يعمل الذكاء الاصطناعي على تحويل قطاعات مختلفة بسرعة مذهلة وتعزيز الكفاءة والدقة والسلامة بطرق لم تكن متخيلة من قبل، وأثبتت الأعوام الماضية أنه يساعد المهنيين كالأطباء وضباط الشرطة وغيرهم في لعب دور حاسم في جعل العالم مكاناً أكثر أماناً.

وبينما يتحدث كثر عن فقدان الوظائف واستيلاء الروبوتات المدعومة بالذكاء الاصطناعي على السلطة مستقبلاً، لا يمكن الإنكار في الوقت الراهن أن الاكتشافات والاختراعات الجديدة في مجال الذكاء الاصطناعي تجعل العالم مكاناً أفضل للبشر.

المجال الطبي

مع الكم الهائل من البيانات الطبية المتاحة اليوم، قد يكون من الصعب على المتخصصين في الرعاية الصحية مواكبة التطورات وتقديم الرعاية الأكثر دقة لكل مريض على حدة، وقدرت دراسة أجرتها جامعة “جونز هوبكنز” الأميركية عام 2016 أن أكثر من 250 ألف حالة وفاة سنوياً في الولايات المتحدة ترجع إلى خطأ طبي، وهي نتيجة مأسوية يعتقد الباحثون أنها تنبع من أسباب عدة ويمكن معالجتها من خلال تقليل التباين في الرعاية وتصحيح الأخطاء التشخيصية.

وهنا يأتي دور تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، وتحديداً نماذج اللغة الكبيرة المدربة على منهج كامل من تقنيات الرعاية الطبية والتدريب التشخيصي. وفي دراسة نشرت عام 2024 سجل روبوت الدردشة “تشات جي بي تي” في امتحان الترخيص الطبي الأميركي الذي يقيم قدرة الطبيب الجديد على إدارة رعاية المرضى عبر مجموعة واسعة من التخصصات الطبية، ويتضمن أسئلة متعددة الخيارات ومحاكاة حالات تعتمد على الكمبيوتر، نسبة نجاح مذهلة بلغت 98 في المئة عبر الإجابة الصحيحة عن 49 من 50 سؤالاً.

المعرضون لخطر الإصابة بنوبة قلبية

يعمل رواد الأعمال لساعات أطول بنسبة 63 في المئة من الموظفين العاديين، وهو ما يرتبط بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب، وإذا ما اقترن ذلك بنقص النوم والأكل السيئ وإهمال التمارين الرياضية فإن خطر الإصابة بنوبة قلبية يرتفع حينها إلى معدلات مقلقة.

بيد أن الذكاء الاصطناعي بات قادراً على معالجة هذه المشكلة، إذ يحرز النموذج الجديد الذي طورته شركة “كاريستو دياغنوستيكس” التابعة لجامعة “أكسفورد” البريطانية، خطوات كبيرة في الكشف عن أخطار الإصابة بنوبة قلبية. تحلل تقنية الذكاء الاصطناعي هذه عمليات المسح المقطعي المحوسب لتحديد التهاب الشريان التاجي، وهي حالة لا تظهر عادة في عمليات المسح القياسية، ويتم حالياً اختبار نموذج الذكاء الاصطناعي عبر عديد من مستشفيات هيئة الخدمات الصحية الوطنية في المملكة المتحدة.

وهناك أيضاً شركة “كليرلي” البريطانية، التي تستخدم الذكاء الاصطناعي والتصوير المقطعي المحوسب لتحليل تراكم اللويحات في الشرايين التاجية، وإعطاء تقييمات حول أخطار الإصابة بأمراض القلب وتوصيات العلاج، إلى جانب شركة “بلومر تيك” التي ابتكرت جهاز مراقبة قلب متنكر في شكل حمالة صدر، الذي يجمع بيانات صحية حيوية للكشف عن العلامات المبكرة لأمراض القلب لدى النساء.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

المغامرة في المناطق الخطرة

يتعرض البشر باستمرار لحوادث مميتة عند مرورهم بالطرق الوعرة أو عند قيامهم بمهمات خطرة، وللحد من ذلك طورت شركة “أكسفورد ديناميكس” روبوتاً يسمى “سترايدر”، مصمماً للمغامرة في المناطق الخطرة على البشر، بما في ذلك البيئات ذات الأخطار الكيمياوية أو البيولوجية أو النووية. ويمكن لهذا الروبوت الذي يعمل بالذكاء الاصطناعي العمل في التضاريس الصعبة، وهو قادر على استعادة الأشياء الملوثة وأداء المهمات التي قد تشكل خطورة على البشر.

