هل ترغب بمعانقة أحبائك قبل أن يستقلوا طائرتهم إلى وجهة بعيدة؟ ربما ستحتاج إلى ضبط منبه. وقد بدأ العد التنازلي فعلاً بالنسبة إلى المسافرين من مطار دنيدن في نيوزيلندا، إذ وُضعت إشارة جديدة لتحديد “مدة العناق” في منطقة إنزال المغادرين. والمدة القصوى المسموح بها هي فقط ثلاث دقائق. وتقول الإشارة “للوداع الأكثر عاطفية، يرجى استخدام موقف السيارات”.

وعلى رغم قساوة هذه التعليمات فإن هناك أسباباً عملية وراءها كما أوضح الرئيس التنفيذي للمطار دانييل دي بونو خلال مقابلة مع “راديو نيوزيلندا”. وبحسب دي بونو “هناك مساحة محدودة في منطقة الإنزال، بينما يقضي كثير من الناس وقتاً طويلاً هناك في وداعهم العاطفي”، مؤكداً أن الوداع الطويل يجب أن يحصر في موقف السيارات الرئيس، حتى أنه استشهد ببعض الأبحاث التي تشير إلى أن 20 ثانية فقط من العناق كافية لمنح حافز من هرموني الأوكسيتوسين والسيروتونين [اللذين يلعبان دوراً في مشاعر الطمأنينة والحب].

قد يكون ذلك صحيحاً، فمطار دنيدن ليس الوحيد الذي وضع حداً زمنياً للتعبير العام عن المشاعر. على الجانب الآخر من العالم داخل مدينة آلبورغ في الدنمارك، توجد علامة شهيرة توجه مستخدمي المطار إلى “التقبيل والوداع”، محددة أن “على القبلات ألا تتجاوز ثلاث دقائق”. ولكن على رغم أن هذه التعليمات قد تكون مزخرفة بلغة متصنعة بعض الشيء، فإن هناك شيئاً محبطاً نوعاً ما حول الدافع وراء الحد من التقارب خلال لحظة يمكن أن تكون مفعمة بالمشاعر. هل وصلنا حقاً إلى نقطة إعطاء الأولوية لتدفق وسهولة حركة المرور على فرصة منح الأشخاص المقربين وداعاً لائقاً قبل السفر؟

لن أستلهم من رئيس الوزراء هيو غرانت في فيلم “الحب الحقيقي” Love Actually وأدعي أن المطارات حاضنة لمشاعر الحب واللطف، وأنها علاج سريع لأي شعور وجودي بالضيق. فالحياة في جميع الأحوال ليست مثل فيلم ريتشارد كيرتس [مخرج فيلم “الحب الحقيقي” الذي لعب فيه غرانت دور رئيس وزراء المملكة المتحدة] (وغرانت كان يتحدث عن قسم الوصول في المطار خلال حديثه الشهير، وأنا متأكدة أن الأمر سينتهي بك بمشاهدة الفيلم على التلفزيون في الأقل ثلاث مرات خلال الأشهر التي تسبق نهاية عام 2024، سواء أردت ذلك أم لا).

 

ولكن اندفاعنا لاحتضان أحبتنا قبل أن يبدأوا رحلة طويلة أو فصل جديد من حياتهم غريزة إنسانية، وشعور علينا احتواؤه بدلاً من محاولة اختصاره في إطار زمني محدد. ووداع المطار ممكن أن يكون من أكثر أوقاتنا حزناً أو إثارة للقلق، فسامحونا لعدم قدرتنا على اختصار جميع مشاعرنا في روتين سريع. عبر أحد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي المستائين من الموضوع بصورة جيدة، إذ كتب تحت صورة للافتة على موقع “فيسبوك”، “لا يمكنك وضع حد زمني للعناق! هذا غير إنساني”.

