كان الاحتفال بالنسبة إلى جيل من البريطانيين، يعني في كثير من الأحيان التوجه إلى أحد مطاعم “بيتزا هت” Pizza Hut. كانت مجرد موافقة والديك على إغراء الحصول على مشروب “بيبسي” غير المحدود، والجبن الكثيف، وتجربة زيارة بار السلطات، يعني أنك على موعد مع لحظات لا تُنسى، وقد يتذكر آخرون الفرحة التي كانت تعم مطاعم “تي جي آي فرايديز” TGI Fridays، حيث كانت شطائر البرغر الضخمة، والأضلاع اللزجة، وقشور البطاطس المقرمشة، التي كانت تُقدم مع جرعة مفرطة من الحماسة.
لكن سلاسل المطاعم التي كانت في الماضي نجوم المشهد الغذائي البريطاني، تواجه الآن تراجعاً حاداً بعدما أصبح تألقها جزءاً من الذكريات، على سبيل المثال، تواجه سلسلة “بيتزا هت” – وهي إحدى أكبر شركات الامتياز في المملكة المتحدة – أزمة مالية ناجمة عن ارتفاع الكلف، إضافة إلى تغير أذواق الناس التي أصبحت تميل إلى الخيارات الأكثر تميزاً، مثل الخبز المخمر يدوياً. وفي الوقت نفسه، تقوم سلسلة مطاعم “بريزو” Prezzo بإغلاق مزيد من فروعها بوتيرة متسارعة، فيما شهدت سلسلة “تي جي آي فرايديز” تعثراً شديداً أدخلها في مرحلة إعادة هيكلة، إذ اضطُرت إلى اللجوء للإدارة القانونية في محاولة لتجنب الإفلاس.
من الصعب ألا يثير هذا الخبر موجة من الحنين إلى الماضي، فأول سلسلة مطاعم تم افتتاحها في بريطانيا – وهي فكرة مستوردة في الأساس من الولايات المتحدة – كانت مطاعم “ويمبي” عام 1954، ولم تلق “بيتزا هت” رواجاً حتى عام 1973، أي قبل عام من دخول “ماكدونالدز”.
لكن هذه السلاسل لم تكن يوماً تهدف إلى نيل نجوم “ميشلان” أو التفاخر بالمكونات المحلية، بل كانت مرتبطة بلحظات بسيطة لا تُنسى، فبالنسبة إلى كثير منا، كانت هذه الأماكن أول ذكرياتنا التي عرفتنا إلى عالم الضيافة. هناك تعلمنا كيفية الطلب من قائمة الطعام، وبدت المناديل الورقية ومشروبات الـ”كوكا كولا” (المشبعة طبعاً بالسكر) وكأنها رمز للترف، بينما كان تناول “الآيس كريم” غير المحدود يمثل قمة الرقي، وكان إحياء عيد ميلاد لطفل في المدرسة الابتدائية في أحد هذه المطاعم طقساً لا بد منه.
هذه الأماكن عرّفت أجيالاً من البريطانيين، حتى المتكبرين منهم، إلى متعة تناول الطعام في الخارج – بأسعار معقولة، موثوقة، ومثيرة بعض الشيء. الأطفال أحبوها، الآباء تسامحوا معها، ولم يشتكِ أحد من الفاتورة، لكن ماذا حدث؟
الإجابة المختصرة: كل شيء تقريباً، أما الإجابة الأطول فهي أن سلاسل المطاعم مثل “بيتزا هت” و”تي جي آي فرايديز” تواجه في الواقع تهديداً ثلاثياً يتمثل في ارتفاع الكلف، وتغير تفضيلات المستهلكين وأذواقهم، والمشهد الاقتصادي الذي يجعل تناول الطعام في الخارج يبدو خياراً غير عملي، تماماً كاتخاذ قرار مالي غير حكيم.
معلوم أن قطاع الضيافة في المملكة المتحدة واجه سلسلة من التحديات في الأعوام الأخيرة، وقد شهدت مرحلة تعافيه من جائحة كورونا زيادة في ضريبة القيمة المضافة من خمسة في المئة إلى 20 في المئة، لتثقل كاهل الشركات التي كانت بالكاد تحاول الخروج من كبوتها، وأضاف مسار الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي تعقيداته الخاصة، إن لجهة النقص في أعداد الموظفين، أو لناحية القيود البيروقراطية على عمليات الاستيراد، أو نتيجة ضعف الجنيه الإسترليني، وجاءت أخيراً الحرب بين روسيا وأوكرانيا لتدفع بأسعار الطاقة إلى الارتفاع، بينما دفعت أزمة غلاء المعيشة المستهلكين إلى شد الأحزمة وتقليص إنفاقهم على تناول الطعام خارج المنزل.
