بعد شهرين من الإطاحة بنظام بشار الأسد، كشفت مجلة إيرانية عن تفاصيل أول لقاء بين الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في سبتمبر (أيلول) عام 2013، إذ دار النقاش في أجواء مشحونة بالقلق والشكوك حول مستقبل الرئيس السوري السابق.
ونشرت مجلة “آكاهي نو” المحسوبة على التيار الإصلاحي، الرواية الكاملة لأول حوار جرى بين بوتين وروحاني، بعد شهر من توليه الرئاسة في الـ13 من سبتمبر 2013، على هامش قمة “منظمة شنغهاي للتعاون الاقتصادي” في العاصمة القيرغيزية بيشكيك.
وكان بوتين على معرفة سابقة بروحاني منذ أن شغل كل منهما منصب الأمين العام لمجلس الأمن القومي في بلاده.
وجاء في تقرير للمجلة الإيرانية تحت عنوان “منذ متى تخلت روسيا عن سوريا؟”، نقلته صحيفة “الشرق الأوسط” اللندنية في عددها الصادر أمس الإثنين أن لقاء الرئيسين الروسي والإيراني استمر ساعة و20 دقيقة، وتناول في دقائقه الأولى القضايا العامة بين البلدين، قبل أن يتعمق في مناقشة الملف النووي الإيراني والوضع في سوريا.
هل من بديل؟
وبدأ النقاش حول سوريا بسؤال روحاني بوتين، “ماذا تريد أن تفعل في سوريا؟”، وأجاب بوتين بنبرة مترددة “هل تعتقد بأنه يمكن الحفاظ على الأسد؟”، ورد روحاني “نعم يمكن لكن مع الإصلاحات”، وفي المقابل تساءل بوتين “كيف؟”.
وقال روحاني في رده، “سوريا دولة متعددة الطوائف، والانقسام الرئيس فيها بين العلويين والسنة. وحزب ’البعث السوري‘ يتمتع بطابع علماني ولا يكترث كثيراً بالحريات الاجتماعية”، وختم بالقول “في هذه الظروف، الأسد هو الوحيد القادر على الحفاظ على وحدة سوريا ولا يوجد بديل له”.
وأضاف روحاني “لقد حاولنا مراراً إيجاد بديل، لكننا لم نكُن الوحيدين في ذلك، فهناك الفرنسيون والبريطانيون، بل حتى أنتم الروس، لم تتمكنوا من العثور على بديل”.
لكن بوتين أصر على موقفه، قائلاً “من غير المحتمل أن يبقى الأسد”، في حين أعاد روحاني التأكيد على موقفه، متسائلاً “من البديل؟ الجيش لا يطيع إلا أوامر الأسد”. وحينها قال الرئيس الروسي مستفسراً عن “أمر أهم”، وفقاً للرواية الإيرانية “ماذا لو تمت الإطاحة بالأسد؟”، فأجاب روحاني “سوريا ستنهار ويجب حمايته”.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال بوتين “ليست لدي مشكلة في تأمين الأسلحة للأسد”، لكن روحاني رد أن “المساعدة العسكرية وحدها غير كافية، يجب تقديم الدعم السياسي”.
ووفقاً للرواية الإيرانية، اتفق الرئيسان في النهاية، بناء على اقتراح بوتين، على تعيين ممثلين خاصين للشأن السوري لوضع خطط تتعلق بمستقبل الأسد. ومع ذلك لم يترك بوتين روحاني، بل أمسك بيده ورافقه حتى سيارته، وعند صعوده همس بوتين في أذنه، قائلاً “لقد أعددت سفينة على ساحل البحر الأبيض المتوسط، وتوجد طائرة في قواعدنا جاهزة في حال الطوارئ حتى يتمكن بشار الأسد من المجيء إلى موسكو”.
محكوم بالمقاومة
هذا التصريح من بوتين هز روحاني، فهل كان بوتين قلقاً إلى درجة أنه كان يفكر في خطة لفرار الأسد؟. لكن روحاني لم يجرؤ على طرح هذا السؤال على بوتين، إذ لم يكُن يعلم ما إذا كان تردد بوتين ناتجاً من قلقه على مصير الأسد، أو أنه كان يخطط لعبور من الأسد نفسه.