بالطبع ليس هناك حاجة إلى وداع مطول مليء بالاقتباسات السينمائية إذا كنت على وشك قضاء بضع ساعات على متن رحلة قصيرة قبل عطلتك التي تستغرق أسبوعاً في جزر البليار الإسبانية. وكذلك أنا أول من يبدي انزعاجه من الثنائي الذي يبدأ بالبكاء قبل ابتعادهم من بعض لبضعة أيام أثناء ذهاب أحدهما إلى رحلة حفل توديع العزوبية. ولكن فكر في الأشخاص الذين تعيش أسرهم في الخارج ولا يستطيعون تحمل كلف الرحلة الطويلة إلا مرة واحدة كل عام أو أقل. فكر في الأجداد الذين يفتقدون أحفادهم وهم يكبرون بعيداً منهم، والذين يريدون أن يقضوا معهم كل ثانية ممكنة.

“الوداع معقد ومن الصعب التنبؤ به، فأحياناً قد يتحول ما كان من المفترض أن يكون مجرد تلويح باليد وقبلة سريعة على الخد إلى شيء أكثر عاطفية”

قد تقول إنه من الأفضل أن تحدث مثل هذه الوداعات في مكان آخر (داخل موقف السيارات الذي حرص الرئيس التنفيذي لمطار دنيدن على الإشارة إليه، على سبيل المثال). ولكن الوداع معقد ومن الصعب التنبؤ به، فأحياناً قد يتحول ما كان من المفترض أن يكون مجرد تلويح باليد وقبلة سريعة على الخد إلى شيء أكثر عاطفية. تخيل أن تستعجل شخصاً ما أثناء إعلانه عن حبه بطريقة مؤثرة، أو أن تطلب من والدتك إنهاء حديثها المليء بالدموع لأنه لم يتبق لديك سوى 42 ثانية من مدة الوداع المخصصة لك.

ألن يكون من الصعب تطبيق هذه القاعدة؟ هل ستبدأ المطارات بتوظيف فرق من الأشخاص للتجول قرب مواقف التوصيل السريع وهم يحملون ساعات توقيت، مستعدين لفصل المسافرين عن عائلاتهم وأصدقائهم بمجرد تجاوزهم علامة الدقائق الثلاث؟ أو ربما يخططون للاعتماد على المسافرين لمراقبة بعضهم بعضاً من خلال التصرف العدواني المستتر مثل التنهد بصوت عال والنقر على ساعاتهم. وبدأ البعض بالفعل بنهج أكثر بساطة (ومربح) من خلال فرض رسوم متزايدة على استخدام منطقة إنزال الركاب، فخلال وقت سابق من هذا العام وجدت دراسة أن أكثر من ثلث المطارات الرئيسة رفعت ما يلقب بأسعار “التقبيل والطيران” [في إشارة إلى أسعار استخدام منطقة إنزال المسافرين] خلال العام الماضي.

نقضي كثيراً من حياتنا في الإسراع من شيء إلى آخر، في محاولة لفعل مزيد وتحسين كل شيء لتحقيق أكبر إنتاجية وأقصى سرعة. ويبدو أننا بصورة جماعية بدأنا بتقدير الكفاءة أكثر من التواصل الاجتماعي اللائق. وتحديد مدة الوداع في المطارات من أجل إعطاء الأولوية [للإنتاجية والسرعة اللتين تنعكسان عبر تدفق حركة المرور] هو أحدث مثال على ذلك. صحيح أنك قد تشعر بالانزعاج بصورة موقتة بسبب الازدحام المروري أثناء توجهك إلى منطقة الوصول في المطار، ولكن ألا يهون ذلك معرفة أن شخصاً ما كان قادراً على توديع أحبائه المقربين بصورة مناسبة؟ إن لم ينفع هذا معك، فقد يكون لديك قلب من حجر، أو أنك مهووس بصورة غير صحية بالوصول إلى السوق الحرة.

نقلاً عن : اندبندنت عربية