أما القشة التي قصمت ظهر هذا القطاع في بريطانيا، فكانت الموازنة الحكومية الأخيرة التي فرضت على أرباب العمل زيادات أكبر في “إسهامات التأمين الوطني” National Insurance Contributions (NICs) لموظفيها، كما تسبب ارتفاع الأجور بضغوط هائلة على المؤسسات، على سبيل المثال، تتوقع أكبر شركة امتياز في المملكة المتحدة، وهي “بيتزا هت”، أن ترتفع كلفها السنوية بنحو 4 ملايين جنيه إسترليني (5.4 مليون دولار أميركي)، وهو عبء ثقيل دفعها إلى البحث عن مشترٍ لسلسلتها أو الحصول على تمويل إضافي، وهذا مجرد نموذج واحد عن أزمة تضرب القطاع بأكمله.
وتوضح كيت نيكولز الرئيسة التنفيذية لمنظمة “يو كي هوسبيتاليتي” UKHospitality (وهي هيئة نقابية تمثل أكثر من 740 شركة في قطاع الضيافة في إنجلترا واسكتلندا وويلز) أن “القطاع يواجه زيادة في الكلف مقدارها 3 مليارات و400 مليون جنيه إسترليني، بسبب التغييرات التي فرضتها موازنة الحكومة، مما سيؤثر في الوظائف ويدفع بالأسعار إلى الارتفاع، ويشكل تحدياً كبيراً بالنسبة إلى العملاء”.
وفي ما يتعلق بالسلاسل التي لديها عمليات واسعة النطاق واتفاقات إيجار قديمة ونفقات عامة كبيرة، فإن تحقيق التوازن المالي أصبح أكثر تعقيداً من أي وقت مضى.
المطاعم الفاخرة هي أيضاً ليست بمنأى عن هذه الضغوط، فعلى سبيل المثال، أغلق ماركوس ويرينغ مطعمه الشهير الذي يحمل اسمه Marcus في “فندق بيركلي” وسط لندن العام الماضي، مشيراً إلى تحديات لم يعد القطاع قادراً على تجاهلها، وبالمثل، أغلق مطعم “لو غافروش” Le Gavroche الذي يديره ميشيل رو جونيور أبوابه في يناير (كانون الثاني) بعد أكثر من 50 عاماً من الخدمة، وعلى رغم أن ويرينغ ورو يعملان على مستوى يفوق بكثير سلاسل مثل “بيتزا هت”، فإن أسباب الإغلاق تسلط الضوء على معاناة مشتركة، وتقول نيكولز “الحقيقة هي أن الشركات لم تعد قادرة على تكبد الكلف الإضافية بعدما تحملت أعباء هائلة على مدى الأعوام الأربعة الماضية، وسيكون المستهلكون والموظفون هم الأكثر تأثراً في ذلك.”
والسؤال المطروح ليس ما إذا كانت السلاسل الكبرى تعاني صعوبات مالية، بل ما إذا كان قطاع المطاعم بأسره يقترب من حافة الانهيار، فبالنسبة إلى المستهلكين الذين طالما اعتمدوا على الأسعار المعقولة والخدمات الموثوقة التي توفرها هذه السلاسل، يبقى التساؤل: ماذا سيحدث إذا بدأت حتى هذه الركائز الأساسية في التهاوي؟
“لا تستطيع الشركات ببساطة تكبد أي كلف إضافية بعد تحملها الكثير على مدار الأعوام الأربعة الماضية، وفي نهاية المطاف، سيكون المستهلكون والموظفون هم الذين يتحملون العبء الأكبر من هذه التحديات”
كيت نيكولز، الرئيسة التنفيذية لمنظمة “يو كي هوسبيتاليتي”
تم إنشاء سلاسل المطاعم في الأساس لتكون وجهات طعام ميسورة الكلفة ومتاحة للجميع، بعيداً من الحصرية أو الابتكار في الطهي، كانت الغاية منها تقديم تجربة بسيطة، سواء كانت عشاء عائلياً في نهاية الأسبوع، أو وجبات سريعة في محطات خدمة الطعام على الطرقات السريعة، أو وجبة خفيفة قبل مشاهدة فيلم سينما، لكن اليوم، باتت تبلغ كلفة “بيتزا مارغريتا” لدى “بيتزا هت” 13.49 جنيه إسترليني (17 دولاراً)، ولدى “بيتزا إكسبريس” 13.45 جنيه إسترليني (16 دولاراً و95 سنتاً).
