أصدر مجلس الأمن الدولي حزمة من القرارات الاقتصادية الجديدة بخصوص ليبيا، تقدمها قرار يقضي بتمديد ولاية فريق الخبراء التابع للجنة العقوبات المفروضة على البلاد منذ عام 2011، إلى عام 2026، وأبرزها وأكثرها إثارة للجدل القرار الذي سمح المجلس بموجبه للمؤسسة الليبية للاستثمار بإدارة جزء من أصولها المجمدة في الخارج، للمرة الأولى منذ سقوط نظام العقيد معمر القذافي بداية العقد الماضي.

ولأن هذا القرار الأممي يفتح الباب لإدارة المحفظة المالية الأم في ليبيا الغنية بالنفط التي تحوي أكبر الأصول الليبية المجمدة في الخارج، والتي تقدر قيمتها بنحو 68.4 مليار دولار أميركي تقريباً، بحسب آخر تقييم لها عام 2019، فقد أثار جدلاً واسعاً في شأن الطريقة التي ستدار بها هذه الأصول الضخمة والضمانات المحتملة لحمايتها من يد الفساد التي كثيراً ما عبثت بثروات البلاد في الأعوام الأخيرة.

إفراج بشروط صارمة

مجلس الأمن الدولي قال في نص قراره الذي اتخذ بعد جلسة صاخبة امتنعت في نهايتها روسيا عن التصويت عليه، إنه “قرر السماح للمؤسسة الليبية للاستثمار، بإدارة الاحتياطات النقدية المجمدة في (ودائع منخفضة المخاطر) لدى المؤسسات المالية المناسبة التي تختارها”.

“المجلس” اشترط في قراره، أن “تكون تلك الودائع لدى مؤسسة مالية تقع داخل حدود الولاية القضائية التي توجد بها حالياً الاحتياطات النقدية المجمدة، مع بقاء الودائع وفوائدها مجمدة”.

كما أكد ضرورة أن تنفذ هذه الإجراءات بالتشاور مع الحكومة الليبية المعترف بها “حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس”، وبعد إخطار اللجنة من جانب الدولة العضو أو الدول الأعضاء المعنية التي تكون الأصول محتجزة لديها، على أن توافق على هذا الاستثمار، مع خضوع كل استثمار جديد لتلك الودائع وما تراكمه من فوائد.

القرار سمح أيضاً باستثمار الاحتياطات النقدية المجمدة في أدوات الإيرادات الثابتة، مشترطاً أن “تظل تلك الأدوات وما تراكم من إيرادات مجمدة أيضاً”.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وشدد مجلس الأمن على إخطار اللجنة من جانب الدولة العضو أو الدول الأعضاء المعنية للحصول على الموافقة مع تقييم كل استثمار جديد لتلك الأدوات على أساس كل حال على حدة ومراعاة الظروف المحددة في ذلك الوقت.

وطالب القرار فريق الخبراء بتقييم آثار تلك الاستثمارات وأدائها وتقديمها في تقارير نهائية بصورة سنوية، ودعا الدول الأعضاء إلى التقليل من أخطار تحويل الأصول واختلاسها وعدم الامتثال لتدابير تجميد الأصول، مشجعاً إياها على “التعاون مع مؤسسة الاستثمار الليبية، من خلال تزويدها بالمعلومات المتعلقة بالأصول متى اقتضت الحاجة إليها”.

إشادة حكومية

وفي أول تعليق ليبي رسمي على القرار، عد رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة، قرار السماح لمؤسسة الاستثمار بإدارة أموالها المجمدة، خطوة تاريخية نحو تعزيز سيادة ليبيا المالية وحماية أصولها في الخارج.

الدبيبة رأى في تغريدة عبر حسابه على موقع “إكس” أن “القرار سيسهم في تقوية الأصول المالية الليبية في الخارج مما يدعم قوة الاقتصاد ويعزز قيمة الدينار الليبي”.

وخلص رئيس الحكومة، إلى أن “القرار يمثل مرحلة أولى ومهمة، ستساعد على وقف النزف الذي تعانيه أصول المؤسسة”.

استثمار الودائع المجمدة

من جهته، قال مستشار المؤسسة الليبية للاستثمار لؤي القريو، إن “قرار مجلس الأمن الدولي يسمح للمؤسسة الليبية للاستثمار بإعادة استثمار أصولها المالية في الخارج مع بقائها مجمدة، استجابة لطلب المؤسسة لاستثمار الأرصدة النقدية غير المستثمرة، للمحافظة على قيمتها وتجنب الخسائر”.

