لا يعد عمل داني مملاً، إذ يقول “في الصباح، قد أكون جالساً في ممر قذر، مرتدياً زي المشردين، أراقب هدفاً في المكتب الذي يقابلنا عبر الطريق، وبعد بضع ساعات، قد أكون مرتدياً بدلة، أتابع الرجل في المدينة وأحاول الاقتراب بما يكفي لسرقة هاتفه”. لترجمة بعض المصطلحات من خبرة داني التي امتدت 15 عاماً في الشرطة، تشير “المراقبة المباشرة” إلى شخص في فريق المراقبة لديه أفضل رؤية للهدف، و”سرقة الهاتف” تعني تنزيل محتوياته.

وبينما قضى داني معظم سنوات العشرينيات والثلاثينيات في خدمة دافعي الضرائب وهو يتعقب تجار المخدرات وعصابات الجريمة، أصبح الآن محققاً خاصاً في السوق المتنامية للتحقيقات الخاصة، وهي صناعة، وفقاً لشركة الأبحاث “فاكت دون أم آر”، حققت مبيعات بقيمة 14.4 مليار جنيه استرليني (18.2 مليار دولار) في جميع أنحاء العالم في عام 2022.

من المؤكد أن الرئيس التنفيذي السابق لمجموعة الأزياء السريعة عبر الإنترنت “بوهو” جون ليتل تعرض لمضايقات هذه الصناعة، فبعد مراقبة مستمرة ومرعبة ومقتحمة من قبل محققين خاصين، استقال أخيراً من منصبه بعد خمسة أعوام من العمل.

وفي واحدة من أبرز حالات التحرش التي طاولت مدينة لندن في الذاكرة الحديثة، يدعي هو وزملاؤه في مجلس الإدارة أنهم كانوا يتعرضون للمتابعة بانتظام من قبل رجال، وأن منازل عائلاتهم كانت تراقب من الشارع.

طائرات مسيرة

يقال إن ليتل واجه شخصين متسللين في ممتلكاته، وجرت متابعته في كنت ولندن ومانشستر. في إحدى المرات، عندما توقف وتحدث إلى الرجال الذين كانوا يتبعونه، قالوا إنهم “قدامى المحاربين” خرجوا للتنزه، بحسب ما يزعم.

ويقال، إن أحد مؤسسي “بوهو” محمود كاماني تعرض للضرب من أحدهم، علاوة على ذلك جرى إطلاق طائرة مسيرة فوق المقر الرئيس لشركة “بوهو مان” بمانشستر، في محاولة على ما يبدو لمراقبة من بداخلها، بينما عثر على كاميرا مراقبة موجهة إلى الأبواب الأمامية للمقر الرئيس القريب، وجرى استرداد شريحة “SIM” من داخل الكاميرا، ويجرى التحقيق فيها.

ووفقاً لأحد كبار المسؤولين في الشركة، “يعبر الأشخاص المتورطون عن قلقهم الحقيقي في سياق ما حدث للتو في الولايات المتحدة بعد حادثة إطلاق النار القاتلة على الرئيس التنفيذي لشركة يونايتد هيلث، براين تومسون”.

صحيفة “صنداي تايمز” تحدثت إلى أحد المحققين، الذي سئل قبل نحو ثلاثة أعوام، إذا كان يرغب في العمل على مهمة يشتبه في أنها تتعلق بهذه القضية، وقال إنه رفض، لأنه شعر بعدم الارتياح في شأن طبيعة المراقبة المطلوبة.

تحقق الشرطة في احتمالية ارتكاب جرائم مطاردة، على رغم أنه لم يقبض على أي شخص حتى الآن، ولا تزال هوية الجناة المزعومين غير معروفة، وكذلك هوية أي شخص أو منظمة قد تكون كلفتهم بهذه المهمة، ولا تزال التحقيقات مستمرة ولم يعتقل أي أحد حتى الآن.

تأتي هذه الاتهامات في وقت يشهد مجلس إدارة “بوهو” صراعاً مريراً مع مجموعة “فريزرز” التي ترغب في أن يصبح مؤسسها مايك آشلي رئيساً تنفيذياً لشركة “بوهو”.

