أثار مقال الرئيس الإثيوبي السابق مولاتو توشمي، الذي نشره على أحد المواقع الإخبارية، موجة كبيرة من الجدل في الأوساط السياسية الإريترية والإثيوبية على حد سواء، إذ اعتبره بعض المراقبين لشؤون المنطقة أنه بمثابة التمهيد لحرب جديدة بين إثيوبيا وإريتريا، في حين فندت الأخيرة عبر وزير إعلامها يماني قبر مسقل، الادعاءات الواردة في المقال.
وكان مولاتو الذي ترأس إثيوبيا في الفترة من 2013 إلى 2018 نشر مقالاً زعم فيه أن إريتريا أضحت تمثل عامل عدم استقرار في منطقة القرن الأفريقي، من خلال تورطها في الصراعات الداخلية في إثيوبيا، – حسب قوله- وتضمن المقال الذي أتى تحت عنوان “لتجنب صراع جديد في القرن الأفريقي، الآن هو الوقت المناسب للعمل”، مجموعة من التهم ضد الحكومة الإريترية، إضافة إلى الدعوة لضرورة اتخاذ خطوات إجرائية حاسمة ضدها، إذ اتهم رئيسها بزعزعة الاستقرار في المنطقة بأسرها، مطالباً المجتمع الدولي بوضع حد لتلك “التصرفات العدوانية”.
وقدم الرئيس الإثيوبي السابق سردية توحي بتورط إريتريا في حرب تيغراي الأخيرة، وممارستها انتهاكات واسعة، ذلك على رغم أن الوحدات الإريترية المشاركة في الحرب كانت إلى جانب الجيش النظامي الإثيوبي، فإن مولاتو وجه اتهامات بتورط النظام الإريتري في “دعم الميليشيات وتسليحها في كل من إقليمي أمهرة وتيغراي بغرض العبث بالأمن القومي الإثيوبي”.
تصدير الأزمة الداخلية
بدوره نشر وزير الإعلام الإريتري يماني قبر مسقل تغريدات عدة رداً على مقال رئيس إثيوبيا السابق، مؤكداً أن المقال أطلق إنذاراً كاذباً يتهم فيه إريتريا بتخطيطها لإشعال “صراع جديد في القرن الأفريقي”، موضحاً أن هذا “الادعاء يهدف إلى إخفاء وتبرير أجندة الحرب، التي يسعون إليها”.
ودافع الوزير الإريتري عن مواقف بلاده قائلاً “على عكس السرديات المشوهة التي حاول السيد مولاتو تسويقها حول حرب الحدود 1998 – 2000، الواقع أن النظام الإثيوبي بقيادة ’الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي‘ احتل أراضي إريترية ذات سيادة، بما في ذلك منطقتا بادمي وعدي مروق وأماكن أخرى، في انتهاك صارخ للقانون الدولي والمبدأ الأساس لمنظمة الوحدة الأفريقية في شأن قدسية الحدود الاستعمارية”.
وأضاف حتى بعد نهاية الحرب الباهظة الثمن، وتوقيع اتفاقية السلام، وصدور قرار المحكمة الدولية في لاهاي بأحقية إريتريا بالأراضي المتنازع عليها، واصلت إثيوبيا تحدي القانون الدولي وإبقاء الأراضي الإريترية ذات السيادة تحت احتلالها لمدة 20 عاماً، بما فيها فترة رئاسة مولاتو 2013-2018 مما يعد انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي ولقرار محكمة التحكيم الدولية.
وزعم الوزير الإريتري أن النظام الإثيوبي أثناء فترة رئيس الوزراء الراحل ملس زيناوي، تبنى أجندات معلنة “لتغيير النظام الإريتري” وخصص أموالاً طائلة لذلك، مضيفاً أن مولاتو أيد هذا التوجه.
وفي تناوله مشاركة بلاده في حرب تيغراي، رد قبر مسقل، بالقول إن اندلاع حرب التمرد في الرابع من نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، تضمن خططاً معلنة من “الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي” تشمل شن هجمات واسعة النطاق ومتدرجة على إريتريا، وقد تم استهداف العاصمة الإريترية بصواريخ عدة، مشيراً إلى أن مشاركة بلاده أتت نتيجة لهذه الظروف، وبطلب رسمي من الحكومة الفيدرالية الإثيوبية، مذكراً أن “الحكومة الإثيوبية ومؤسساتها الدفاعية قد اعترفت وأشادت بالدور الذي لعبته أسمرة خلال الأيام المظلمة التي مرت بها إثيوبيا”.
وعلى رغم قوله إن أسمرة تدعم اتفاق بريتوريا للسلام الموقع بين أديس أبابا ومقلي، أعلن وزير الإعلام الإريتري، أنه اتفاق يخص الطرفين.
وأضاف أن ما قاد علاقات البلدين للوضع الحالي ليس اتفاق بريتوريا، بل المساعي المعلنة لرئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد للاستحواذ على الموانئ والأراضي البحرية “بصورة قانونية إذا كان ذلك ممكناً، وعسكرياً إذا لزم الأمر”، منوهاً أن تلك المساعي أعلنها آبي أحمد خلال كلمة برلمانية.
ولفت إلى أن إثيوبيا تشهد حروباً داخلية شرسة في أقاليم عدة، ومن ثم فإن الاضطرابات التي تعانيها المنطقة تنبع وتجد محورها في أديس أبابا، وليس في أي مكان آخر، واعتبر أن معالجتها لا تكمن في تقديم التبريرات للعنف، أو إلقاء اللوم على إريتريا، واصفاً تلك المحاولات بتصدير الأزمات الداخلية للخارج.
