ولكن لا يعني ذلك أن فقدان الوزن مضيعة كبيرة للوقت ولا يستحق الجهد، وفي نهاية المطاف ستجد نفسك أمام خيارين اثنين [إما الاعتماد على الأدوية أو تبني نمط حياة أكثر نشاطاً]، أن تدفع نقودك لشركات الأدوية من دون أن تعرف فعلاً التأثيرات الصحية الطويلة الأمد لهذه الأدوية، أو أن تساهم في أرباح شركات الملابس الرياضية مثل “سويتي بيتي” و”أديداس”.
نقلاً عن : اندبندنت عربية