وقال أحد المحامين في الشركات الكبرى، “استخدم مجموعة من المحققين المتخصصين في مجالات مختلفة، ومن ثم استمر في سرد المهام التي تراوح ما بين استخدام المعلومات المتاحة علناً لتعقب أصول المحتالين حول العالم، والمهام الأكثر إثارة للشكوك مثل استخدام كاميرات خفية ووضع أجهزة تتبع على السيارات، وصولاً إلى الأساليب غير القانونية مثل التسلل إلى منازل الأشخاص”.

وعادة ما تعمل الأمور على النحو التالي، يخبر الرئيس التنفيذي رئيس أمنه أو مكتب المحاماة بالمشكلة التي تحتاج إلى حل، ويتواصل هذا الشخص مع صديق موثوق به في مجال المراقبة الخاصة، إما فرداً أو وكالة استخباراتية. ويتفقون على الشروط والإجراءات المناسبة، ويعينون مسؤولاً لتوظيف المشغلين الميدانيين الذين سيحصلون على أجر يزيد على 60 جنيهاً استرلينياً (75.7 دولار) في الساعة، ويلاحظ هنا درجة الفصل بين الأشخاص المخفين على الأرض والرئيس الذي كلف بالعمل.

ولا تعمل جميع الشركات بهذه الطريقة، إذ كان أندرو ووردسوورث، شريك استشارات التحقيقات “رايداس”، يعمل محققاً خاصاً منذ تسعينيات القرن الماضي، وهو من أقارب الشاعر ويليام ووردسوورث، ويختلف عن أفراد سابقين في قوات النخبة “SAS” الذين يعملون بالمراقبة الميدانية، وتتخصص شركته في إدارة التحقيقات بالتعاون مع شركات المحاماة، وتعتمد بصورة كبيرة على مقابلة الأشخاص والعمل المتقدم باستخدام قواعد البيانات.

وبينما دفع أندرو ووردسوورث في السابق لتتبع أهداف معينة، فإن المراقبة المزعومة لشركة “بوهو” صدمته، قائلاً “وضع شخص تحت المراقبة يعد خرقاً محتملاً لحقوق الإنسان، عليك كتابة مبرر طويل حول سبب فعل ذلك مسبقاً، لا يمكن أن تقول ببساطة: لنشعرهم بالقلق والبارانويا… إذا خرقت قانون البلد الذي تعمل فيه، فإن ذلك لا يساعد العميل بل قد يستخدم ضده، ويجب على المحققين الذين يجمعون مواد لاستخدامها في المحكمة أن يكونوا مستعدين للوقوف في قفص الاتهام والإجابة عن دقة المعلومات وكيفية الحصول عليها”.

“فخ المال”

أن تكون تحت المراقبة هو تجربة مخيفة بوضوح، كما يمكن لألوك سما أن يشهد على ذلك، فعندما كان يشغل منصباً رفيعاً في شركة “سوفت بنك” للاستثمارات الضخمة التابعة لماسايوشي سون، تعرض هو ومديره آنذاك، رئيس “سوفت بنك” نيكيش أرورا، للمراقبة كجزء من حملة تشهير.

أول مرة علم فيها بالأمر كانت عندما حضر عميلان سابقان في جهاز “الموساد” جرى توظيفهما من قبل “سوفت بنك” إلى لندن للقائه وعرضا عليه سلسلة من الصور من ملف كان يتداول عنه من قبل عدو غير معروف. ويقول الرجل، “أول صورة كانت لمنزلي في كينسينغتون حيث كنت أقف أمام زوجتي مايا وابنتنا أليا وكلبنا إيلي”.

كانت هناك صور أخرى تظهر مايا في منزل والديها في دولويتش، جنوب لندن، وصورة لـسما خارج مبنى شقتهم في سان فرانسيسكو، وفي ملعب غولف، وقال “كنت مرعوباً”. ومثل رئيس “بوهو”، فكر في الاستقالة وسط الضغط الذي تعرض له، لكنه نصح بأن ذلك قد يعد اعترافاً بالذنب.

