في مواجهة موجة من الأوامر التنفيذية والمذكرات الصادرة عن الرئيس الأميركي دونالد ترمب، بادرت شركات كبرى ومكاتب محاماة إلى اتخاذ خطوات عاجلة لفهم تأثير هذه التغيرات على الأعمال التجارية.

وأنشأت شركة “جيه بي مورغان تشيس” غرفة حرب، بينما أطلقت شركة المحاماة “فيشر فيليبس” خطاً ساخناً للهجرة لمساعدة العملاء في التعامل مع المداهمات المحتملة، فيما يعمل المصنعون وتجار التجزئة على تخفيف تأثير التعريفات الجديدة المحتملة.

ووصف الرئيس التنفيذي لشركة الاستشارات الإدارية “أوليفر وايمان” نيك ستودر الوضع بقوله، “هناك صدمة أولية في اليوم الأول”، مشيراً إلى أن ترمب في ذروة قوته حالياً، ومع الوقت ستتضح الخطط بصورة أكبر.

وأطلقت شركة المحاماة “أكين غامب شتراوس هاور أند فيلد” أداة لتتبع أوامر ترمب التنفيذية، إذ نشرت 32 تدوينة تلخص الأوامر الرئيسة خلال يومين فقط. وقال برايان بومبر، وهو أحد قادة ممارسات الضغط في الشركة، إن التركيز على الأوامر التنفيذية كان أكبر هذه المرة نظراً إلى الوعود بإحداث تغييرات كبرى في أول 100 يوم.

وعلى رغم التوقعات لبعض تحركات ترمب، لم تكن هناك تفاصيل كاملة عن قضايا كبرى مثل الترحيلات، وطعن في بعض الأوامر، ومن المتوقع فرض رسوم جمركية بنسبة 25 في المئة على الواردات من المكسيك وكندا بدءاً من الأول من فبراير (شباط) المقبل.

الشركات الأميركية وسياسات ترمب الضريبية

وتنتظر شركات مثل “3M” الشركة الأميركية المصنعة لمنتجات تتنوع بين الشريط اللاصق والمواد المستخدمة في بطاريات السيارات الكهربائية بفارغ الصبر تفاصيل أي سياسة تعريفات جديدة. وتصدر الشركة منتجات بقيمة 4 مليارات دولار سنوياً، فيما تستورد ما قيمته 1.7 مليار دولار، نصفها تقريباً من المكسيك وكندا.

وقال الرئيس التنفيذي للشركة بيل براون، لصحيفة “وول ستريت جورنال”، “نراقب الوضع من كثب، لكن لدينا عدداً من الخيارات التشغيلية التي يمكننا اتخاذها”، مشيراً إلى أن الشركة قد تلجأ إلى زيادة الإنتاج في مصانعها داخل الولايات المتحدة لتعويض أي تغييرات.

ويترقب بعض التنفيذيين نهج ترمب التصعيدي في مفاوضات الضرائب العالمية، التي شهدت عام 2021 اتفاقاً بين 140 دولة لوضع حد أدنى للضرائب على الشركات، وتنظيم حقوق الدول في فرض الضرائب.

ووقع ترمب مذكرة تنفيذية تعلن أن التزامات إدارة بايدن في الاتفاق لا تمتلك قوة قانونية داخل الولايات المتحدة من دون موافقة الكونغرس، ووجه المسؤولين لدراسة الإجراءات التي يمكن أن تتخذها واشنطن في هذا الشأن.

ما بين التصعيد والمساومة

وصرح المتخصص في مجال القانون بجامعة جورج تاون والمسؤول السابق في وزارة الخزانة خلال إدارة بايدن إيتاي غرينبرغ بأن إدارة ترمب ستحتاج إلى تحديد ما إذا كانت تحركاتها تهدف إلى التوصل إلى تسوية أم إنها بداية حرب تجارية وضريبية، مضيفاً “آمل وأعتقد أن هذا التصعيد يهدف إلى تحقيق تسوية”.

من جانبه أشار شريك في قسم الضرائب بشركة “برايس ووترهاوس كوبرز” ومساعد سابق للحزب الجمهوري في مجلس الشيوخ روهيت كومار، إلى تلقيه عشرات الرسائل الإلكترونية من التنفيذيين مليئة بالاستفسارات، وقال “هذه الإجراءات ستؤدي إلى تعقيدات كبيرة للشركات متعددة الجنسيات، وربما تؤدي إلى ازدواج ضريبي في عدد من الحالات”.

وفي المنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس كشفت ماري إردوس أحد كبار المسؤولين التنفيذيين في “جيه بي مورغان تشيس”، أن البنك أنشأ “غرفة حرب” لتحليل ومتابعة السياسات الجديدة المتسارعة.

