تقدر الموظفات المصريات أية مساعدة تقدم لهن، فبعضهن لا يستطعن الانتظام في مهنهن الأساسية لولا الاعتماد على المعاونة في الأعمال المنزلية، سواء في ما يتعلق بمهام التنظيف أو تحضير الطعام أو رعاية الأطفال، وفي بعض الأوقات تكون البيوت في حاجة لهذه الخدمة حتى لو كانت سيدة المنزل غير منخرطة في أي مهنة، لكنها تجد أموراً مثل التنظيم والترتيب والطهي تمثل مشقة ولا تمتلك هي المهارات اللازمة لها، أو تكون حالتها الصحية ليست على ما يرام، فتدفع أموالاً مقابل اقتسام تلك الأعمال مع أخريات.
الاستعانة بخدمات المساعدات المنزليات هي عادة في الأساس تنتشر في المدن، إذ تفضل القرويات عدم إنفاق المال على مثل هذه الأمور، لكن هذه القاعدة لا تمنع الاستثناءات، فهناك عائلات ميسورة في الجنوب المصري تستعين أيضاً بمساعدات، والملاحظ أيضاً أن العلاقة بين العاملة المنزلية وسيدة البيت خضعت لتبدلات متعددة على مدى عقود، فبعد أن كانت عنصراً أساسياً في البيوت مهما كان المستوى الاقتصادي لأصحابها، حتى إن صغار الموظفين كان لديهم “شغالة” شبه مقيمة، باتت حكراً على بعض العائلات، بل أصبحت رمزاً لثراء أصحاب البيت.
خلال العامين الأخيرين اختلفت الخريطة الاقتصادية، بسبب ارتفاع مستويات التضخم وموجات تعويم العملة، ومن ثم لم يعد أحد من الأسر المتوسطة يستعين بعاملة المنزل إلا للضرورة، فبعضهم قلص أيام الاستعانة بها، وبعضهم استغنى عنها تماماً، بخاصة العاملات الأجنبيات اللاتي يتقاضين رواتبهن بالدولار، فهناك أسر كثيرة تفضل الاستعانة بالأجنبية لأسباب كثيرة، في الأقل لأن منظومة العاملات الأجنبيات هي أكثر تقنيناً مقارنة بنظرائهن المصريات اللاتي لا يخضعن لقوانين العمل، ولا تحكمهن أي قيود أو عقود، بل يمارسن مهامهن على الهامش، وبصورة غير رسمية، وفي كل مرة تتعثر مشاريع قوانين تصحيح ظروفهن.
البحث عن غطاء قانوني
وفي حين تعمل وزارة العمل المصرية حالياً على مسودة قانونية لتقنين أوضاع العاملين بالخدمات المنزلية لضمان أهليتهم وتدريبهم، وللحصول على تراخيص وكذلك لمنع عمالة الأطفال، وأيضاً للمحافظة على حقوقهم القانونية، فإن الوضع القائم حالياً يستند إلى قانون العمل المصري رقم 12 لعام 2003 الذي يستثني فئة عمال الخدمة المنزلية من أحكامه، وعلى رغم ذلك يؤكد المحامي بالنقض صبحي القلعاوي أن العمال الذين يقدمون خدمات في المنازل سواء في ما يتعلق بالعناية بالحدائق أو التنظيف وخلافه يندرجون تحت بند أصحاب المهن الحرة، بالتالي لزاماً عليهم أن يكون لديهم سجل تجاري وبطاقة ضريبية لتدوين مدخولاتهم ومؤهلاتهم وبياناتهم.
وكانت مصلحة الضرائب المصرية أصدرت بيانات رسمية نهاية عام 2022 تطالب فيها أصحاب الأعمال الحرة بسرعة التسجيل في المنظومة ومن ضمن ما جاء فيها أن “جميع أصحاب المهن الحرة ملزمون بالتسجيل في منظومة الفاتورة الإلكترونية وإرسال فواتيرهم في حالة التعامل مع منشآت مسجلة بمصلحة الضرائب على منظومة الفواتير الإلكترونية”، ولما كان تنفيذ تلك الأمور صعباً للغاية بالنسبة لعاملات المنازل، بخاصة غير التابعات للمكاتب المتخصصة أو التطبيقات التي باتت تنتشر أخيراً، بل يعملن وفقاً لظروفهن وبصورة غير منتظمة، ومن طريق علاقاتهن الشخصية فحسب، فإن الوضع يبقى خارج إطار الرسمية في غالبية الأحوال.
وبحسب ما تشير إليه المحامية دينا عدلي حسين فإنه من الممكن اللجوء لصيغة العقد الفردي من أجل الحماية القانونية للطرفين إذ يتم فيه تحديد ساعات العمل والأجر وكل التفاصيل. وهو حل يبدو ملائماً، لكن على أرض الواقع تكون هناك صعوبة كبيرة في التعامل مع عمالة موقتة بطريقة التعاقدات الملزمة، وهذا وفقاً لتجربة ليلى عامر وهي أم لطفلين ما بين المرحلة الإعدادية والابتدائية، إذ حاولت التكيف مع الظرف الاقتصادي منذ زواجها قبل نحو 15 عاماً، مستندة في البداية إلى ما اعتادت عليه في منزل عائلتها القاهرية، إذ تشير الموظفة بأحد البنوك الكبرى، إلى أنها نشأت في طبقة متوسطة وعاشت وأشقاؤها ووالداها بمنزل متسع وكانوا ميسوري الحال، لكن من دون فائض مالي كبير، مضيفة “على الدوام كانت هناك شغالة مصرية فلم نكن نتحمل كلفة استئجار خادمة أجنبية في ذلك الوقت، وعلى رغم أن الوالدة لم تكن تعمل، لكن نظراً إلى مساحة الشقة، ولمتطلبات أربعة أبناء وكذلك المعايير العالية في مستويات النظافة والنظام والترتيب والحاجة للخروج لبعض الوقت من دون أن تصطحبنا الوالدة معها، كان هناك حاجة دوماً لمثل هذه المساعدة”.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتضيف عامر أنها وجدت نفسها في حاجة أكبر لهذه المساعدة نظراً إلى أنها موظفة ولن تترك وظيفتها لأي سبب، كما أن زوجها لم يمانع. وأشارت الأم الأربعينية إلى أنها جربت عاملة مصرية جيدة للغاية كانت تأتيها لمدة ثلاثة أيام في الأسبوع لكن فكرة التعاقد كانت مستحيلة، لأنهن يتخوفهن أصلاً من تلك الأمور ويفضلن أن يتعاملن بحريتهن.