وعلى سبيل المقارنة فإن ميشيل باسكاريلا – المعروف بأنه أفضل طاهي بيتزا في العالم – يقدم البيتزا لزبائنه في مطعمه “نابولي أون ذا رود” Napoli on the Road الكائن في ضاحية تشيزيك غرب لندن، بـ12.90 جنيه إسترليني فقط (16 دولاراً و25 سنتاً). أما مطعم “كريسب بيتزا” Crisp Pizza الذي يُصنف بانتظام كأحد أفضل مطاعم البيتزا في لندن، فيقدمها بـ12 جنيهاً إسترلينياً فقط (15 دولاراً و12 سنتاً).
أمام هذه المقارنات، تبدو جاذبية بعض عروض سلاسل المطاعم، مثل “بيتزا القشرة المحشوة” Stuffed Crust Pizza (التي تُملأ حافتها الخارجية بجبنة موتزاريلا أو بمكونات أخرى قبل خبزها) أقل إغراء بالنسبة إلى الزبائن عما كانت عليه في السابق.
يتمثل التحدي الأبرز الذي تواجهه سلاسل المطاعم في أنها تجد نفسها عالقة في الوسط، فمن جهة، ارتفعت أسعارها إلى درجة لم يعد بالإمكان اعتبارها مناسبة لذوي الموازنات المحدودة، ومن جهة أخرى، لا تستطيع منافسة الجودة أو التجربة التي تقدمها المطاعم المستقلة، ولا شك في أن الزبائن الذين هم على استعداد لإنفاق أكثر من 13 جنيهاً إسترلينياً (16 دولاراً و38 سنتاً) لقاء وجبة بيتزا، فإنهم يفضلون الاستمتاع بمكونات حرفية وبقشرة مقرمشة مخبوزة بعناية، على الاعتماد على تجربة تقليدية متوقعة مثل الـ”بيبيروني” التي تُقدم فاترة في هذه السلاسل.
هذا الواقع دفع بالمستهلكين إلى التساؤل عما يحصلون عليه مقابل ما يدفعونه. فالميزة التنافسية الأساسية التي لطالما اعتمدت عليها سلاسل المطاعم، وهي “عامل البيع الفريد” Unique Selling Proposition [في حال مطاعم السلسلة، غالباً ما يكون هذا العامل هو قدرتها على توفير تجربة طعام متسقة ويمكن التنبؤ بها في جميع المواقع]، أصبحت اليوم تشكل عائقاً أمامها، ففي ظل التطورات السريعة التي يشهدها قطاع الطعام يبحث الزبائن عن قيمة حقيقية مقابل أموالهم، وهذه القيمة باتت تعني أكثر من مجرد أسعار معقولة، فهي تشمل مكونات عالية الجودة ومصادر محلية وأصالة – شعور بأن الطعام قد تم تحضيره بعناية ويعكس شخصية الشخص الذي أعدّه.
مع ذلك، هنا تكمن معضلة سلاسل المطاعم الأخرى في المنافسة. فالأصالة، بطبيعتها ليست أمراً قابلاً للتكرار، كيف يمكن لمطعم أن يكون متفرداً ويبدو مميزاً عندما يكون جزءاً من سلسلة تضم مئات الفروع المتطابقة التي يتبع كل منها الوصفة نفسها، بغض النظر عن الطاهي؟ في المقابل، تقدم المطاعم المستقلة أطباقاً تحمل قصة خاصة بها – سواء كانت مستوحاة من خلفية الشيف، أو من الموردين المحليين، أو من وصفات عائلية تقليدية. أما بالنسبة إلى سلاسل المطاعم، فإن قصتها غالباً ما تتمحور حول الاتساق والموثوقية، وعلى رغم أن ذلك كان يُعد ميزة خاصة في الماضي، فإنه بات الآن يبدو بارداً ومجرداً من الطابع الشخصي في ثقافة تناول الطعام التي تتجه نحو تقدير التفرد.