ومن خلال عقد مع وزارة الدفاع البريطانية، من المقرر أن يلعب “سترايدر” دوراً حاسماً في إدارة حوادث المرور، إذ تكون سلامة الإنسان معرضة لخطر كبير. كما تهدف الشركة المصنعة إلى دمج برامج الذكاء الاصطناعي المتقدمة في “سترايدر”، مما يعزز قدراته وتوسيع نطاق استخدامه إلى مساحات أخرى مثل الغواصات أو الطائرات المقاتلة.

عمليات تفتيش سلامة الغذاء

تؤثر الأمراض المنقولة بالغذاء في ملايين الأشخاص في جميع أنحاء العالم كل عام، وبالنسبة إلى منتجي الأغذية ومعالجيها وتجار التجزئة، لا يعد ضمان سلامة الغذاء التزاماً قانونياً وأخلاقياً فحسب، بل إنه أيضاً أمر بالغ الأهمية للحفاظ على ثقة المستهلك وسمعة العمل.

واليوم تفحص عمليات التفتيش المرئية المدعومة بالذكاء الاصطناعي بسرعة المواد الغذائية على خطوط الإنتاج، وتكتشف العيوب بسرعة ودقة عالية، فيما تتنبأ تحليلات الذكاء الاصطناعي بأخطار سلامة الغذاء من خلال تحليل البيانات المتنوعة، مما يتيح اتخاذ تدابير وقائية.

ويحدد الكشف عن مسببات الأمراض المدعوم بالذكاء الاصطناعي الكائنات الحية الدقيقة الضارة في الغذاء، وهذا ما يسرع من الاختبارات العلمية. وأخيراً تراقب أجهزة الاستشعار الذكية المدعومة بالذكاء الاصطناعي سلسلة توريد الغذاء، وتحافظ على التخزين المناسب وتنبيه موظفي المطبخ إلى الانحرافات.

إلى ذلك يعمل الذكاء الاصطناعي حالياً على إحداث ثورة في عمليات فحص سلامة الغذاء، مما يجعلها أسرع وأكثر دقة وأكثر شمولاً من أي وقت مضى. وتقوم شركات مثل “أي بي أم فود تراست” الأميركية و”كيوباي كوربورايشن” اليابانية بالفعل بتطبيق أنظمة سلامة الغذاء المدعومة بالذكاء الاصطناعي، ويفحصان حالياً ما يصل إلى 300 ألف بيضة في الساعة بحثاً عن الشقوق وغيرها من العيوب فيقللان بذلك بصورة كبيرة من خطر التلوث.

رصد الأشخاص الذين لا يرتدون أحزمة الأمان

اخترعت أحزمة الأمان في 1955، ولكن الأمر استغرق حتى عام 1968 لتصبح ميزة إلزامية في السيارات في بعض الدول كالمملكة المتحدة والولايات المتحدة. وحتى في ذلك الوقت، لم يكن استخدامها ينص عليه القانون، ولكنها أسفرت عن انخفاض عدد الحوادث المميتة بصورة كبيرة.

لحسن الحظ بات الذكاء الاصطناعي قادراً على رصد الأشخاص الذين لا يرتدون أحزمة الأمان. وفي جنوب غربي إنجلترا وحدها، اكتشفت كاميرات الذكاء الاصطناعي أكثر من 2000 مخالفة تتعلق بحزام الأمان، بما في ذلك 109 مخالفات تتعلق بالأطفال، على ثلاثة طرق رئيسة بين يوليو (تموز) وأغسطس (آب) 2024.

وتجدر الإشارة إلى أن كاميرات الذكاء الاصطناعي تستخدم التصوير عالي التقنية لالتقاط أدلة واضحة على مخالفات حزام الأمان، التي تتم مراجعتها بعد ذلك من البشر لتأكيد المخالفة.

نقلاً عن : اندبندنت عربية