من الضروري لتولي منصب المستشار الاقتصادي لدونالد ترمب أن يتبنى شاغله قناعة الرئيس المنتخب بأن التعريفات الجمركية تجعل الولايات المتحدة أكثر ثراءً، وهي وجهة نظر لا يتبناها عديد من الاقتصاديين.
ستيفن ميران، الذي اختاره ترمب لرئاسة مجلس المستشارين الاقتصاديين، يعد من هؤلاء الذين يتفقون مع هذه الرؤية، وكتب أن الولايات المتحدة قد تستفيد من فرض تعريفات جمركية تصل في المتوسط إلى نحو 20 في المئة، وقد ترتفع إلى 50 في المئة، مقارنة بالمعدل الحالي البالغ اثنين في المئة.
يتعين على كثر الاطلاع على أفكار ميران ليس فقط لأنه سيصبح مستشار ترمب الاقتصادي، بل لأنه يرى التعريفات الجمركية أداة مهمة، إضافة إلى التدخل الدولي لإضعاف قيمة الدولار، لمعالجة توتر اقتصادي عالمي مستمر. ويرى أن دعم الولايات المتحدة الاقتصادي والعسكري دولاً أخرى أسهم في رفع قيمة الدولار بصورة مبالغ فيها وتوسيع العجز التجاري وإضعاف القاعدة الصناعية.
وقال ميران في تقرير نشره في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، لمصلحة شركة “هادسون باي كابيتال”، إذ كان يشغل منصب كبير الاستراتيجيين، “يمكن أن يكون للتعريفات الشاملة وتغيير سياسة الدولار القوي تأثيرات واسعة النطاق، وهي من بين السياسات التي قد تعيد تشكيل نظام التجارة والأنظمة المالية العالمية بصورة جذرية.”
أعد ميران هذا التقرير بعنوان “دليل لإعادة هيكلة النظام التجاري العالمي”، قبل تعيينه في أواخر ديسمبر (كانون الأول) 2024، رئيساً لمجلس المستشارين الاقتصاديين بالبيت الأبيض.
وأوضح ميران أن التقرير يعكس وجهات نظره الشخصية وليس آراء ترمب، مشيراً إلى أنه لا يهدف إلى الترويج للسياسات بل إلى “فهم نطاق السياسات المحتملة التي قد تنفذ.”
ميران، البالغ من العمر 41 سنة، حصل على درجة الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة هارفرد عام 2010، وعمل منذ ذلك الحين في الأسواق المالية وهو زميل في معهد مانهاتن المحافظ.
وعلى رغم أن أفكاره قد تبدو جديدة، بما في ذلك تأييده التعريفات الجمركية، إلا أنها تستند إلى مبادئ الاقتصاد التقليدي، وأكد المتخصص في الشأن الاقتصادي بجامعة هارفرد، ديفيد كتيلر، الذي خدم في إدارة كلينتون وكان أحد مستشاري ميران خلال دراساته العليا، أن ميران ليس من المعارضين الذين يفترضون “أن الأكاديميين دائماً مخطئون”، مشيراً إلى أنه “يتبع النظرية والأدلة العلمية.”
لكن هذا لا يعني أن مقترحاته ستنجح، إذ يعترف تقريره بأن هناك مخاطرة عالية بأن تفشل هذه السياسات، قائلاً “هناك مسار يمكن من خلاله تنفيذ هذه السياسات من دون عواقب سلبية كبيرة، لكنه ضيق.”
التعريفات أداة تفاوضية
ويتفق الاقتصاديون عموماً على أن التجارة تعزز القدرة على الإنتاج والاستهلاك، بينما تؤدي التعريفات الجمركية إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية، ومع ذلك بعدما قدم آدم سميث حججه المؤيدة للتجارة الحرة عام 1776، حدد الاقتصاديون ظروفاً قد تجعل فرض التعريفات مفيداً لبلد ما.
على سبيل المثال، إذا كان المستورد يحتكر شراء سلعة معينة ولديه تأثير في سعرها (كما يفعل المحتكر في تحديد سعر البيع)، فقد يفرض تعريفة جمركية بقيمة 10 دولارات على منتج معين، وبدلاً من أن يرتفع السعر بمقدار 10 دولارات، قد يظل السعر ثابتاً لأن المصدر خفض سعره بالقيمة نفسها لتجنب فقدان حصته السوقية.
وفي هذه الحال قد لا يتأثر المستهلكون، بل قد يعوض إيراد التعريفات الزيادة الطفيفة في الأسعار، ويطلق على النسبة التي تحقق أقصى استفادة صافية “التعريفة الأمثل”. ويشير ميران إلى أبحاث أجراها أرنو كوستينو من معهد “ماساتشوستس للتكنولوجيا” وأندريس رودريغيز-كلاري من جامعة كاليفورنيا، بيركلي، تفيد بأن تعريفة بنسبة 20 في المئة مثالية، وأن نسبة تصل إلى 50 في المئة قد تظل مفيدة للولايات المتحدة.
هذا الطرح يعد دفاعاً عن فرض تعريفات جمركية أعلى كهدف بحد ذاته، بخلاف رؤية بعض حلفاء ترمب الذين يعتبرون التعريفات أداة تفاوضية.
