مع بدء البرلمان المصري مناقشة قانون “الإجراءات الجنائية الجديد” الذي أثار جدلاً واسعاً في البلاد خلال طرحه الأوليّ، فقد فتحت موافقة مجلس النواب أمس الأحد على 41 مادة من مشروع القانون حالاً من السجال بين القلق والترقب في الشارع، ولا سيما بعد أن أقر المواد التي تسمح بـ “مراقبة وسائل التواصل والهواتف المحمولة والبريد الإلكتروني” من دون أن يُدخل تعديلات عليها بعد أن رفضت الغالبية جميع التعديلات المقدمة من الأعضاء في شأنها.
ونصت المواد المقرّة من قبل البرلمان المصري في هذا الشأن على منح النيابة العامة، بعد الحصول على إذن مسبب من القاضي الجزئي، سلطة إصدار أوامر بضبط أو مراقبة أو الاطلاع على وسائل الاتصال المختلفة، ومنها الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي أو البريد الإلكتروني أو الهواتف المحمولة، شرط أن تكون مدة الإذن 30 يوماً كحد أقصى مع إمكان التجديد لمدة أو مدد مماثلة.
ومنذ سبتمبر (أيلول) الماضي يدور نقاش وجدل واسعين بين مؤيد ومعارض لقانون الإجراءات الجنائية الجديد في البلاد قبل محطة التصديق عليه من قبل البرلمان المصري، إذ يخشى المعارضون مما يقولون إن له تأثيرات “سلبية محتملة وواسعة” في المواطنين والمتقاضين وأطراف العدالة كافة، بما فيها سلطات إنفاذ القانون، وهو الأمر الذي وصفته نقابة المحامين المصرية بأن إقراره “يضر نزاهة سير العدالة”، وفي المقابل يتمسك المؤيدون بأنه “يستهدف تحقيق المصلحة العليا للدولة في مجال حقوق الإنسان على الصعيدين الداخلي والدولي، ويحقق الاستقرار المنشود للقواعد الإجرائية بعد تقديمه مزيداً من ضمانات الحقوق والحريات للمواطن المصري بما يليق بالجمهورية الجديدة”.
مواد مراقبة “وسائل التواصل”
ووفق نص المواد التي أقرها المشرعون في البرلمان المصري أمس ضمن مشروع قانون “الإجراءات الجنائية الجديد”، واطلعت “اندبندنت عربية” عليها، فقد أجازت المادة (97) لعضو النيابة العامة “بعد الحصول على إذن من القاضي الجزئي أن يصدر أمراً بضبط جميع الخطابات والرسائل والبرقيات والجرائد والمطبوعات والطرود”، مما فتح الجدل حول ما إذا كان ذلك يمثل انتهاكاً للخصوصية.
وأجازت المادة لعضو النيابة العامة أن “يأمر بمراقبة الاتصالات السلكية واللاسلكية وحسابات مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي ومحتوياتها المختلفة غير المتاحة للكافة، والبريد الإلكتروني والرسائل النصية أو المسموعة أو المصورة على الهواتف أو الأجهزة أو أية وسيلة تقنية أخرى، وضبط الوسائط الحاوية لها وتسجيلات الأحاديث التي جرت في مكان خاص، متى كان لذلك فائدة في ظهور الحقيقة في جناية أو جنحة معاقب عليها بالحبس مدة تزيد على ثلاثة شهور”، وأيضاً نصت المادة على أن “يكون الأمر بالضبط أو الاطلاع أو المراقبة أو التسجيل لمدة لا تزيد على 30 يوماً، ويصدر القاضي الإذن بالضبط مُسبباً بعد اطلاعه على الأوراق والتحقيقات، ويجوز له أن يجدد الإذن لمدة أو لمدد أخرى مماثلة غير محددة”.
ورفض المجلس اقتراح النائب فريدي البياضي بأن “يكون تجديد الأذن لمدتين فقط” حتى لا يتعارض النص مع الدستور الذي “كفل حرمة الحياة الخاصة ومنع المراقبة والاطلاع على المراسلات والاتصالات إلا بأمر قضائي مسبب ولمدة محددة”.
وجاءت المادة (80) مكملة لها، إذ قضت بأنه “يجوز للقاضي الجزئي بناء على طلب النيابة العامة، وفي حال قيام دلائل قوية على أن مرتكب إحدى الجرائم المنصوص عليها في قانوني العقوبات وتنظيم الاتصالات، أن يصدر أمراً مُسبباً بوضع هاتف معين ثابت أو محمول أو أي موقع إلكتروني أو أية وسيلة تقنية أخرى تحت المراقبة لمدة لا تزيد على 30 يوماً قابلة للتجديد لمدة أو مدد أخرى مماثلة”، وكذلك أجاز مجلس النواب لعضو النيابة العامة أن “يطلع على الخطابات والرسائل والأوراق والتسجيلات المضبوطة في حضور المتهم والحائز لها أو المرسلة إليه، وأن يأمر بضم المضبوطات إلى ملف الدعوى أو بردها لمن كان حائزاً لها أو من كانت مرسلة إليه”، ولكل شخص يدعي حقاً في الأشياء المضبوطة أن يطلب إلى عضو النيابة العامة تسليمها إليه، وله في حال الرفض أن يتظلم أمام محكمة الجنح المستأنفة وأن يطلب سماع أقواله أمامها.
