التاريخ الـ20 من يناير (كانون الثاني) 2029… يبعد عنا 1473 يوماً. إذاً ينتظرنا أكثر بقليل من أربعة أعوام أخرى من نوعية التصرفات الطفولية والمتهورة والعبثية والخطرة وغير المتماسكة والمتعجرفة والمربكة والمجنونة، التي رأيناها تنبثق من شخصية دونالد جي ترمب المتجهمة والبرتقالية أثناء مؤتمره الصحافي التمهيدي لرئاسته.

ينتقد تارةً خطط توفير استهلاك المياه، ويتبعها فوراً بالإعراب عن قلقه في شأن دور “حزب الله” (؟!) في أحداث الشغب التي شهدتها واشنطن العاصمة في السادس من يناير 2021.

وعندما يعتقد الصحافيون المجتمعون أنهم لم يعودوا قادرين على تحمل مزيد من الهراء، يعلن بجدية وضع الولايات المتحدة على طريق الحرب مع بنما والدنمارك، إضافة إلى حرب اقتصادية مدمرة مع كندا – ما لم توافق الأخيرة على أن تصبح الولاية رقم 51 في الاتحاد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ماذا يمكننا أن نقول؟ كيف سنتأقلم مع رئاسة ترمب الثانية؟

تذكروا، إن شئتم، أن ولايته الأولى الفوضوية تضمنت ضوابط أمان وموظفين حكوميين يتحلون بالمسؤولية وجهوه بعيداً من أفكاره الأكثر جنوناً. لكن الوضع مختلف هذه المرة – مئات من مؤيدي حركة “ماغا” المخلصين شخصياً له عُينوا في المناصب الرئيسة، وكثيراً ما يتسمون بأنهم غير مؤهلين بتاتاً لشغل مناصبهم، ويوالون ترمب وليس الدستور الأميركي، ويعتقدون أن نتيجة الانتخابات في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 تمنحه تفويضاً لفعل ما يشاء.

إضافة إلى ذلك، سيقف هذه المرة إلى جانبه إيلون ماسك، الذي لا يقل عنه صبيانية. وستتحول أميركا قريباً إلى ديكتاتورية منتخبة، بوجود كونغرس متواطئ إلى حد كبير ومحكمة عليا منحت “الوحش البرتقالي” حصانة تنفيذية، مما يضعه فوق القانون.

لو كنتُ أميركياً، لكان قلقي عظيماً. ولو كنتُ من غرينلاند، لأصابني الرعب من احتمال إرساله قوات مشاة البحرية إلى أراضينا.

ترمب جاد، كما يبدو من تصريحاته، وعلينا أن نصدقه حين يقول: “لأغراض الأمن القومي والحرية في أنحاء العالم كله، ترى الولايات المتحدة أن ملكية غرينلاند والسيطرة عليها ضرورة مطلقة”.

يرفض ترمب استبعاد استخدام القوة العسكرية لتحقيق غرضه ويمهد الطريق لذلك بالإيحاء بأن السيادة الرسمية للدنمارك على غرينلاند، التي تتمتع بحكم ذاتي، غير شرعية، على رغم أن الدنماركيين موجودون في الجزيرة قبل قيام الولايات المتحدة نفسها بزمن طويل (ولا نستبعد أن يكون بعض الفايكنغ قد وطئت أقدامهم أميركا قبل وصول “الآباء الحجاج” إلى أراضيها).

وبدهاء – لا يخلو ترمب من المكر – ألقى بهذه العبارة في خضم خطابه العبثي: “الناس في الحقيقة لا يعلمون حتى ما إذا كانت الدنمارك تمتلك أي حق قانوني، لكن إن كان لديها هذا الحق، فعليها التنازل عنه، لأننا نحتاج إليه من أجل الأمن القومي”. حسناً، بصرف النظر عن صحة هذا الزعم، غرينلاند بكل تأكيد ليست أميركية، ولم تكن كذلك قط. لكن هذا لن يمنع ترمب من محاولة خنق الاقتصاد الدنماركي وخوض حرب تجارية مدمرة مع الاتحاد الأوروبي.

أما منطقة قناة بنما، فقد كانت بالفعل أرضاً أميركية في وقت ما، لكنها انتقلت في صورة قانونية وسلمية إلى بنما بموجب معاهدة دولية أُبرِمت بشكل إرادي بين البلدين عام 1977.

وكأن هذا كله لم يكن كافياً، واصل “الطفل-الرجل” محاولته نزع الشرعية عن كندا وحدودها مع الولايات المتحدة، المرسمة في القرن الـ19. بالنسبة إلى ترمب، ليست كندا أكثر من ولاية أخرى من ضمن الاتحاد الأميركي، ورئيس وزرائها ليس سوى “حاكم”. هي ليست بلداً حقيقياً، والحدود بين البلدين ليست سوى “خط مرسوم في شكل اصطناعي”. واقترح ترمب أن كندا ستكون أفضل حالاً إذا تنازلت عن سيادتها، وتخلت عن الملك تشارلز، وأصبحت جزءاً من الولايات المتحدة. قد يختلف الكنديون، أياً كان رأيهم في رئيس الوزراء المنتهية ولايته جاستن ترودو، مع هذا الرأي.

قد نرغب جميعاً في أن نسخر من هذه “الترمبية” ونستخف بها، وقد اعتدنا بالفعل على تجاوزاته. لكن لا شيء مضحكاً في الطريقة العرضية التي يدعو بها إلى استخدام القوة كوسيلة لحل النزاعات الدولية عبر الإكراه العسكري والاقتصادي. إذا كانت لديه مشكلة مع بلدان أخرى، ففي إمكانه اللجوء إلى الأمم المتحدة واستخدام الوسائل السلمية للتعامل مع الحلفاء.

يبقى لغزاً سبب ميل ترمب إلى التنمر على أصدقاء أميركا، والتخلي عن حلفاء أقوياء محتملين مثل أوكرانيا، بينما يهادن أعداءها مثل روسيا وكوريا الشمالية – لكن من الواضح أن لديه نزعة “بوتينية” في نظرته إلى استقلال جيرانه. بالنسبة إليه، تبدو كندا وكأنها تلقى الازدراء نفسه الذي يظهره بوتين تجاه أوكرانيا. إن ترمب بالفعل شخصية عبثية، ويستحق السخرية والازدراء الذي يُوجه إليه، لكنه مهرج مخيف ومخادع.

أما الأخبار السيئة فهي أن العالم سيضطر إلى تحمل أخطائه على مدى الأعوام الأربعة المقبلة ومع إرثه السام لفترة أطول كثيراً.

نقلاً عن : اندبندنت عربية