تعد سياسة التعريفة الأمثل سياسة “تفقر الجار” بصورة صريحة، إذ تستفيد دولة واحدة على حساب إلحاق الضرر بأخرى، ويوضح مؤرخ التجارة في كلية دارتموث، دوغ إروين، في حديث لصحيفة “وول ستريت جورنال”، أنه منذ الحرب العالمية الثانية، ومع اتجاه العالم نحو تخفيض التعريفات المتبادلة، “من الصعب العثور على أمثلة واقعية لدول تسعى إلى اتباع هذه السياسة بصورة منهجية ومتعمدة.”
وعلى رغم الجوانب النظرية، فإن تطبيق نظرية التعريفة الأمثل يواجه تحديات عملية، وإذ لم تظهر نتائج واضحة تؤيد هذه النظرية من خلال تعريفات ترمب المفروضة على الصين. وفي مقابلة، أشار أرنو كوستينو إلى أن الدراسات وجدت أن هذه التعريفات جرى تحميلها في الغالب على المستوردين الأميركيين، ومع ذلك اعترض تقرير ميران على تلك الدراسات.
التعريفات الانتقامية
إذا ردت الدول الأخرى بالمثل، كما فعلت الصين والاتحاد الأوروبي والمكسيك وكندا عام 2018، فإن التعريفة لم تعد “مثالية”، إذ يخسر الطرفان. وأقر ميران بأن “التعريفات الانتقامية من قبل دول أخرى يمكن أن تلغي الفوائد الاقتصادية للتعريفات بالنسبة إلى الولايات المتحدة.”
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولردع الانتقام، كتب ميران أن إدارة ترمب قد تعلن أن “الالتزامات الدفاعية المشتركة والمظلة الدفاعية الأميركية قد تصبح أقل إلزاماً أو موثوقية للدول التي تفرض تعريفات انتقامية”. بمعنى آخر، قد تتخلى الولايات المتحدة عن الدفاع عن اليابان أو كوريا الجنوبية أو أي عضو في “الناتو” يرد بإجراءات انتقامية.
وهناك مشكلة أخرى تكمن في أن التعريفات لا تجعل الولايات المتحدة أفضل حالاً إلا إذا ارتفعت أسعار الواردات بصورة طفيفة، لكن في هذه الحال لا يكون لدى المستهلكين حافز للتخلي عن السلع المستوردة لمصلحة المنتجات المحلية، مما يقوض هدف ترمب المتمثل في تعزيز الصناعة الأميركية.
التعريفات قد لا تقلل من العجز التجاري
هناك تحذير آخر هو أن التعريفات قد لا تقلل من العجز التجاري، لأن الدولار قد يرتفع رداً على ذلك، مما يجعل الواردات أرخص والصادرات أقل تنافسية.
وكبديل للتعريفات، قال ميران إن الولايات المتحدة يمكن أن تضعف الدولار من خلال “اتفاق مارالاغو”، الذي يحاكي “اتفاق بلازا” عام 1985 الذي عملت فيه الولايات المتحدة وحلفاؤها معاً لدفع الدولار إلى الانخفاض. وكتب ميران “بعد سلسلة من التعريفات العقابية، تصبح الدول الشريكة في التجارة مثل أوروبا والصين أكثر تقبلاً لنوع من الاتفاق النقدي مقابل تخفيض التعريفات، أو يمكن للولايات المتحدة فرض رسوم استخدام على مشتري ديون الخزانة”.
وفي حال أدى ذلك إلى بيع السندات الطويلة الأجل، فقد يضطر “الاحتياطي الفيدرالي” إلى شرائها للحد من الضغط الصعودي على أسعار الفائدة الطويلة الأجل، وفقاً لما كتبه ميران. ومن المحتمل أن يتعاون “الاحتياطي الفيدرالي” مع وزارة الخزانة في التدخلات المتعلقة بالعملة والسندات مقابل الاستقلال في السياسة النقدية، بحسب ما كتب. وطالب ترمب بزيادة تأثيره في السياسة النقدية، واقترح ميران في أماكن أخرى أن يكون للرئيس وحكام الولايات دور أكبر في إدارة “الاحتياطي الفيدرالي”.
والسؤال الكبير هو ما إذا كان التهديد بسحب مظلة الدفاع من الدول التي لا تتعاون سيكون فعالاً، فالولايات المتحدة لا تربطها تحالفات دفاعية مع المكسيك أو فيتنام أو الصين، التي تمثل نصف العجز التجاري للولايات المتحدة.
ورفض ترمب استبعاد استخدام القوة العسكرية لانتزاع غرينلاند من الدنمارك، وقال إنه سيستخدم “القوة الاقتصادية” لضم كندا، وكلاهما من أعضاء حلف “الناتو”. وقد يستنتج الحلفاء من تهديدات ترمب المتكررة ضدهم أن ضمان الدفاع الأميركي لم يعد موجوداً، وقد يستنتج كل من روسيا والصين الاستنتاج نفسه ويغتنمان الفرصة لزيادة عدوانهما ضد جيرانهما، أما ميران فهو يعترف باستخفاف “بالعواقب المحتملة المتقلبة”.
نقلاً عن : اندبندنت عربية