وأوضح القريو في تصريحات صحافية، أن “القرار يعطي الحق للمؤسسة الليبية باستثمار النقد غير المستثمر في ودائع لدى بنوك تختارها المؤسسة أو في سندات مع شرط بقائها مجمدة، حيث قدمت خطة استثمار تحوي خمسة طلبات، تمت الموافقة على طلبين من مجلس الأمن كمرحلة أولى، وعلى أن تعيد تقديم الطلبات الأخرى هذه السنة لمناقشتها مجدداً”.

وتابع، “جميع طلبات الاستثمار التي قدمتها المؤسسة الليبية للاستثمار، لم يطلب أي منها الإفراج عن الأموال المجمدة، بل قدمت خطة إعادة استثمارها مع بقائها مجمدة للحفاظ على قيمتها”.

القريو كشف عن قيمة الأصول التي سمح للمؤسسة الليبية للاستثمار بإدارتها، وفق هذه الشروط، بقوله “قيمة الأصول المستهدف استثمارها بناء على هذا القرار 10 مليارات دولار تقريباً، وسيتم استثمارهم في ودائع لدى البنوك الأجنبية، وسندات حكومية، كما أن السياسة الاستثمارية للمؤسسة الليبية للاستثمار تتطلب التعامل مع البنوك ذات التصنيف الائتماني (BBB)”.

انقسام في شأن القرار

وتباينت آراء المحللين السياسيين والاقتصاديين في ليبيا حول قرار مجلس الأمن الذي سمح بموجبه لمؤسسة الاستثمار بإدارة جزء من أصولها المجمدة، إذ رأى بعضهم أن القرار سيعزز الفساد المالي في البلاد ويهدد أكبر احتياط مالي مجمد، وبين من رأى فيه حلاً سليماً يسمح بتعزيز قيمة هذه الأصول بدلاً من تجميدها الطويل بلا فائدة اقتصادية تذكر، ورأي أخير عد القيود التي وردت في نص القرار ضمانة كافية تبدد القلق من إهدارها ونهبها.

عضو مجلس الدولة سعد بن شرادة، كان من بين الذين عدوا القرار “كارثة اقتصادية” على ليبيا، وبرر تشاؤمه من القرار بقوله إن “رفع التجميد تحت مبرر إدارة الأصول في ظل انقسام السلطات الليبية يشكل تهديداً كبيراً للأموال الليبية المجمدة، ويفتح الباب أمام (المافيات الدولية (لنهب أموال المؤسسة من طريق صفقات مع عملائها”.

وقف نزف الخسائر

في المقابل، عد مدير صناديق الاستثمارات الليبية منذر الشحومي، أن القرار الأخير لمجلس الأمن سيؤدي إلى تقليل قيمة الخسائر جراء تجميد أصول المؤسسة الليبية للاستثمار، المقدرة بـ140 مليار دولار، منذ بدء التجميد الدولي.

وأضاف، أن “تطبيق العقوبات لم يكن واضحاً، إضافة إلى عدم إلزام شركات إدارة الأموال الدولية باحترام العقود الاستثمارية المبرمة مع المؤسسة، وهذه الشركات استغلت العقوبات كذريعة للتنصل من التزاماتها، مما أسهم في تفاقم الأزمة”.

وذكر أن “بعض الدول الغربية حاولت وضع يدها على هذه الأصول، كما تعرضت قيمة بعض السندات السيادية للشطب، بسبب إعادة جدولة الديون، وعدم قدرة ليبيا على تحصيل قيمتها المستحقة”.

وقال، إن “مجلس الأمن تجاهل الهدف الأساس للعقوبات، وهو حماية الأصول لا تدميرها، ولم يقم بدوره في مراقبة المؤسسات الدولية لضمان احترامها التزاماتها التعاقدية، ولا بد من إعادة تقييم هذه السياسات بصورة فورية، والعمل على تصحيحها”.

تحريك الأصول الراكدة

رئيس المؤسسة الليبية للاستثمار السابق محسن الدريجة، رأى من جانبه أن القرار يمثل خطوة إيجابية للاقتصاد الليبي، قائلاً إن “الأموال المجمدة، التي تمتلكها المؤسسة الليبية للاستثمار، بقيت راكدة في حسابات من دون أي استثمار فعال على مدار الأعوام الماضية، وهي التي تمثل شرياناً اقتصادياً مهماً للبلاد، مما أدى إلى خسارة فرص تحقيق عوائد تسهم في تخفيف الأزمة الاقتصادية التي تعانيها ليبيا”.

وقلل الدريجة من الأخطار التي تخوف منها البعض عقب صدور القرار من تعرض هذه الأصول للنهب والفساد واصفاً قرار مجلس الأمن بأنه “يسمح باستثمار الأموال في ودائع لأجل منخفضة الأخطار، مما يفتح نافذة صغيرة لتحقيق عوائد مالية، لكن الأموال ستظل مجمدة من دون إمكانية السحب أو التصرف الكامل فيها”.

نقلاً عن : اندبندنت عربية