اجتمع بعض أغنى الناس في بريطانيا في وستمنستر الأسبوع الماضي لمناقشة أحد أكثر المواضيع خصوصية ألا وهي ضرائبهم الشخصية. وأقيم الاجتماع غير المتوقع في وون بريدكيغ ووك المطل على وزارة الخزانة في وسط لندن تحت رعاية مجموعة ضغط جديدة تدعى “المستثمرين الأجانب لبريطانيا”. وبدأت المجموعة حملة لإقناع الوزراء بأنهم مجبرون على مغادرة البلاد بسبب التعديلات على نظام ضريبي خاص يعود إلى أيام الحروب النابليونية.
وقالت المحامية المولودة في أستراليا التي نسقت الاجتماع مع المسؤولين من وزارة الخزانة ليزلي ماكلويد – ميلر لـ”التايمز” إنهم أثاروا “الإنذارات” في شأن إنهاء وضع “غير المقيم”، الذي يدعون أنه قد يكلف بريطانيا ما يصل إلى مليار جنيه استرليني (1.3 مليار دولار) من الإيرادات الضريبية، ويتسبب في هجرة بعض أغنى الناس في البلاد.
ويسمح لهؤلاء الـ74 ألف شخص “غير المقيمين” بتجنب الالتزام بالضرائب البريطانية على أرباحهم من الخارج، ومع ذلك دفعوا 8.9 مليار جنيه استرليني (11.6 مليار دولار) من الضرائب على الأموال التي كسبوها في بريطانيا خلال عام 2022-2023، مما يجعلهم مساهمين مهمين في الدولة. ووصل بعض غير المقيمين إلى الاجتماع شخصياً، بينما كان آخرون ممثلين من قبل مستشارين، وهو ما قالت ماكلويد – ميلر إنه يمثل 1000 فرد.
وقالت ماكلويد – ميلر التي ليست بدورها غير مقيمة إن هؤلاء غير المقيمين يقولون إنهم يرغبون في البقاء هنا – ويفضلون ذلك – لكنهم يجذبون من قبل عديد من السلطات القضائية الأخرى، إلا أنها رفضت الكشف عن الداعمين لمجموعة الضغط.
وتحت إشراف وزير الخزانة السابق جيريمي هانت كانت بريطانيا أعلنت عن خطوات لإلغاء وضع “غير المقيم” أخيراً، ويعتقد أن خليفته راشيل ريفز تبحث في تغييرات إضافية على النظام الضريبي، بما في ذلك زيادات في الضرائب، بينما تستعد للإعلان عن موازنتها الأولى في الـ30 من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.
وبينما قد لا يحظى وضع بعض من أغنى الأفراد في بريطانيا بتعاطف كبير من الجمهور، فإن هؤلاء في الأوساط المالية يمثلون رمزاً مهماً لقدرة البلاد على جذب المستثمرين الدوليين.
وجاء الاجتماع بعدما أطلق رئيس الوزراء سير كير ستارمر نبرة متشائمة في شأن الاقتصاد، محذراً الشهر الماضي من أن موازنة راشيل ريفز ستكون “مؤلمة”، وأن من “يمتلكون الأكتاف الأعرض يجب أن يتحملوا العبء الأكبر”.
ومن بين القلقين في شأن تغير النبرة هو برنت هولبرمان الذي يسعى منتدى المؤسسين الذي يترأسه لدعم رواد الأعمال في بريطانيا، وقال “لقد حملوا على عاتقهم الاستقرار والنمو، لكن خطاباتهم الحالية تثير عدم الاستقرار، وقلة الاستثمار، والخوف بين رجال الأعمال… ما هي السياسات المؤيدة للنمو ولرواد الأعمال؟”.
وسيكون الثلاثاء المقبل الموعد النهائي لتقديم السياسات التي سينظر فيها في الموازنة، وأين ترسم خطوط المعركة.