يضيف سما في مذكراته “فخ المال”، “دفعت شركة سوفت بنك أتعاب المحامين ليكتشفوا ما يحدث، إذ استعانت الشركة بمكتب المحاماة كرول، الذي اكتشف أن محققين شركات كلفوا بالحفر في حياة سما ونشر المعلومات المغلوطة في وسائل الإعلام. فقط في وقت لاحق، كشف في تحقيق من صحيفة “وول ستريت جورنال” أن الشخص الذي كان يدفع المال كان زميلاً يحاول تحسين مسيرته المهنية، ونفى الزميل هذا الادعاء”.

كشفت الصحيفة أن أرورا كان ضحية لمكيدة فاشلة في بار بفندق في طوكيو، واستذكر سما أن “سيدة آسيوية ذات قوام ممشوق” اقتربت منه في البار، قائلاً “لم تكن مهتمة بي، لكنها بدت مضطربة لأنها فاتها لقاء نيكش”، وذكرت مصادر الصحيفة أن غرفة أرورا في الفندق زودت بالكاميرات في محاولة للحصول على صور محرجة له.

مطالبات بتنظيم صناعة المراقبة

وتعد الفخاخ الجنسية أمراً شائعاً في عالم التحقيقات الخاصة، وقال داني الضابط السابق في الشرطة، “يمكن استخدامها لشيئين الحصول على صور محرجة أو كتكتيك للتشتيت، تكتشف ما إذا كان الهدف يحب الشقراوات أو الأولاد أو المتحولين جنسياً، ثم تجد شخصاً من موقع مثل أدالت وورك دليل العاملين في مجال الجنس عبر الإنترنت، وتخبرهم بما تحتاج إليهم للقيام به، وتنطلق”. وأشار إلى أنه استخدم فخاً جنسياً لاختراق هاتف هدفه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتثير مثل هذه القصص غضب أولئك الذين يحاولون العمل في جانب “أنظف” من التجارة. جوناثان بينتون، الضابط السابق في الشرطة الذي أسس وكالة للتحقيقات المؤسسية تسمى “إنتليجنت سانكتشوري”، قال رداً على القضية المزعومة مع “بوهو”، “إنه أمر مقزز، فكثير من منافسينا يذهبون إلى مداخل المنازل ويضعون أجهزة تتبع على سيارات الناس وعلى ممتلكاتهم الخاصة من دون أن يدركوا أن هذا غير صحيح. أنا غاضب لأن هناك من يحاولون إدارة أعمال مشروعة، التعامل مع القضايا المعقدة، والتعامل مع الاحتيالات، إذ لا تأخذ الشرطة القضايا”.

بينتون من بين عدد متزايد من العاملين في القطاع الذين يطالبون بتنظيمه لوقف السلوكيات السيئة. وفي الولايات المتحدة، تحتاج إلى رخصة لتكون محققاً خاصاً، ومعظمهم كانوا في إدارة مكافحة المخدرات أو مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI).

هذه الدعوة يدعمها النائب المحافظ ديفيد ديفيس، الذي قال، “ما طالبت به هو تشديد التنظيم لهذه الصناعة بأكملها، عبر الحد من الممارسات التي ترهب الناس، والمراقبة غير القانونية وقضية بوهو تعزز هذا المطلب”.

هناك عديد من الأسباب التي تدفع الأشخاص لتوظيف المحققين، فالشركات الصغيرة تباشر أعمالاً نشطة في إثبات الخيانة الزوجية وادعاءات التأمين الكاذبة، بينما تعد أكبر الجهات المنفقة على جمع هذا النوع من المعلومات الاستخباراتية هي شركات المحاماة في لندن، إذ تستخدم هذه الشركات المحققين بصورة دورية لجمع الأدلة ضد الشركات أو الأفراد الذين يلاحقهم عملاؤها الأثرياء في دعاوى قضائية، وحولت هذه العمليات شركات مثل “K2″ و”Diligence” إلى شركات ضخمة، فمعظم هذه الشركات تفتخر بكون موظفيها من الجنود السابقين وأفراد الشرطة المدربين، على حساب دافعي الضرائب، في العمل الاستخباراتي السري.

نقلاً عن : اندبندنت عربية