بالنسبة إلى الأسر التي تعتمد على سلاسل المطاعم كخيار ميسر لتناول الطعام خارج المنزل، فإن هذه التغيرات تأتي بمثابة ضربة موجعة، وعلى رغم أن المطاعم المستقلة قد تقدم طعاماً بجودة أفضل، فإنها غالباً ما تكون بعيدة المنال في المدن الصغيرة، أو غير مناسبة للأفراد الذين لديهم موازنات محدودة. القلق هنا لا يقتصر فقط على تناقص عدد أماكن تناول الطعام، بل يتعلق بتآكل مفهوم تناول وجبة طعام خارج المنزل كمتعة في متناول الجميع.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتحذر كيت نيكولز الرئيسة التنفيذية لمنظمة “يو كي هوسبيتاليتي”، من تداعيات هذه التحولات، قائلة “إذا كانت الحكومة جادة في كبح التضخم وحماية الوظائف ودعم الشركات، فعليها أن تعيد النظر على وجه السرعة في التغييرات التي أجرتها على ’إسهامات التأمين الوطني‘ الخاصة بأرباب العمل”، ودعت نيكولز إلى اتخاذ خطوات مثل استحداث فئة جديدة من “إسهامات التأمين الوطني” لذوي الدخل المنخفض، أو تقديم إعفاءات للعاملين بدوام جزئي، بهدف حماية كل من الشركات والموظفين على حد سواء.
ثم تأتي معضلة ما يُنشر على تطبيق “إنستغرام”، فمتى كانت آخر مرة شاهدتم فيها مقطع فيديو يشيد ببار السلَطات لدى “بيتزا هت”؟ لقد غيرت وسائل التواصل الاجتماعي بصورة جذرية الطريقة التي يختار بها الناس أماكن تناول الطعام، وأخفقت السلاسل الكبرى إلى حد كبير في مواكبة هذا التحول، فمرتادو المطاعم يبحثون عبر المنصات التي يتصفحونها عن المواقع الرائجة، والأطباق الأكثر طلباً، والتصاميم الداخلية الأنيقة، وعلى نقيض ذلك، غالباً ما تبدو السلاسل التقليدية قديمة وغير ملهمة، ولا تقدم الكثير لجذب إعجاب أو مشاركة.
وعلى رغم محاولات بعض السلاسل خوض غمار الحملات على وسائل التواصل الاجتماعي، مثل انضمام “تشيبوتلي” Chipotle كأول سلسلة إلى “تيك توك”، وإطلاق مطاعم “ناندوز” برنامجاً حوارياً يناقش قضايا الصحة النفسية، وتعاون سلسلة مطاعم “ليون” Leon مع “جو ويكس” مدرب اللياقة، فإن هذه الجهود لم تنجح في ترك الأثر التي تحدثه المطاعم المستقلة من دون أي عناء، وفي غياب محتوى بصري مقنع أو قصص جذابة ومقنعة، تصبح زيارة السلاسل الكبرى أشبه بحل موقت أو بمثابة خيار متاح، بدلاً من أن تكون تجربة ممتعة ومثيرة تستحق المغامرة.
ومن الغريب أن المنقذ الأكبر للسلاسل في الأعوام الأخيرة كان أيضاً السبب في تراجعها، فقد سمحت لها منصات التوصيل مثل “ديليفرو” Deliveroo و”أوبر إيتس” UberEats، بالابتعاد عن خدمات تناول الطعام التقليدية المتعثرة، والتركيز بدلاً من ذلك على خيارات الوجبات الجاهزة من خلال إنشاء “مطابخ ظل” Dark Kitchens (تُعِد فقط وجبات مخصصة للتوصيل). وبالنسبة إلى “بيتزا هت”، أدى هذا التحول في عملياتها إلى نتيجتين مختلفتين: ففيما تواجه “إتش دبليو إس” HWS التي تدير جميع مواقع تناول الوجبات داخل مطاعمها في بريطانيا، صعوبات كبيرة (نتيجة تغير عادات الزبائن والغلاء)، فإن منافذ التوصيل المتعددة التابعة لها – التي تديرها شركات امتياز مستقلة – لا تزال مزدهرة وتحقق نجاحاً مستمراً، لكن مع انتشار خدمة التوصيل وتوسعها، تغيرت تجربة تناول الطعام بصورة جذرية، بحيث أصبح التركيز على الجودة أكثر من الاتساق، وأصبح السعر هو العامل الأهم في جذب الزبائن.
