لم يكن شهر شوال مجرد امتداد زمني بعد رمضان، بل شكّل فصلًا هامًا في السيرة النبوية، حيث شهد أحداثًا مفصلية جسّدت عمق الحكمة النبوية، وقوة الإيمان، وصبر الصحابة وثباتهم. فقد ضم هذا الشهر عددًا من التحركات العسكرية والسرايا التي حملت رسائل سياسية وعسكرية، وجولات دعوية أثمرت نتائج عظيمة في مسيرة الدعوة.

سَرِيّة عبيدة بن الحارث.. أول سهم في سبيل الله

في شوال من السنة الأولى للهجرة، أرسل النبي محمد ﷺ سرية بقيادة عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب رضي الله عنه إلى منطقة بطن رابغ، في أول تحرك مسلح تحت راية الإسلام.

تكوّنت السرية من 60 من المهاجرين، وخرجت لاعتراض قافلة تجارية لقريش يقودها أبو سفيان، مدعومة بنحو 200 رجل. لم تقع معركة فعلية، إلا أن الصحابي سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أطلق أول سهم في سبيل الله، ليكون ذلك بداية مرحلة جديدة في مسار الدعوة الإسلامية.

وقد مثّلت هذه السرية إعلانًا واضحًا بأن المسلمين في المدينة باتوا قوة يحسب لها حساب، ورسالة مباشرة لقريش بأن عهد السكوت قد ولّى، وأن الدفاع عن الدين أصبح خيارًا مطروحًا بقوة.

غزوة حمراء الأسد.. صمود بعد الانكسار

في شوال من السنة الثالثة للهجرة، وبعد يوم واحد فقط من غزوة أُحد، قاد النبي ﷺ جيش المسلمين المنهك والمجروح إلى منطقة حمراء الأسد، فيما عُرف لاحقًا بغزوة حمراء الأسد.

رغم الجراح والإنهاك، أراد النبي أن يوجه رسالة حاسمة لقريش: الهزيمة في أُحد لم تكسِر المسلمين، بل زادتهم ثباتًا. أشعل الجيش نيرانًا كثيرة ليلًا ليظهر العدد أكبر مما هو عليه، فظنت قريش أن المدينة لا تزال تملك قوة ضاربة، فتراجعت عن فكرة أي هجوم، وكان ذلك نصرًا في المعنويات والهيبة دون قتال مباشر.

غزوة حُنين.. عندما ظن المسلمون بالكثرة

وفي شوال من السنة الثامنة للهجرة، جاءت غزوة حُنين بعد أيام قليلة من فتح مكة، فكانت واحدة من أعنف المعارك التي خاضها المسلمون، حيث واجهوا تحالفًا من قبيلتي هوازن وثقيف.

خرج النبي ﷺ بجيش قوامه أكثر من 12 ألف مقاتل، وهو الأكبر في تاريخ الدعوة حتى ذلك الوقت، مما دفع البعض للقول بثقة مفرطة: “لن نُغلب اليوم من قلة”. فجاء التنبيه الإلهي سريعًا:

“ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تُغنِ عنكم شيئًا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين” [التوبة: 25].

في بداية المعركة تراجع المسلمون تحت وقع المفاجأة، لكن النبي ثبت في الميدان ينادي قومه، فاستجاب له المهاجرون والأنصار، وقلبوا الهزيمة إلى نصر، ليؤكد التاريخ من جديد أن الثبات والعقيدة أقوى من الأعداد.