في كلمة ألقاها وزير الدفاع البريطاني جون هيلي الشهر الماضي أمام “معهد الحكومة” Institute for Government [مؤسسة بحثية بريطانية مستقلة تهدف إلى تحسين فعالية الحكومة من خلال الأبحاث والتحاليل]، بدا واثقاً من نفسه ومطمئناً. واتضح الآن أن السبب في ذلك هو أنه كان واثقاً بفوزه في معركة زيادة الإنفاق الدفاعي. فقد أكد رئيس الوزراء كير ستارمر بعدها بأسبوع أن هذا الإنفاق لن يصل إلى 2.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي قبل الموعد المخطط له فحسب، أي العام المالي 2026-2027، بل سيرتفع بعد ذلك إلى ثلاثة في المئة من الناتج بحلول عام 2033. وعلى مدى الأعوام القليلة المقبلة، سيشهد الإنفاق الدفاعي زيادة سنوية لا تقل عن 3 مليارات جنيه استرليني (3.78 مليار دولار أميركي)، مما سيرفع الموازنة الأساس من 54 مليار جنيه استرليني (نحو 68 مليار دولار) إلى نحو 66 مليار جنيه استرليني (نحو 83 مليار دولار) في أقل من عقد من الزمن.

الأمر المؤكد أنه في داخل أروقة المبنى الرئيس لوزارة الدفاع البريطانية أو في أي مقر من مراكز الخدمة العسكرية، ينظر إلى التزام الحكومة تخصيص مبلغ سنوي يزيد على 3 مليارات جنيه استرليني للدفاع، على أنه “خبر سار” ومرحب به، باعتبار أنه يمثل وضعاً أفضل بكثير من الاضطرار – كما في الفترات السابقة – إلى التعامل مع موازنات منهكة ومستنفدة، والبحث المستمر عن التمويل.

لكن في المقابل، من الضروري التفكير بعناية في كيفية تخصيص هذه الأموال الإضافية، وتحديد المجالات التي ستستثمر فيها، وتأثير ذلك في هيكلية القوات المسلحة وقدراتها، وعلى استراتيجية الدفاع الوطنية بصورة عامة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الملاحظ أنه مباشرة بعد الإعلان عن زيادة موازنة الدفاع، قفز كثر ولا سيما من خلال المناقشات عبر المنصات الإلكترونية، إلى استنتاجات وتكهنات حول كيفية تخصيص هذه الأموال، بحيث توقع بعض تمويل برامجهم المفضلة بالكامل، حبذا لو كانت المسألة بهذه البساطة.

فعملية شراء المعدات الدفاعية ليست بتلك السهولة، إذ لا يوجد في الحقيقة مستودع يمكن فيه تحميل السفن أو الطائرات المقاتلة أو الدبابات ومن ثم دفع ثمنها والمغادرة، كما لو أنها بضائع جاهزة.

على سبيل المثال، إذا قررت الحكومة توقيع عقد لشراء مقاتلات “تايفون” Typhoon إضافية غداً (لحسن الحظ أن هناك سلسلة توريد “ناشطة” بفضل الطلبات الإضافية المقدمة من ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا خلال الأشهر الـ18 الماضية)، فلن يتم التسليم قبل نحو 28 شهراً، وهو الوقت اللازم لتوريد جميع المكونات الضرورية من أجزاء وقطع قبل تجميع هذه المقاتلات. ومع بعض التمويل الإضافي، قد يمكن تقليص المدة إلى عامين تقريباً. أما بالنسبة إلى الفرقاطات، فإن تطبيق وتيرة “اقتصاد الحرب” [معدلات إنتاج متسارعة وتعبئة الموارد أثناء الحرب لتلبية المطالب العسكرية] يستلزم فترة تتفاوت ما بين 36 و40 شهراً من تاريخ تقديم الطلب حتى موعد التسليم. في المقابل، يمكن تسليم الدبابات والمركبات المدرعة المعقدة الأخرى في غضون عامين.

النقطة واضحة هنا، وتتمثل في أنه على رغم تخصيص الحكومة البريطانية أموالاً إضافية للدفاع، فإن أولئك الذين يتوقعون تحقيق تغييرات جذرية في غضون عام واحد من الآن واهمون، ومن المرجح أن يشعروا بخيبة أمل. لذلك، فإن سد الفجوات الراهنة عبر مختلف الخدمات العسكرية ومعالجة أوجه القصور القائمة سيستغرق أعواماً عدة، حتى مع بذل أقصى الجهود الممكنة في هذا الإطار.

و المقابل، هناك مخاوف من احتمال توجيه الأموال الإضافية لسد مجموعة من “الثغرات السوداء” في مختلف موازنات وزارة الدفاع البريطانية. فقد كشف “المكتب الوطني لمراجعة الحسابات” National Audit Office (NAO) عن وجود فجوة لا تقل عن 14 مليار جنيه استرليني (17.64 مليار دولار) بين التوقعات والموازنة المتاحة فعلاً للمعدات، مع اعتقاد بعض المطلعين في المكتب بأن الفجوة أكبر بكثير، إضافة إلى ذلك تعاني بنية وزارة الدفاع التحتية من تدهور ملحوظ في كثير من المجالات، وهناك حاجة إلى مليارات الجنيهات لمعالجة هذه المشكلات.

