تواجه الحكومة الأردنية ضغوطاً نيابية لإقرار قانون عفو عام يشمل معتقلين سياسيين للمرة الأولى بعد تبني لجنة “الحريات” النيابية مذكرة في هذا الشأن.
وفيما تتحدث منظمات محلية ودولية عن اتساع ظاهرة الاعتقال السياسي في البلاد بموجب قوانين عدة كقانون الجرائم الإلكترونية، تنفي الحكومة ذلك وتقول إنه لا معتقلين سياسيين لديها أو معتقلي رأي.
يرى مراقبون أن الأردن شهد في الأعوام الأخيرة تكراراً مفرطاً في إصدار قوانين العفو العام، إذ لم يمض على آخر عفو من هذا النوع سوى أشهر قليلة وتحديداً في أبريل (نيسان) الماضي وشمل 7 آلاف سجين، مما أثار تساؤلات حول الأسباب والدوافع وراء هذا التوجه وتبعاته الحقوقية، فهذه القوانين تُسقط بموجبها الدولة العقوبات عن بعض الجرائم بهدف تحقيق مصالح اجتماعية أو سياسية.
كلفة السجن
من بين الأسباب والمبررات التي تقرها الحكومة عادة للعفو العام التخفيف من الاكتظاظ في السجون، إذ يسهم العفو العام في تخفيف الضغط عليها وتقليل النفقات المرتبطة بها.
ففي عام 2022 كشف وزير الداخلية الأردني مازن الفراية عن اكتظاظ السجون بنحو 20 ألف نزيل، وبلغت نسبة الإشغال 144 في المئة، وتشير تقارير رسمية إلى أن كلفة السجين الأردني تصل إلى 1000 دولار شهرياً.
إلى جانب ذلك تشكل المناسبات الوطنية والدينية مبرراً لإصدار قوانين العفو العام في البلاد، بهدف تعزيز اللحمة الوطنية وإعطاء فرصة للمحكومين للاندماج مجدداً في المجتمع.
كما تتزايد المطالبات الشعبية والنيابية في هذا الشأن مع الأوضاع الاقتصادية الصعبة أو الاحتجاجات الاجتماعية مما يدفع الحكومة إلى الاستجابة لتلك الضغوط.
وتتحدث المنظمات الإنسانية عن ضرورة قوانين العفو العام لإعادة التأهيل والإدماج للسجناء في المجتمع، بخاصة لأولئك الذين ارتكبوا جرائم غير خطرة.
في المقابل يرى حقوقيون ضرورة الاعتدال في استخدام العفو العام، لأن تكراره قد يضعف هيبة القانون ويشجع على التهاون في ارتكاب الجرائم، محذرين من أن الإفراط في إصدار قوانين العفو العام قد يؤثر سلباً في مبدأ سيادة القانون وضرورة العدالة في تطبيق القوانين والعقوبات على الجميع من دون استثناء، مع الدعوة إلى تعزيز البدائل العقابية كالعقوبات المجتمعية وبرامج إعادة التأهيل. ويدعو هؤلاء إلى ضرورة تحقيق توازن بين هذه الأداة القانونية والحفاظ على هيبة القانون وسيادته، مع مراعاة الآثار الاجتماعية والاقتصادية المترتبة على ذلك.
لا معتقلي رأي
الوزير مازن الفراية أصر في أكثر من تصريح على أن مستوى الحريات في الأردن ممتاز، ولا يوجد أي موقوف على قضية حريات داخل السجون.
كما قال وزير الشؤون السياسية والبرلمانية حديثه الخريشة، “لا يوجد في الأردن معتقل سياسي، والحزبي عليه أن يعرف أنه غير محصن لأنه حزبي، وأن عليه أن يلتزم القوانين كغيره من المواطنين”.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن منظمات حقوقية دولية وثقت اعتقال السلطات الأردنية ما لا يقل عن 1500 شخص في أعقاب احتجاجات ضخمة أمام السفارة الإسرائيلية في عمان، إضافة إلى اعتقال ناشطين وصحافيين.