الشركات وسياسات الهجرة في ظل إدارة ترمب

وتدرس فرق العلاقات الحكومية في بنك “جيه بي مورغان تشيس” الأوامر التنفيذية الجديدة وإرسال ملخصات للإدارة العليا، بما في ذلك الرئيس التنفيذي جيمي ديمون، ويخطو “بنك أوف أميركا” و”سيتي غروب” خطوات مماثلة، بهدف مساعدة العملاء والشركات الدولية على التكيف مع التغيرات.

وأبدى عديد من الشركات قلقه في شأن السياسات الجديدة المتعلقة بالهجرة، وأطلقت شركة المحاماة “فيشر فيليبس” فريق استجابة سريع لقضايا الهجرة، يتألف من محامين عبر مكاتبها، للتعامل مع الاستفسارات والمخاوف المتزايدة من العملاء.

وقالت الرئيسة المشاركة لمجموعة ممارسات الهجرة في الشركة شانون ستيفنسون للصحيفة، “بدأنا تلقي المكالمات من عملاء يشعرون بالذعر من تغييرات الهجرة المحتملة أو أي اضطرابات قد تؤثر في أعمالهم، ونتوقع زيادة هذه المكالمات”.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأرسلت الشركة إلى عملائها رقماً ساخناً يمكنهم الاتصال به على مدار الساعة في حال حدوث مداهمات غير متوقعة من سلطات الهجرة، وفي بعض الصناعات مثل البناء، الضيافة، والرعاية الصحية، نظمت جلسات تدريبية للموظفين ووضع لافتات في مكاتب الاستقبال لتوجيههم حول كيفية التصرف ومن يمكنهم الاتصال به في حال ظهور مسؤولين من الهجرة.

وعلى أرض الواقع، يواجه قطاع الزراعة أيضاً تداعيات تلك السياسات. وقال مزارع الحمضيات في مقاطعة كيرن كاليفورنيا بيتر بيللوميني، إنه فقد موقتاً نحو 70 في المئة من طاقم الحصاد الخاص به هذا الشهر بسبب مداهمة من دورية الحدود المحلية، مما دفع عديداً من العمال إلى التواري عن الأنظار.

الأوامر التنفيذية وسيلة شائعة للرؤساء

وقال أحد المصادر، “ببساطة، تنتشر الأخبار داخل المجتمع، فيشعر جزء من القوى العاملة بالقلق، ويفضلون البقاء في منازلهم”. وأضاف بيلوميني أنه يتوقع أن “أي اضطراب سيكون موقتاً وقصير الأمد”.

وعلى مدى أسابيع، حاولت الشركات استباق تحركات الإدارة الجديدة، وسافر الرؤساء التنفيذيون إلى مقر إقامة ترمب في مارالاغو للتعبير عن وجهات نظرهم، واستعانوا بجماعات ضغط جمهورية جديدة للحصول على التوجيهات، وغيروا سياسات داخلية مثل التنوع لتحسين أوضاعهم استعداداً لفترة جديدة تحت حكم ترمب، ومع ذلك فإن تدفق السياسات الجديدة يجعل من الصعب على الشركات توقع كل ما قد يحدث.

وفي هذا السياق، قالت رئيسة قسم إدارة رأس المال البشري في كلية الدراسات المهنية بجامعة نيويورك، آنا تافيس التي تتواصل مع المديرين التنفيذيين عبر مختلف القطاعات، “إنهم يستعدون، لكنهم لا يعرفون لما يستعدون”.

زاد عدد الأوامر التنفيذية التي تصدرها الإدارات الرئاسية الجديدة بصورة مطردة خلال العقدين الماضيين، مما زاد من الأعباء على فرق الشؤون الحكومية للشركات، وأصبحت الأوامر التنفيذية وسيلة شائعة للرؤساء للحكم خارج نطاق سيطرة الكونغرس.

ووفقاً لبيانات مشروع الرئاسة الأميركية، أصدر الرئيس جورج بوش الابن خلال فترة رئاسته ما معدله 36 أمراً تنفيذياً سنوياً، مقارنة بـ46 أمراً سنوياً أصدرها الرئيس جو بايدن، أما ترمب، فقد بلغ متوسط أوامره التنفيذية 55 أمراً سنوياً خلال فترته الأولى.

وعلى رغم تدفق القرارات المفاجئة مع بداية الإدارة الجديدة، وأخطار المفاجآت غير المتوقعة، يشعر عديد من الرؤساء التنفيذيين بالتفاؤل إزاء أجندة ترمب المؤيدة للأعمال. وقال الرئيس التنفيذي لمجموعة “بوسطن كونسلتينغ”، كريستوف شويزر، خلال اجتماعه مع عملاء في دافوس، “أعتقد أن هناك قدراً كبيراً من التفاؤل”. وأضاف أنه على رغم استمرار حال عدم اليقين، فإن الشعور السائد هو “سيطر على ما يمكنك السيطرة عليه”.

نقلاً عن : اندبندنت عربية