سارع زعماء أوروبيون إلى إظهار دعمهم للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وتوجهوا إلى العاصمة البريطانية لإجراء محادثات عاجلة في لحظة “صدمة” سياسية، فالتحدي الآني الذي يواجههم هو كيفية حماية أوكرانيا، لكن الخطر الأكبر الذي يتهدد القارة نفسها على المدى الطويل، هو كلب ترمب المسعور.
فنائب الرئيس الأميركي جي دي فانس بدأ بالفعل التمهيد لحملة ترشحه لانتخابات الرئاسة في عام 2028، وإذا ما حقق الفوز فيها فقد يمكث في السلطة لفترتين رئاسيتين. وهذا يعني أن أوروبا يجب أن تكون مستعدة ليس فقط لمواجهة هذا التهديد، بل أيضاً للعمل على التصدي لـ12 عاماً مقبلة من الاستبداد المعادي للديمقراطية، ونهج المافيا والابتزاز والخيانة الصريحة من بيت أبيض بات يهيمن عليه متطرفون يفتقرون للحد الأدنى من المعرفة.
نادراً ما جرى استخدام دور نائب الرئيس الأميركي بطريقة كان لها مثل هذا التأثير السلبي المدمر، لكن فانس برز على أنه صوت مؤثر، وأن لديه اليد الطولى في المكتب البيضاوي. وفي حين أن تركيزه ينصب على الشؤون الدولية، إلا أن جمهوره المستهدف هو الداخل الأميركي. كما أنه يحظى بدعم أغنى رجل في العالم، إلى جانب مليارديرات التكنولوجيا الآخرين.
عندما انتقد جي دي فانس أوروبا على ما اعتبره فشلاً في حماية حرية التعبير، ووصف مسؤولي الاتحاد الأوروبي بأنهم “منفذون” (يشير المصطلح تاريخياً إلى الضباط السياسيين في الاتحاد السوفياتي الذين كانت مهمتهم فرض التوافق الأيديولوجي والولاء للحزب الشيوعي)، وهاجم المملكة المتحدة، إنما كان يسعى إلى مخاطبة جمهور وسائل التواصل الاجتماعي. واتبع النهج نفسه في محاولة إقحام نفسه في المناقشات التي دارت بين رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر ودونالد ترمب، عندما كرر مرة أخرى ادعاءه الغريب بأن المملكة المتحدة تنتهك حقوق حرية التعبير لكل من البريطانيين والأميركيين.
فقد قال فانس – وهو جالس في المكان نفسه على الأريكة التي وجه منها نقداً لاذعاً إلى الرئيس الأوكراني زيلينسكي في اليوم التالي: “تربطنا علاقة خاصة بأصدقائنا في المملكة المتحدة وببعض حلفائنا الأوروبيين، لكننا ندرك أيضاً أنه كانت هناك انتهاكات لحرية التعبير، تؤثر في الواقع ليس فقط في البريطانيين – على رغم أن ما يقومون به في المملكة المتحدة هو شأنهم بالطبع – لكن أيضاً في شركات التكنولوجيا الأميركية، وبالتالي في المواطنين الأميركيين”.
ما قاله نائب الرئيس الأميركي لا أساس له من الصحة، تماماً كاتهاماته لحكومة زيلينسكي بخطف الأوكرانيين والضغط عليهم لتجنيدهم في القوات المسلحة، وبأن الرئيس الأوكراني كان جاحداً ولم يكن ممتناً للدعم الأميركي لبلاده.
من الواضح أن تبادل الكلمات القاسية كان معداً ليجري تقطيعه وإعادة نشره على وسائل التواصل الاجتماعي، التي كما اعترف جي دي فانس نفسه بأنها كانت المصدر الرئيس لكثير من معلوماته حول أوكرانيا، ومن المحتمل أن تكون هذه المعلومات مستمدة من حملات التضليل الروسية.
من الممكن، وربما حتى من المحتمل، أنه بعد مشادة زيلينسكي وترمب وفانس في المكتب البيضاوي هذا الأسبوع، ستقوم الولايات المتحدة بتقليص المساعدات العسكرية والمدنية لأوكرانيا. حتى الآن، أنفقت الولايات المتحدة نحو 120 مليار دولار على أوكرانيا، وليس 350 مليار دولار كما يدعي فانس وترمب.