تقول هذه المنظمات إن نحو 18 سجناً في الأردن لا تخلو ممن تم اعتُقلوا بتهم سياسية أو كُيفت قضاياهم على خلفية مواقفهم المعارضة كالكاتب الصحافي أحمد حسن الزعبي، الذي يقضي حكماً بالسجن لمدة عام، وتقول السلطات إنه ارتكب مخالفات لقانون الجرائم الإلكترونية، فيما يقول مقربون منه إنه يعاقب بسبب سقفه المرتفع في نقد الحكومة، وتحديداً بسبب منشور على “فيسبوك” انتقد فيه أحد المسؤولين أثناء إضراب السائقين احتجاجاً على رفع أسعار الوقود.
على سبيل المثال أشارت منظمة العفو الدولية إلى أن السلطات الأردنية حققت مع ما لا يقل عن 43 شخصاً أو قاضتهم في الآونة الأخيرة بسبب تعبيرهم عن آرائهم على الإنترنت، من بينهم ثمانية نشطاء سياسيين وصحافي، وذلك عبر استخدام قوانين صارمة ومبهمة العبارات مثل قانون الجرائم الإلكترونية، وقانون مكافحة الإرهاب، وقانون العقوبات.
أسماء وزانة
بدوره يقول حزب جبهة العمل الإسلامي، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، إن عدداً من أفراده ومنتسبيه اعتقلوا لأسباب سياسية، وإن ثمة عدداً كبيراً من معتقلي الرأي في البلاد أوقفوا وفق قانون الجرائم الإلكترونية، فضلاً عن ممارسات أمنية تضيق على كوادر الأحزاب والناشطين السياسيين والحقوقيين.
ويقر المركز الوطني لحقوق الإنسان، وهو مركز رسمي، بوجود معتقلين سياسيين، منتقداً حملة اعتقالات واسعة طاولت عدداً من الأفراد والناشطين لمجرد نيتهم في ممارسة حقهم في التجمع السلمي، خلافاً للدستور الأردني والمعايير الدولية لحقوق الإنسان والتشريعات الوطنية.
ولم يعرف بعد ما إذا كان سيشمل أي عفو مقبل معتقلين سياسيين بارزين كعضو البرلمان الأسبق أسامة عجارمة، الذي يقضي عقوبة بالسجن لمدة 12 عاماً، ورئيس الديوان الملكي الأسبق باسم عوض الله المتهم في “قضية الفتنة” الشهيرة، أم أن الأمر سيقتصر على بعض النشطاء السياسيين فقط.
تاريخ العفو
شهد الأردن تاريخياً نحو 18 عفواً، ويسرد المحامي حازم صباح تاريخ قانون العفو العام في الدولة الأردنية وارتباطه بالإطار القانوني والشعبي، فقد شهدت البلاد عام 1999 قانون عفو عام تلاه آخر في 2011 وثالث في 2019، موضحاً أن هذه القوانين تشير إلى حال من التفهم الرسمي للظروف الحياتية والاقتصادية للمواطنين من غير أن يكون هناك تعارض أيضاً مع فكرة دستورية الدولة والحرص على العدالة، لأن هذا العفو يزيل الحال الجرمية تماماً.
لكنه أشار إلى وجود استثناءات كالجرائم التي تمس الأمن الوطني والسلم المجتمعي، كجرائم التجسس والإرهاب والمخدرات والتزوير والاختلاس والقتل.
وحول إمكانية صدور عفو خاص من العاهل الأردني قد يشمل سياسيين، يضيف المحامي صباح، أن المادة 38 من الدستور الاردني قالت إن للملك الحق في إصدار عفو خاص وخفض العقوبة، أما العفو العام فيصدر بموجب قانون يمر بمراحله الدستورية.
ويوضح أن هذا العفو متعلق بالحال الجرمية وآثارها، إذ يزيلها ويزيل الأثر الجرمي لها، في حين أن العفو الخاص يمس الشخص نفسه، ومن ثم يبقى القيد عليه وفي سجله، لكن الملك يعفي هذا الشخص باسمه من العقوبة.
نقلاً عن : اندبندنت عربية