وأثار القانون مخاوف كبيرة وحالاً من القلق لدى المصريين، مما دفع رئيس البرلمان المستشار حنفي جبالي إلى توضيح فلسفة المواد خلال جلسة البرلمان اليوم الإثنين، إذ قال إن “مراقبة الاتصالات لا تجري على نطاق واسع ولا تحدث إلا بناء على أمر قضائي يصدر من قاض ووفق ضوابط قانونية مشددة، وفي حالات التحقيق في جرائم الجنايات أو الجنح التي يعاقب عليها القانون بعقوبة تزيد مدتها على الحبس ثلاثة شهور”، مضيفاً أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال إخضاع أي شخص للمراقبة بصورة عشوائية أو غير قانونية.
وبحسب الجبالي فإن المحكمة الدستورية العليا، أعلى محاكم البلاد، حسمت مشروعية مراقبة الاتصالات وفق الضوابط التي أقرها المجلس والمقابلة للضوابط ذاتها الواردة في قانون الإجراءات الجنائية الحالي، وذلك في القضية رقم (207) لسنة 32 قضائية دستورية عام 2018، موضحاً أن “الصياغات أفضت إلى أن المراقبة أصبحت أمراً متاحاً على نطاق واسع وهو أمر غير صحيح على الإطلاق”، وأكد أنه “لا يمكن بأي حال من الأحوال إخضاع أي شخص للمراقبة بصورة عشوائية أو غير قانونية وإنما يكون ذلك في إطار أحكام الدستور والقانون”.
قلق وترقب
وعلى وقع جدل خيم على منصات التواصل الاجتماعي في مصر خلال الساعات الأخيرة حول بدء البرلمان مناقشة قانون الإجراءات الجنائية، وإقراره بعض مواده ولا سيما تلك المتعلقة بـ “مراقبة الهواتف والمراسلات ومواقع التواصل الاجتماعي”، بدا الانقسام مستمراً حول القانون برمته، بحسب من تحدثوا إلى “اندبندنت عربية”، فقال وكيل لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب النائب إيهاب الطماوي إن “حقيقة الأمر أن ما يجري الترويج له على أن بعض الصياغات وبخاصة المادة (79) من مشروع قانون الإجراءات الجنائية قد أفضت إلى أن المراقبة أصبحت أمراً متاحاً على نطاق واسع أمر غير صحيح على الإطلاق”، موضحاً أن “المراقبة وفقاً للقانون لا تجري إلا بناء على أمر قضائي يصدر من قاض ووفق ضوابط قانونية مشددة، وفي حالات التحقيق في جرائم الجنايات أو الجنح التي يعاقب عليها القانون بعقوبة تزيد مدتها على ثلاثة شهور”.
ووفق الطماوي فإنه “لا يمكن بأي حال من الأحوال إخضاع أي شخص للمراقبة بصورة عشوائية أو غير قانونية، وإنما يكون ذلك في إطار أحكام الدستور والقانون”، مشدداً على أن فلسفة المشروع في مجمله “هي معالجة بعض المشكلات العملية في القانون السابق، وإرساء نظام عدالة ناجز لتعزيز الحقوق والحريات العامة”.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واعتبر الطماوي أن مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد أتى بتعديلات أكثر توافقاً مع مبادئ حقوق الإنسان، إذ نص على ضمانات واضحة لكفالة المحاكمة العادلة والحق في الاستعانة بمحام، وحق المتهم ودفاعه في الوثوق على ما ينسب إليه من اتهام وتنفيذ الإجراءات الخاصة بمحاكمته كافة، بدءاً من مرحلة التحقيق وانتهاء بالحكم الذي تصدره المحكمة الجنائية المتخصصة.
وفي المقابل يرفض المحامي والحقوقي نجاد البرعي “تركيز الضجة المثارة على قوانين مراقبة الهواتف والمراسلات وغيرها من تشريع مواد معادية للحريات وسالبة لكثير من حقوق المواطنين”، على حد تعبيره، قائلاً “إن مشروع قانون الإجراءات الجنائية برمته يعادي الحقوق والحريات العامة”.
ويوضح البرعي، وهو عضو مجلس أمناء الحوار الوطني، في حديثه إلى “اندبندنت عربية” أنه طوال الشهور الماضية حاولنا تقديم ملاحظاتنا وإبراز مخاوفنا من احتمالات إجراء القانون الجديد إلا أنه لم يأخذ بها، مشيراً إلى أن بعض نصوص المشروع أثارت اللغط والجدل الكبيرين في الأوساط القانونية بسبب ما تضمنته من توسع في سلطات الضبط والتحقيق والمحاكمة على حساب حق الدفاع، والمساس بحقوق جوهرية للدفاع مقررة بموجب الدساتير والقوانين المتعاقبة والمواثيق الدولية.
يذكر أن أول قانون للإجراءات الجنائية في مصر ظهر عام 1875 تحت اسم “قانون تحقيق الجنايات”، والذي كان مأخوذاً من القانون الفرنسي الصادر عام 1810، وكان يطبق على المحاكم المختلطة، ولاحقاً صدرت مجموعة من القوانين حتى أكتوبر (تشرين الأول) عام 1950، قبل أن يصدر “قانون الإجراءات الجنائية” المعمول به حالياً والذي تعرض إلى تعديلات كثيرة حتى وصلنا إلى تحرك الحكومة ومجلس النواب لإقرار قانون جديد للإجراءات الجنائية خلال النصف الثاني من عام 2024.
نقلاً عن : اندبندنت عربية