بعد إعلان يورغن كلوب رحيله عن تدريب ليفربول في صيف العام الماضي، شرع النادي الإنجليزي في دراسة خياراته بعناية لاختيار خليفته. وسط قائمة المرشحين، برز اسم آرني سلوت بفضل سجله التدريبي اللافت وسمعته التي تجاوزت التوقعات، بعدما قاد فينورد لتحقيق ثاني لقب دوري في القرن الحادي والعشرين. ومع ذلك، لم يكن سلوت المرشح الأبرز لتولي المهمة، كما لم يكن ليفربول مرشحًا بارزًا للمنافسة على لقب الدوري الإنجليزي مع بداية الموسم.
رغم تلك الشكوك، استطاع سلوت أن يفاجئ الجميع، محققًا ثاني لقب دوري لليفربول في الدوري الإنجليزي الممتاز خلال هذا القرن، بينما كان الهدف الأساسي المرسوم له هو التأهل إلى دوري أبطال أوروبا فقط. بهذا الإنجاز، أصبح ثالث مدرب في تاريخ ليفربول يفوز بالدوري في موسمه الأول، بعد جو فيغان وكيني دالغليش.
اختيار سلوت جاء مدروسًا، إذ رأت الإدارة أنه سيكون امتدادًا لأسلوب كلوب بما يناسب اللاعبين الحاليين، مع لمسة جديدة. ورغم كونه غريبًا عن النادي والدوري والبلد، أثبت سلوت أنه الخيار المثالي.
نجاح سلوت كان ثمرة تخطيط دقيق وتجاوز للتوقعات. فبعدما أنهى ليفربول الموسم الماضي بالمركز الثالث، لم يكن أحد يتوقع أن ينافس الفريق بقوة، خاصة بعد رحيل كلوب. كما أن اللاعبين العائدين من المشاركة الدولية لم يحصلوا إلا على بضع حصص تدريبية قبل بداية الموسم، مما زاد من صعوبة المهمة.
ومع ذلك، شهدت جولة الإعداد في أميركا مؤشرات إيجابية، حيث أبدى اللاعبون مثل محمد صلاح وكيرتيس جونز إعجابهم بالمدرب الجديد وأفكاره. هذا التقبل ساعد على انتقال سلس للأفكار، ما كان له أثر إيجابي لاحقًا على الأداء.
رغم الجدل الذي أثاره مشهد خلاف صلاح مع كلوب قبل رحيله، فإن النجم المصري تألق تحت قيادة سلوت، مسجلًا 33 هدفًا ومقدمًا 23 تمريرة حاسمة، مستفيدًا من تحريره من بعض الأعباء الدفاعية.
منذ البداية، أظهر سلوت قدرة لافتة على تطوير اللاعبين، مع حفاظه على بنية الفريق. تكتيكيًا، أجرى تعديلات مدروسة دون تغيير جذري، وهو ما قدّره اللاعبون. فان دايك استفاد من التحول التكتيكي، ولويس دياز تحوّل لمهاجم صريح، بينما تألق كودي غاكبو على الجناح.
قصة النجاح الأكبر كانت مع رايان غرافنبرخ، الذي أعيد توظيفه كلاعب ارتكاز بعد فشل ضم مارتين زوبيميندي، ما أظهر مرونة سلوت وابتعاده عن التشبث بالخيارات التقليدية.
كذلك أبرزت قراراته الفارق مع كلوب، مثل تحويل واتارو إندو إلى دور “مغلق المباريات” بدلاً من الاعتماد عليه كلاعب ارتكاز رئيسي. أظهر سلوت قدرة على اتخاذ قرارات حاسمة وسريعة، كما حدث مع تبديل إبراهيما كوناتيه في مباراة إبسويتش، وهو تغيير كان له تأثير بالغ.
تحسن الفريق بشكل لافت بين الشوطين خلال معظم المباريات، ما يعكس سرعة تحليل سلوت وقدرته على التكيف مع الظروف، خصوصًا خلال سلسلة من 26 مباراة دون هزيمة عقب الخسارة المفاجئة أمام نوتينغهام فورست.
ليفربول تحت قيادة سلوت أظهر معدنًا حقيقيًا في مواجهات قوية ضد فرق مثل ريال مدريد ومانشستر سيتي، مؤكداً تصدره لمجموعة دوري الأبطال الجديدة، حتى لو خرج لاحقًا من دور الـ16.
خارج الملعب، حافظ سلوت على هدوءه وثباته، وساعدت شخصيته المتزنة على تجديد عقود نجوم الفريق مثل صلاح وفان دايك. كما أن قلة شكاويه من الإصابات أو ضغط المباريات ميزته عن كلوب، حتى أن البعض شعر أن الفريق لا يعاني من أزمات إصابات.
ورغم بعض الإخفاقات مثل الخروج من كأس الرابطة، فإن التتويج بلقب الدوري الإنجليزي كان تتويجًا لموسم استثنائي، حوّل فيه سلوت ما كان يفترض أن يكون موسمًا انتقاليًا إلى موسم نجاح.
ومع أن سلوت لا يملك الكاريزما الخطابية ليورغن كلوب، فقد عوضها بالكفاءة والهدوء والمرونة. لم يحاول تقليد سلفه، بل رسم طريقه الخاص الذي قاد ليفربول إلى المجد، وأثبت أن النادي أحسن الاختيار حين احتاج إلى مدرب جديد لمواصلة رحلته الناجحة.