ضريبة الميراث
وتعد الضرائب المدفوعة عند الوفاة واحدة من القضايا الرئيسة التي تثير الاستياء بين غير المقيمين، فوفقاً لاستطلاع أجرته مجموعة “المستثمرين الأجانب لبريطانيا” بالتعاون مع شركة الاستشارات “أوكسفورد إيكونوميكس”، أشار 83 في المئة من غير المقيمين ومستشاري الضرائب إلى التعديلات على ضريبة الميراث بوصفها السبب الأهم وراء مغادرة الأثرياء لبريطانيا.
واعتباراً من أبريل (نيسان) المقبل لن يدفع القادمون الجدد إلى بريطانيا أي ضرائب على الدخل الأجنبي خلال أول أربع سنوات لهم في البلاد، لكن بعد ذلك سيتعين عليهم دفع الضرائب بالطريقة العادية. ويقول المحللون إن هذا يعني أن المستفيدين من غير المقيمين الذين كانوا يعتقدون أنهم لن يضطروا إلى دفع ضريبة الميراث قد يتعين عليهم الآن دفعها.
وقدمت مجموعة “المستثمرين الأجانب لبريطانيا” أفكاراً لإصلاح وضع غير المقيم، بما في ذلك خطة مشابهة للنظام في إيطاليا، التي تفرض على غير المقيمين رسوماً سنوية للحفاظ على وضعهم. وحتى في إيطاليا، كان هناك رد فعل سلبي، إذ اضطرت الحكومة أخيراً إلى زيادة هذه الرسوم من 100 ألف يورو (110.8 ألف دولار) إلى 200 ألف يورو (221.7 ألف دولار). وتراقب الاستثمارات أيضاً ضريبة الميراث في سوق الأسهم الصغرى بلندن، إذ يمكن نقل أسهم الشركات المدرجة في بورصة لندن للأسواق المالية، من دون تحمل مسؤولية ضريبة الميراث إذا كان الأشخاص احتفظوا بها عامين أو أكثر بحلول وقت وفاتهم. وترددت إشاعات بأن هذا الإعفاء الضريبي قد يلغى من قبل ريفز، مما دفع الرئيس التنفيذي لشركة “سينجر كابيتال” في مدينة لندن تيم كوكرفت للتحذير من أن “هذا يبدو وقتاً غير مناسب لإلغاء ذلك عندما تقول الحكومة إنها ترغب في تشجيع الاستثمار”.
ضريبة الأرباح الرأسمالية
وتدور الإشاعات اليوم حول محاولة ريفز مواءمة ضريبة الأرباح الرأسمالية – وهي ضريبة معقدة بمعدل أقصى قدره 28 في المئة – مع ضرائب الدخل، إذ يصل أعلى معدل إلى 45 في المئة.
من جانبه حذر الرئيس التنفيذي لمجموعة الضغط “ذا سيتي يوم كي” ميلز سيليك قائلاً، “الاعتقاد أن بريطانيا تتجه نحو زيادة الضرائب ليس مفيداً من منظور الاستثمار أو من حيث ثقة الأعمال”.
وتراقب صناعة الاستثمار الخاص التطورات الحاصلة من كثب، إذ يستفيد نحو ثلاثة آلاف شخص يعملون في هذا القطاع من دفع ضريبة الأرباح الرأسمالية على الأرباح التي يحققونها من استثماراتهم، والمعروفة بالفوائد المحصلة، ودعت ريفز إلى تقديم أدلة حول كيفية إنهاء هذا النظام ومعاملة هذه المدفوعات بمعدل أعلى من ضرائب الدخل.
من جانبه حذر الرئيس التنفيذي لشركة الاستثمار الخاص “سي في سي” روب لوكاس من أن هذا قد يجبر الأفراد على مغادرة بريطانيا، قائلاً “نحن نعلم أن الناس مرنون جداً. يمكنهم العمل من أي ولاية قضائية بصورة فعالة”.
وتدور إشاعات أيضاً حول أن وزارة الخزانة تفكر في تسوية، إذ سيتمكن أولئك الذين يستثمرون أموالهم الخاصة في الصناديق، وليس فقط من يمنحون حصة فيها كجزء من عملهم، من الاستمرار في دفع ضريبة الأرباح الرأسمالية على أرباحهم. وأظهرت صناعة الاستثمار الخاص في تقديمها إلى وزارة الخزانة أنها قد تكون متفهمة لهذا التغيير.
