يتحول شكل التفاعل البشري بشكل جذري في عصر يشهد استخدام أكثر من 3.5 مليار شخص للأجهزة المحمولة، وأكثر من ملياري مستخدم نشط على منصات التواصل الاجتماعي حول العالم. وتبرز أهمية الفضاءات الافتراضية التي تسمح بالتفاعل دون ارتباط بالزمان أو المكان أو حتى التواصل الجسدي، وهو تحول غير مسبوق في تاريخ التطور البشري، كما أشارت إليه دراسة لمؤسسة “بي أم سي” المتخصصة في الطب النفسي.
كيف يعيد الإنترنت تشكيل هويتنا
في العالم الحقيقي، تُبنى الهوية الاجتماعية من خلال تواصل متكرر وفعلي مع الآخرين، عبر مشاركة القيم والأنشطة المشتركة، بينما في الفضاء الافتراضي يتم تشكيل الهوية بصورة ذاتية عبر المحتوى المنشور مثل الصور ومقاطع الفيديو والتعليقات، مما يفتح المجال أمام إنشاء هويات مزيفة وزيادة مخاطر الاحتيال الإلكتروني.
ويختلف التفاعل في الفضاء الافتراضي عن الواقع بتجرده من التجسيد والتزامن، حيث يمكن أن يكون التواصل أحادي الاتجاه أو يحدث بشكل غير متزامن، مثل إعادة التغريد أو التعليق على منشورات، وهو ما يغير طبيعة المعلومات الاجتماعية المتبادلة ويؤثر على جوانب نفسية واجتماعية متعددة.
تشير الدراسات إلى أن الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي يؤثر على نشاط الدماغ، خصوصًا في المناطق المرتبطة بالانفعالات والتفاعلات الاجتماعية، ويزيد من انتشار اضطرابات نفسية مرتبطة بدماغ التفاعل الاجتماعي، المسؤول عن فهم مشاعر وحالات الآخرين.
كما تربط الأبحاث بين الاستخدام المكثف لمواقع التواصل والنرجسية الاستعراضية، حيث يزداد تعبير الأفراد عن الذات عبر نشر الصور وتحديث الحالة، مما يعزز حاجتهم للاعجاب ويؤدي إلى سلوكيات تضخيم الذات، وقد تصل تأثيرات الاستخدام الطويل إلى العزلة الاجتماعية واضطرابات النوم والتركيز، مع آثار سلبية على المزاج والذاكرة، بالإضافة إلى اضطرابات تتعلق بالأوهام الاجتماعية وتشوه إدراك الذات.