هو مسلسل رمضاني سنوي متكرر، مقرر سنوي لا بد من أن يشارك فيه الممثلون نفسهم ويشاهده ويتابعه الكل تقريباً، فرضاً من دون رغبة منهم.
ولا أقصد مسلسلاً رمضانياً بعينه على شاشة كذا أو قناة كذا، ولكني أقصد أن في كل رمضان معركة رمضانية فنية يشعلها في الغالب رجال دين مسيسون، ويلتقط شررها المغيبون فتشتعل ناراً في شبكات التواصل الاجتماعي، ويزداد الاحتقان ويلتهي الناس بترهات وتوافه لا تغني ولا تسمن من جوع، فمرة مسلسل يرى مناهضوه أنه يروج للمثلية، وآخر يرى فيه بعضهم مؤامرة ضد الدين والأخلاق، وذاك مسلسل قبل عامين كان موجهاً ضد طائفة بعينها، وهكذا.
مسلسلات وأفلام يدور حولها لغط ومعارك كلامية لا تعرف من الذي أشعلها، فتقوم قيامة الـ “سوشيال ميديا” ويتطوع المتطوعون للقتال والنزال خلف شاشات هواتفهم وكمبيوتراتهم، ويتحول بعض رجال الدين إلى نقاد فنيين، وبعضهم معروفون بسلفيتهم المتشددة وآرائهم المتحجرة أدلوا بآراء حول مسلسل معاوية الذي تبثه شاشة “أم بي سي” الشهيرة.
المتشددون يحرّمون التمثيل أصلاً، والفن والرسم والنحت والموسيقى والغناء والرقص وأنواع الفنون كافة، فكيف لهم أن ينتقدوا عملاً فنياً وهم يحرّمون التمثيل من أساسه؟
والحق بأن كل أنواع الإسلام السياسي، من إخوان وسلف و”حزب الله” وتوابعه، تحرم كل أنواع الفنون، فهل تعرف ممثلاً من الإخوان المسلمين؟ أو موسيقاراً سلفياً؟ وهل هناك مخرجة مسرحية تابعة لـ “حزب الله”؟ هل بينهم روائي أو كاتب مسرحي أو ملحن أو رسام أو مغن أو نحات أو غيره؟ الجواب معروف للقارئ الكريم، فلمَ النفاق والخوض في أمور يحرمونها تحريماً باتاً؟
الجواب لأنهم يهدفون إلى أن يحددوا للناس ما يشاهدون أو يسمعون أو يقرأون، هذا هو السبب، فرجل الدين السياسي يستمد قوته وسطوته وتأثيره من إيهام العامة بأنه يعرف كل شيء، ولأنه رجل دين مسيس فإنه يمتلك الجواب والتعليق على كل شيء، بما في ذلك المسلسلات الرمضانية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مسلسل معاوية أو المسلسلات التاريخية بعمومها ما هي إلا أعمال فنية لها مشاهدوها ومتابعوها وناقدوها ومحبوها وكارهوها، لكن المسلسلات التاريخية لدينا باب متدفق للفتن والمحن والفتاوى والاحتقان، ولذلك سببان رئيسان بين أسباب عدة، أولها أننا لم نتصالح مع التاريخ ولم نجرؤ على قراءته قراءة علمية وليست سردية روائية يحتكرها الحكواتية ورجال القصص التقليدي الذين لا يريدون فتح خزائن التراث لمراجعتها وقراءتها قراءة موضوعية علمية لا تقدس الأشخاص، ولا تضفي قدسية على حوادث التاريخ، من مبدأ أن “تلك أمة قد خلت”.
وثانيها أننا لا نؤمن بحرية الاختيار، فعلى رغم أن العلم والعلماء من الآخرين من غير المسلمين في الغالب قد اخترعوا لنا أجهزة المشاهدة المختلفة، واخترعوا معها تغيير شاشاتها وقنواتها بضغطة زر عبر جهاز الـ “ريموت كنترول”، لكن الواحد منا يريد حظر هذا العمل أو ذاك أو منع مشاهدة هذا المسلسل أو ذاك، بحجة حماية الدين تارة أو حماية الأخلاق تارة أخرى، فلو كنا نؤمن بالحرية في الاختيار لقلّ مثل هذا الجدل الموسمي الذي يتكرر في كل رمضان، فإذا لم يعجبك ما لا تشاهد فغيّر المحطة وكفى!
العالم يسير بسرعة هائلة للولوج في عالم الذكاء الاصطناعي والرقمية التي تشكل دنياً مختلفة تماماً من حولنا، ونحن لا نزال نلوك ونتعارك حول سير شخصيات وحوادث عفا عليها الزمن ومر عليها آلاف السنين، ولو تصالحنا مع تاريخنا وتجرأنا على إعادة قراءة التراث وحوادث تاريخنا بكل حرية وموضوعية وعلمية، وأبعدنا الحكواتية ومرتزقة لوك القصص المتكررة والروايات الملفقة عبر مئات السنين، لانتهينا من العيش في التاريخ وتوقفنا عن خوض معارك قريش قبل 14 قرناً، ولولجنا في القرن الـ 21 مثل باقي البشر على هذا الكوكب.
ويل لأمة تعيش في الماضي أكثر مما تدرك الحاضر، فهي لم تستفد من دروس الماضي ولن تبني المستقبل أبداً بأدوات الماضي السحيق وقصصه الخرافية.
نقلاً عن : اندبندنت عربية