ولإعطاء مثل ملموس على “صمت” وزارة الدفاع البريطانية، يمكن سؤالها عن الثقب الأسود [لجهة العجز المالي] في القطاع النووي… لكن لتكرار النقطة الأوسع نطاقاً: ستكون وزارة الدفاع في وضع أفضل لترتيب الأمور ومعالجة هذه التحديات بفضل التمويل الإضافي، مقارنة بوضعها من دونه.

إذاً هل يبقى وضع وزارة الدفاع البريطانية – حتى مع التمويل الإضافي – قاتماً؟ هناك بالتأكيد مجالات يمكن معالجتها على وجه السرعة، ما يمكن أن يؤدي إلى حلول أسرع. على سبيل المثال، إن مخزونات الذخيرة والصواريخ كلها في المملكة المتحدة غير كافية على الإطلاق لخوض حرب كبرى والوفاء بمتطلباتها. والتقارير تشير إلى أن مخازن الذخيرة تكفي لخوض حرب تستمر لمدة أسبوع أو أسبوعين في أفضل الأحوال. لكن يفترص أن يكون التواصل مع كبار المقاولين في مجال الذخيرة والصواريخ في المملكة المتحدة – مثل “أم بي دي أي” MBDA و”بي أي إي سيستمز” BAE Systems و”ثيلز” Thales – أمراً سهلاً نسبياً لتسريع عمليات الشراء وتعزيز قدرات المملكة المتحدة الدفاعية، والاستفادة من انخفاض الكلف من خلال اتفاقات إنتاج طويلة الأجل. ومن المثير للدهشة في الواقع أن مثل هذه التدابير لم تنفذ خلال العامين أو الثلاثة أعوام الماضية.

من الضروري تخصيص مزيد من الأموال لإجراء تمارين عسكرية إضافية وتعزيز برامج التدريب، وتسريع تأهيل الطيارين الجدد للانضمام إلى الأسراب المقاتلة في أقل من المدة الراهنة التي تتفاوت ما بين أربعة وخمسة أعوام. وعلى رغم أن هذه المجالات قد لا تكون مثيرة مثل حصول المملكة المتحدة على غواصة جديدة، فإنها أساس وحاسمة. فكثير من الثغرات في القدرات الدفاعية للبلاد لا تتعلق فقط بالمعدات العسكرية، بل تشمل أيضاً العناصر الداعمة مثل التدريب والبنية التحتية وقطع الغيار.

أحد أبرز التساؤلات المتعلقة بزيادة الإنفاق الدفاعي هو ما إذا كان سيسمح لوزير الدفاع جون هيلي بزيادة أعداد الأفراد في أي من القوات المسلحة. ومعلوم أنه على مدى الأعوام الـ25 الأخيرة شهدت هذه القوات تقلصاً في عددها. ومن الواضح جيداً أن حجماً محدوداً يشكل قيوداً على قدرات الدفاع عن المملكة المتحدة. فهل من الممكن أن يجري دراسة في زيادة طفيفة في الأعداد؟ وزارة الخزانة تعارض ذلك بشدة، بسبب الكلف التي ستترتب عنها على مستوى المعاشات التقاعدية والاجتماعية طويلة الأجل. ومع ذلك، يجب أن يكون من السهل تقديم حجج تدعم زيادة الأفراد.

بعد أن نجح وزير الدفاع هيلي في كسب المعركة الشاملة في ما يتصل بالإنفاق الدفاعي، هل أصبح لديه الآن الزخم السياسي اللازم لمعالجة التحدي التالي، المتمثل هذه المرة في زيادة حجم الخدمات العسكرية؟ يمكن أن تكون هذه قضية جديرة بالمتابعة.

من حيث التقدير العام، فإن متوسط ​​كلفة كل عنصر من أفراد الخدمة العسكرية في بريطانيا يبلغ نحو 70 ألف جنيه استرليني (88 ألف دولار، تغطي الجوانب الأساس كالراتب والتأمين الوطني ومساهمات المعاش التقاعدي وبعض النفقات التشغيلية اليومية). من ثم، فإن إضافة 10 آلاف جندي إلى الجيش البريطاني ستكلف الخزانة زيادة سنوية بنحو 750 مليون جنيه استرليني (945 مليون دولار)، مع كلف إضافية محتملة للثكنات والإسكان والمرافق الأخرى.

في الواقع، قد يكون الحصول على زيادة في موازنة الدفاع الجزء الأسهل بالنسبة إلى الوزير جون هيلي، لكن التحدي الأكبر سيكون في كيفية إدارة هذه الأموال الإضافية وإنفاقها بصورة فعالة.

نقلاً عن : اندبندنت عربية