وقبل ركوب السيارة، همس روحاني في أذن بوتين، قائلاً “إنها فكرة جيدة، ولكن يجب أن يظل الأسد غافلاً عنها لأنه لا ينبغي أن يعتقد بأن هناك مهرباً له. يجب أن يدرك أنه محكوم بالمقاومة”.
وتفيد المجلة الإيرانية بأن بوتين، في اللحظة الأخيرة، طرح سؤالاً أثار شكوكاً عميقة لدى الرئيس الإيراني في شأن دعم بوتين للأسد، وأثار أيضاً تساؤلات حول احتمال دخول بوتين في مفاوضات مع الولايات المتحدة في شأن سوريا.
وسأل بوتين روحاني “لماذا تكره الولايات المتحدة بشار الأسد إلى هذا الحد؟، فأجاب “لأن أميركا تريد شخصاً تابعاً لها لإدارة دمشق، بينما الأسد لا يُعدّ موثوقاً بالنسبة إلى واشنطن”.
وأشارت المجلة الإيرانية إلى أن تصريحات بوتين أثارت مناقشات على أعلى المستويات الاستراتيجية في طهران، حيث رجحت التحليلات احتمال اتفاق الولايات المتحدة وروسيا على ضرورة رحيل الأسد، مما دفع إيران إلى التفكير في استراتيجية جديدة كي “لا تتحمل عبء الملف السوري بصورة منفردة”.
وكان روحاني يعتقد بأنه يجب تحديد جدول زمني لحل الأزمة السورية، مع التفكير في مهلة تمتد لعامين لتحقيق السلام والإصلاح، لكن الأزمة السورية استمرت لأكثر من عقد من الزمان.
ويأتي نشر تفاصيل الحوار بعد أسابيع من نقاش محتدم في إيران حول تداعيات دعم طهران للأسد، وحاول كبار المسؤولين الإيرانيين، خصوصاً قادة “الحرس الثوري”، الدفاع عن حضورهم في سوريا، ومع سقوط الأسد خرجت الانتقادات في شأن إرسال القوات الإيرانية إلى سوريا إلى العلن.
حديث التآمر
هذه هي الرواية الثانية من ناحية الانتشار التي يقدمها فريق الرئيس الإيراني حسن روحاني حول المحادثات الإيرانية – الروسية المتعلقة بسوريا، بعد تسريب تسجيل صوتي مثير للجدل من وزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف ونائب الرئيس الحالي للشؤون الاستراتيجية الذي سُرّب في مارس (آذار) 2021.
وفي شهادته الصوتية للأرشيف الرئاسي، اتهم محمد جواد ظريف روسيا بالتآمر مرات عدة لقلب الطاولة على الاتفاق النووي في اللحظات الأخيرة من المفاوضات أو خلال الأشهر التي سبقت بدء تنفيذه، وتحدث ظريف عن استدراج بوتين للجنرال قاسم سليماني إلى موسكو بهدف إقناعه بتوسيع النشاط العسكري الروسي – الإيراني، قبل شهرين من دخول الاتفاق النووي بين طهران والقوى الكبرى حيز التنفيذ.
وقلل ظريف بذلك من الرواية “الملحمية” التي تبناها “الحرس الثوري” وحلفاؤه الإقليميون حول دور زيارة سليماني إلى موسكو في إقناع بوتين بالتدخل العسكري في سوريا.
وكان ظريف ينتقد تقويض دور الجهاز الدبلوماسي بسبب الأنشطة العسكرية في الميدان، في إشارة إلى العمليات الخارجية التي كان يشرف عليها سليماني قبل مقتله بغارة جوية أمر بها الرئيس الأميركي دونالد ترمب مطلع عام 2020.
وعام 2017، انضمت حكومة حسن روحاني إلى محادثات آستانا بالتعاون مع روسيا وتركيا بهدف إيجاد حل سياسي للأزمة السورية، ومع ذلك بقيت الكلمة الأخيرة في الملف السوري ضمن نطاق “مجلس الأمن القومي” الإيراني و”الحرس الثوري” اللذين يخضعان لصلاحيات المرشد الإيراني علي خامنئي.
نقلاً عن : اندبندنت عربية