أثار رحيل الممثل الرائد محمد الخلفي (مواليد 1937 – الدار البيضاء) نوعاً من الأسى المضاعف، فمن جهة فقدَ الوسط الفني واحداً من أبرز رواد المسرح والدراما والسينما بالمغرب، ومن جهة أخرى أحسّ النقاد والمتابعون بأن هذا الفنان، وإن كان يحظى بتقدير كبير لدى محبيه، لم ينل حقه الوافي والكافي في مجال التمثيل الذي انتسب إليه منذ أواسط القرن الماضي.
فقد كان الفنان، الذي غادر عالمنا قبل يومين، يملك من موهبة التشخيص ما يؤهله لأدوار كبيرة في أعمال سينمائية مهمة داخل المغرب وخارجه. يعرف النقّاد كفاءة محمد الخلفي وقدرته الفريدة على تقمص الأدوار، كما أن نظرته وصوته وحركاته تتسم بالكثير من الاحترافية في الأداء.
وإن كان مسار الفنان الراحل حافلاً بالكثير من الأعمال المهمة في مختلف فنون التمثيل من أفلام ومسرحيات ومسلسلات، فإن معظم المشاهدين المغاربة يختصرون حضوره في التلفزيون، لسببين، هما عدم توثيق الأعمال المسرحية الرائدة التي شارك فيها منذ خمسينيات القرن الماضي، إضافة إلى الشهرة الواسعة لسلسلة “للا فاطمة” التي أدى فيها باقتدار كبير دور “الحاج بنزيزي”، ولعلّ حضوره في هذه السلسلة بالذات كان بمثابة الشجرة التي تخفي الغابة. فـ “للا فاطمة” هي أشهر عمل تمثيلي تلفزيوني في تاريخ المغرب، فقد حققت أعلى نسب المشاهدة خلال بثها في ثلاثة أجزاء بدءاً من عام 2001، ولم تكن هذه السلسلة الكوميدية تشاهد داخل المغرب فحسب، بل كانت لها متابعات كبيرة من مشاهدي بلدان المغرب العربي. ولعب فيها محمد الخلفي دور عميد شرطة متقاعد، ما زال يواصل مهامه الأمنية، لكن في بيت ابنه، حيث تعيش أسرة كبيرة معظم أفرادها يتسمون بصفات غريبة وطريفة تخلق باستمرار حالات من الضحك.
وكان الحاج بنزيزي، الذي جسد الخلفي شخصيته، غريب أطوار فعلاً، فهو مهووس بتتبع التفاصيل الصغيرة داخل الأسرة، في سياق من التحري الذي اعتاد عليه في عمله.
حسرة متأخرة
دخل محمد الخلفي عالم التمثيل من باب أبي الفنون، فقد شارك في منتصف الخمسينيات مع رواد المسرح المغربي الراحلين المصطفى التومي والطيب الصديقي وأحمد الطيب العلج، وتتابعت مسرحياته “في سبيل التاج”، “بين يوم وليلة”، “الوريث” وغيرها. ووقف على الخشبة رفقة أبرز روادها الذين رحلوا تباعاً، قبل أن يؤسس فرقة “المسرح الشعبي” عام 1959، وبعدها فرقة “الفنانين المتحدين” التي أدّت فيها الفنانة الراحلة ثريا جبران أدواراً بطولية، بدءاً من المسرحية الأولى التي حملت عنوان “العائلة المثقفة”. اللافت أيضاً أن محمد الخلفي كان من الفنانين المغاربة الأوائل الذين ظهروا على الشاشة الصغيرة، حيث شارك في مسلسل تلفزيوني عنوانه “الضحية” كان التلفزيون المغربي يبثه خلال سنوات الستينيات. ومع مطلع السبعينيات دخل الخلفي عالم السينما، عبر فيلمين للمخرج عبدالله المصباحي، هما “الضوء الأخضر” و”الصمت اتجاه ممنوع”، ليشارك بعدها في أعمال سينمائية أخرى مثل “الورطة”، “أوشتام”، “هنا وهناك”، “الوتر الخامس”، “الدم المغدور” وغيرها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أما حضوره على الشاشة الصغيرة فقد ترسخ مع الكثير من الأعمال التلفزيونية مثل “بوعزة الحكيم” و”المعطي” و”لابريكاد/ المخفر” و”الخواتات” والمسلسل العربي “ملوك الطوائف” وغيرها.
غير أن الخلفي، وفق المختصين في عالم التمثيل، لم ينل تلك الفرص التي كان بالإمكان أن تجعل حضوره أقوى وأعمق وأكثر ترسخاً في الحياة الفنية. وفور رحيله تتالت تصريحات في الصحافة المغربية وتدوينات في مواقع التواصل تؤكد كلها أن الخلفي عاش مظلوماً من طرف الذين يديرون دواليب الحياة الفنية في المغرب.
وفي هذا السياق كتب الناقد السينمائي بلال مرميد على صفحته: “الغريب هو أن أغلب المتحسرين على رحيل محمد الخلفي، لم يفضُوا باستيائهم من حرمانه من أدوار سينمائية كان يستحقها حين كان قادراً على العطاء، ولا من غياب مشاهد حقيقية (مُصورة) تؤرخ لمشاركاته في تجارب مسرحية منذ ستينيات القرن الماضي”. يضيف مرميد: “يزعجني حقاً رحيله بهذه الطريقة، وأن يتذكر أغلب الناس فقط دور الحاج قدور بنزيزي في سلسلة تلفزية عابرة، في زمن نحتفي فيه بالعابر، ونتناسى الأصيل”.
نقلاً عن : اندبندنت عربية