تجدر الإشارة إلى أن ما يقرب من نصف المبلغ يذهب للمساعدات المدنية، وهو في الأساس مجرد أموال نقدية. ويتعين على الزعماء الأوروبيين المجتمعين في لندن أن يتوصلوا سريعاً إلى اتفاق لسد أية فجوات في تمويل المساعدات المدنية التي قد تنشأ في المستقبل. على سبيل المثال، تعهدت الولايات المتحدة بتقديم 875 مليون دولار لدعم قطاع الطاقة في أوكرانيا، وهو الهدف الرئيس لهجمات الطائرات المسيرة والصواريخ الروسية المتواصلة.
وتبقى الأسلحة القضية الأكثر تعقيداً، فهي مكلفة وتستغرق وقتاً طويلاً لإنتاجها. وإذا ما توقفت الولايات المتحدة عن تزويد أوكرانيا بها، فسيكون على أوروبا التدخل، سواء من خلال تصنيع الأسلحة أو شرائها وإرسالها إلى أوكرانيا. جزء من هذا الإنفاق سيذهب حتماً إلى الولايات المتحدة، لكن معظمه لن يكون كذلك.
إذا ما قرر ترمب خفض المساعدات العسكرية لأوكرانيا، فقد يؤدي ذلك إلى تقليص الوظائف في قطاع الصناعات الدفاعية الأميركية، فليكن كذلك.
يفترض بالقادة الأوروبيين أنهم أدركوا خلال اجتماعهم في لندن يوم الأحد، أن عليهم توفير القوة اللازمة لأوكرانيا (وبقية القارة)، التي يمكن من خلالها ضمان السلام مع روسيا. بمعنى آخر، عليهم أن يمولوا قوة ردع قوية خاصة بهم على المدى الطويل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفقاً لدراسة نشرتها مؤسسة “بروغل” Bruegel البحثية في بروكسل، فإن أوروبا ستحتاج لـ250 مليار يورو (260 مليار دولار أميركي) إضافية سنوياً، ولـ300 ألف جندي آخر للدفاع عن دولها ضد روسيا على المدى القصير.
في المقابل، يتعين زيادة الإنفاق على دفاعات أوكرانيا إلى نحو 0.4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بـ0.2 في المئة التي تخصصها دول أوروبية عدة لهذا الغرض، وذلك بسبب ما يعتبر دفاعاً عن الديمقراطية في عصرنا ضد قوات الكرملين الغازية.
وللتحوط من احتمال سيطرة فانس، المناهض لحلف الـ”ناتو” وأوروبا، والداعم الصريح لليمين المتطرف، على البيت الأبيض حتى عام 2036، سيتعين على دول أوروبا والمملكة المتحدة أن تنفق أكثر بكثير من نسبة 2.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي التي أعلن ستارمر أنه ينوي تخصيصها للدفاع عن المملكة المتحدة.
ووفقاً لتقديرات مؤسسة “بروغل”، سيتوجب على الدول الأوروبية أن تزيد إنفاقها الدفاعي إلى نحو 3.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لكل دولة، إذا ما نأت الولايات المتحدة بنفسها عن “حلف شمال الأطلسي”، ناهيك بالانسحاب الكامل منه.
يشار إلى أنه خلال فترة الحرب الباردة، كانت المملكة المتحدة تنفق دائماً أكثر من أربعة في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع. ومع ذلك، فإن أية زيادة في موازنة الإنفاق الدفاعي لا بد من أن يجري تمويلها من خلال زيادة الضرائب، وتقليص الإنفاق في مجالات أخرى، واللجوء إلى الاقتراض.
سيكون من الصعب بلا شك إقناع المسؤولين من رجال ونساء، المشاركين في اجتماع لندن، بترويج هذه الفكرة بين ناخبيهم. لكن كلما علا صوت فانس في حملته الانتخابية الطويلة، أصبح هذا الموضوع أكثر إلحاحاً وأسهل طرحاً.
نقلاً عن : اندبندنت عربية