هل تقرع الطبول لحرب جديدة؟
من جهته علق السياسي الإثيوبي جوهر محمد، على مقال مولاتو تحت عنوان “هل يقرعون الطبول لحرب أخرى”، مؤكداً أنه سبق أن حذر منذ أسابيع أن إدارة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد تستعد لحرب أخرى ضد إريتريا، وتابع “إذا كانت لدى أي شخص شكوك، فإن المقال المنشور تحت اسم الرئيس السابق مولاتو تيشومي، يعزز وجهة نظري!”.
وشكك السياسي الإثيوبي المعارض أن يكون محتوى المقال يخص مولاتو وحده، مشيراً إلى أنه يعبر عن وجهة النظام الحاكم في أديس أبابا.
وقال جوهر أثناء تدشينه كتاباً جديداً في الولايات المتحدة الأميركية، حول فترة الانتقال السياسي في إثيوبيا، إن البلاد على وشك الانهيار بسبب الانقسامات الداخلية والصراعات المسلحة وغياب الأمل للأجيال الجديدة، معتبراً أن آخر ما تحتاج إليه أثيوبيا الآن هو حرب خارجية أخرى.
ودعا إدارة آبي أحمد إلى التركيز على حل أزماتهم الداخلية عوض اختلاق الروايات الدعائية لشن حروب جديدة قد تفضي إلى تفكك البلاد.
بدوره قال المتخصص في الشأن الإثيوبي يلقال جيتنت، إن المقال الأخير للرئيس الإثيوبي السابق كشف حجم التوتر الذي بلغته علاقات البلدين، على رغم التحسن الكبير الذي شهدته في الأعوام التي تلت وصول آبي أحمد لسدة الحكم في أديس أبابا، ثم تحالفهما في حرب تيغراي الأخيرة.
وأضاف “أتصور أن الدافع الرئيس للمقال لا يتعلق بالتوترات في منطقة القرن الأفريقي كما يشير العنوان، بل بمستجدات أخرى حدثت خلال الشهرين الماضيين”، مشيراً إلى أن السرديات التي صاغها مولاتو تتناقض مع التصريحات الرسمية التي ظل يكررها رئيس الوزراء آبي أحمد خلال الأعوام الثلاثة الماضية، وبخاصة أثناء حرب تيغراي، إذ وصف النظام الإريتري بأنه عامل استقرار في عموم المنطقة، وثمّن مشاركته في حرب “إنفاذ القانون” معتبراً أن دوره كان حاسماً في الحفاظ على وحدة إثيوبيا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
دوافع المقال الحقيقية
ويرجح جيتنت أن المقال أتى كنتيجة لأزمة السفن الأذرية التي أوقفتها إريتريا واستولت على الشحنة العسكرية التي قيل إنها كانت في طريقها لإثيوبيا.
وأضاف على رغم عدم اعتراف إثيوبيا بصورة رسمية بملكيتها لحمولة تلك السفن، فإن مصادر غربية عدة أكدت أن السفن الثلاث كانت تحمل معدات عسكرية مختلفة لإثيوبيا، بعد توقيع الأخيرة على صفقة تسليح مع باكو في مايو (أيار) 2024 بين نائب رئيس الوزراء الإثيوبي تمسغن طرونه ورئيس وزراء أذربيجان علي أسدوف، أثناء زيارة الأول للعاصمة الأذرية.
ويتصور المحلل الإثيوبي أن ثمة إشكاليات في محتوى المقال، وبخاصة أنه موقع باسم رئيس سابق لإثيوبيا، مما يتناقض مع مبدأ التحفظ، الذي تنص عليه القوانين الإثيوبية، إذ لا يسمح لمن تبوأ هذا الموقع بالإدلاء بهكذا تصريحات أو الانخراط في العمل السياسي، مذكراً بحال الرئيس السابق لإثيوبيا نقاسوا جيدادا الذي تعرض لعقوبات قانونية قاسية نتيجة مواقف مشابهة، وذكر أن الأعراف القانونية الإثيوبية تحذر من ترأس البلاد بعد عام 1994، من ممارسة أي نشاط سياسي بعد إنهاء مهماته الرئاسية.
ومن ناحية أخرى يرى جيتنت أن تصوير الرئيس الإريتري على أنه من خلق أزمات إثيوبيا بعيد عن الحقيقة، إذ إن تلك الأزمات قائمة منذ أكثر من أربعة عقود، وتسبق تاريخ استقلال إريتريا كدولة جديدة في إقليم القرن الأفريقي.
ويرجح المحلل الإثيوبي أن الهدف الأساس لهذا المقال وغيره من الحملات التي تشارك فيها إدارة رئيس الوزراء آبي أحمد بصورة مباشرة أو غير مباشرة، يتعلق بممارسة مزيد من الضغوط على النظام الإريتري، من خلال مخاطبة المجتمعين الدولي والإقليمي، وليس بالضرورة الدخول في حرب مباشرة معه.
ويضيف “لا أعتقد أن الوضع الداخلي في إثيوبيا يسمح بخوض حروب جديدة، سواء على المستوى اللوجستي والمالي أو على مستوى الروح القتالية للجيش الإثيوبي المنهك نتيجة حرب تيغراي الأخيرة، ومن ثم أتصور أن الهدف يتعلق بإنهاك النظام الإريتري وعزله إقليمياً ودولياً، وتصوير إثيوبيا كضحية لهذا النظام المناوئ للأنظمة العربية، وبخاصة بعد اتخاذ إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب قراراً يقضي بتعليق المساعدات الموجهة لإثيوبيا.
نقلاً عن : اندبندنت عربية