ضريبة الشركات
وتعهدت ريفز بعدم رفع الضرائب المفروضة على أرباح الشركات فوق المعدل الحالي البالغ 25 في المئة، لكن ذلك لم يمنع البنوك من القلق من احتمال زيادة الضرائب عليها، فهي تدفع بالفعل رسماً إضافياً بنسبة ثلاثة في المئة على ضريبة الشركات، وضرائب على حجم موازناتها.
وعندما يجتمع رؤساء البنوك مع ريفز في “داونينغ ستريت” هذا الأسبوع، من المحتمل أن يقدموا حججهم شخصياً.
وكان هانت فرض ضريبة رياح على شركات النفط والغاز في صورة رسم إضافي بنسبة 35 في المئة على الأرباح، مما جعل الصناعة تدعي أنها تدفع معدل ضريبة إجمالي يبلغ نحو 75 في المئة، وأشارت ريفز إلى أنها تعتزم رفع الرسم الإضافي من 35 في المئة إلى 38 في المئة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتدعو بعض الشركات الصغيرة إلى خفض معدل ضريبة الشركات، وقال جيك هاند الذي يمتلك 27 موظفاً في شركة “رابيد فيوجين” لصناعة الطابعات ثلاثية الأبعاد في إكستر، “سيتيح لي ذلك فرصة لتوظيف مزيد من الأشخاص وتوسيع منشأتي”.
ضرائب وسياسات أخرى
وأوضحت ريفز أنها لن ترفع ضريبة الدخل، أو ضريبة القيمة المضافة، أو مساهمات التأمين الوطني، وستتجنب فرض أي عبء ضريبي إضافي على العمال، لكن رئيس قسم السياسات الضريبية في بريطانيا لدى شركة المحاسبة العملاقة “كي بي أم جي” تيم سارسن قال إنها قد تتمكن من رفع مساهمات التأمين الوطني التي تدفعها الشركات (بدلاً من مساهمات الموظفين). وبمعدل يبلغ نحو 13.8 في المئة، يعد معدل التأمين الوطني الخاص بالشركات أقل من عديد من الدول الأوروبية، مثل ألمانيا، إذ يبلغ 19 في المئة، وإيطاليا 30 في المئة، لكن اتحاد الصناعة البريطانية “CBI” حذر من أن أي خطوة من هذا القبيل “لا تدعم النمو”.
ووعد حزب العمال بإصلاح معدلات الضرائب على الأعمال التي تفرض على الممتلكات التجارية، لكن التفاصيل لا تزال قليلة.
وتخضع خطط الحكومة للسماح بالعمل المرن من أول يوم في العمل، وغيرها من الفوائد، للتدقيق من قبل هيئة التصنيع “ميك يو كي”، وقد أبرزت الهيئة الكلفة المحتملة التي قد تنجم عن تمكين الموظفين من المطالبة بإعانة مرضية من أول يوم من مرضهم، بدلاً من بعد ثلاثة أيام، وتطلب دعماً قدره 60 مليون جنيه استرليني (78.7 مليون دولار) لتغطية هذه الكلفة.
وقال متحدث باسم وزارة الخزانة للصحيفة، “بعد تدقيق الإنفاق، كان واضحاً أن هناك قرارات صعبة تنتظرنا في شأن الإنفاق، والرعاية الاجتماعية، والضرائب لإصلاح أسس اقتصادنا ومعالجة الفجوة التي تبلغ 22 مليار جنيه استرليني (28.8 مليار دولار)، والتي ورثتها الحكومة، وستتخذ القرارات في شأن كيفية القيام بذلك في الموازنة العامة”.
وقال الرئيس التنفيذي لشركة التأمين “فونيكس” المدرجة في (مؤشر فوتسي 100) آندي بريغز، “نريد رؤية خطة واضحة لكيفية تعاون القطاعين العام والخاص لنمو الصناعات، والاستثمار في القضايا المجتمعية مثل الإسكان، ومساعدة سكان بريطانيا من خلال الاستثمار في البنية التحتية والطاقة والتعليم… النمو هو المفتاح”.
نقلاً عن : اندبندنت عربية