لكن ليس كل شيء قاتماً بالنسبة إلى سلاسل المطاعم، فبعض اللاعبين الجدد في هذا المجال يزدهرون، على سبيل المثال، حققت سلسلة مطاعم “فايف غايز” Five Guys “زيادة في إيراداتها بأكثر من 90 مليون جنيه إسترليني العام الماضي، بينما شهدت مطاعم “فرانكو مانكا” Franco Manca، على رغم خسارة صغيرة تكبدتها قبل الضريبة، زيادة بنحو 20 في المئة في حجم أعمالها، كما تمكنت علامات تجارية راسخة مثل “ناندوز” Nando’s و”واغاماما” Wagamama من شق طريقها إلى النجاح، فقد بنت “ناندوز” على علامتها التجارية المرحة والجاذبية التي لا تقاوم لنكهة “بيري بيري” Peri-peri، ولم تُسجل خسائر إلا مرة واحدة عام 2021.
في المقابل، حافظت “واغاماما” على أدائها القوي منذ أن تحولت ملكيتها في العام الماضي إلى مستثمرين من القطاع الخاص، وذلك بفضل تقديمها أطباقاً نباتية طازجة وخيارات صحية تناسب الأذواق العصرية، ما يجمع بين هاتين العلامتين هو قدرتهما على الظهور بمظهر حديث وجذاب، مع تقديم تجربة تُشعر المستهلكين بأنهم يحصلون على قيمة حقيقية مقابل ما يدفعونه.
إلا أن التوقعات لا تبدو واعدة بالنسبة إلى كثير من سلاسل المطاعم الكبيرة. فالكلف الطويلة الأجل [كالإيجارات والصيانة]، والأعباء الاقتصادية الحالية، إضافة إلى التحول في تفضيلات المستهلكين نحو الجودة على حساب الراحة، جعلت عدداً من السلاسل تبدو وكأنها قديمة الطراز وعاجزة عن مواكبة الزمن، فشبكة “بيتزا هت”، على سبيل المثال، هي عبارة عن مطاعم واسعة ومكلفة تم تصميمها لحقبة زمنية مختلفة تماماً (مما يجعلها أقل جاذبية اليوم).
في المقابل، تتمتع المطاعم المستقلة بمرونة أكبر وكفاءة أعلى، لأنها تعتمد على مساحات أصغر وقوائم طعام متخصصة ومحددة، ولا عجب في أن هذه المطاعم تستطيع تقديم قيمة أفضل بأسعار أقل، وعلى رغم أن كلا النوعين من الشركات يواجه التحديات نفسها مع ارتفاع فواتير الطاقة وكلف المكونات، فإن المطاعم المستقلة لا تزال تكتسب زخماً ودعماً من الزبائن، أما السلاسل الكبرى، فموقعها مختلف تماماً وتجد مشكلات في مواكبة التغيرات.
مع ذلك يظل صعباً التخلي عنها، فسلاسل المطاعم لم تكن مثالية، ولم يكن من الضروري أن تكون كذلك فقد كانت حاضرة لاحتضان لحظاتنا الخاصة، من المواعدات الأولى، إلى احتفالات أعياد الميلاد العائلية، وحتى وجبات التوقف السريعة أثناء رحلات العطلات، وقد تحولت إلى خلفية لعدد لا يُحصى من اللحظات اليومية الصغيرة، وأصبحت كتلك الأماكن التي لا تفتقدها حقاً إلا عندما تختفي فجأة.
قد يكمن مستقبل سلاسل المطاعم في قدرتها على التكيف مع المتغيرات، من خلال موازنة الحنين إلى الماضي مع متطلبات العصر الحديث، إن استعادة متعة تناول الطعام في الخارج بالنسبة إلى العائلات والزبائن الجدد، مع الحفاظ على معايير الجودة والتميز التي يتطلبها رواد المطاعم اليوم، قد تكون السبيل للبقاء والاستمرار، أما إذا عجزت هذه السلاسل عن مواكبة التطور، فإنها قد تواجه خطر التحول إلى مجرد ذكرى جميلة من أيام الطفولة.
نقلاً عن : اندبندنت عربية