وفي ما بعد جربت ليلى عامر عاملة أخرى نيجيرية مقيمة في المنزل لترعى الأطفال فحسب، لكنها لم تكن تتحدث لا العربية ولا الإنجليزية كما أنها كانت صعبة المراس، ثم عادت إلى المصرية مرة أخرى بعد أن كبر الأبناء، لكنها واجهت معها صعوبات كثيرة لا سيما في التأخير عن الحضور، وفي المتطلبات التي لا تنتهي فبخلاف الراتب كانت تطالبها بإعطائها بعض الأثاث المنزلي أو الملابس أو أدوات المطبخ، وفي النهاية تخلصت منها بعد أن اكتشفت اختفاء بعض الأشياء من البيت من دون سبب.
سلم الأجور بين المصريات والأجنبيات
تختم الموظفة حديثها قائلة، “الآن اخترت عاملة إثيوبية من مكتب توظيف مرخص، واطلعت على جميع وثائقها وتصاريح الإقامة والعمل، وتأكدت من سلامة جواز السفر، كما أن هناك تعاقداً بيني وبين الشركة التي استقدمتها، وفي حال حدوث أي أزمة سيتم استبدالها، إذ أدفع لها 350 دولاراً شهرياً وهي تقوم بأعمال كثيرة في المنزل إضافة إلى المكوث مع الأبناء في غيابي، ومقارنة مع نظيرتها المصرية فالأخيرة إذا كانت مقيمة تحصل على راتب يعادل نحو 13 ألف جنيه (نحو 270 دولاراً)، من ثَم فالفرق ليس كبيراً أبداً”.
على عكس ما يعتقد كثر فإنه وفقاً لما يذكر ياسر نور الدين (اسم مستعار) الذي يمتلك إحدى شركات استقدام العمالة المنزلية، ويعمل في المهنة منذ أكثر من 10 أعوام، فإن رواتب العاملات غير المصريات تتنوع بصورة كبيرة، بل إن كثيرات منهن يتقاضين أجوراً أقل من المصرية، إذ تتحدد رواتبهن، وفقاً لمهاراتهن سواء في أداء المهام، وكذلك مستوياتهن العلمية وعدد اللغات التي يتحدثنها وخبراتهن في الرعاية الصحية أو الاعتناء بالأطفال، وكذلك تقييمات العملاء السابقين لهن، مشدداً على أن الأكثر مهارة وإقبالاً في السوق المصرية هن الفيليبينيات، إذ يمكن أن تصل أجور المقيمات إلى ألف دولار شهرياً بسبب احترافيتهن، وبعدهن الإندونيسيات برواتب تصل إلى 700 دولار، في حين تراوح أجور الأفريقيات من بين 250 دولاراً إلى 550 دولاراً.
يوضح نور الدين أن الاتفاق على الراتب تتحكم به عناصر عدة بينها حجم المنزل، وإذا كان ملحقاً به حديقة أم لا، وعدد الإجازات السنوية للعاملة، ومستوى الغرفة المتوافرة لها، إذ تحصل على خدمات الإقامة والطعام والملابس مجاناً إضافة إلى المبلغ المالي، وكذلك توجد جنسيات أخرى مثل الروسية لكنهن أقل انتشاراً.
مطاردة الدولار للفوز بعاملة جيدة
لكن تبقى المعضلة الأساسية أمام الاستعانة بالعاملات الأجنبيات اللاتي تفضلهن بعض الأسر، هو توافر الدولار، إذ يحصلن على رواتبهن بالعملة الصعبة ليسهل تحويلها إلى دولهن وعائلاتهن التي يعيلونها بالتبعية، إضافة إلى أن بعضهن قد يسببن مشكلات إذا كانت وثائقهن غير مكتملة، أو يعملن من دون تصريح، بخاصة أن نسبة لا بأس بها منهن يكن لاجئات ومن السهل عليهن أن يشتكين تعرضهن لأي مضايقة للمفوضية، وهو أمر يجعل أرباب أعمالهن في قلق دائم.
تقول ميريهان خالد، إن الأشهر القليلة التي سبقت تعويم الجنيه المصري في مارس (آذار) الماضي كانت هي الفترة الأكثر اضطراباً والتي جعلتها تتخذ قرار الاستغناء عن عاملتها المنزلية الفيليبينية، على رغم أنها كانت أمضت لدى عائلتها الصغيرة التي تسكن في أحد التجمعات السكنية بمنطقة الشيخ زايد أربعة أعوام.
أضافت أنها حاولت معها مراراً أن تحصل على راتبها بالجنيه المصري حتى بسعر السوق السوداء وقتها لكنها رفضت تماماً، مضيفة أن كثيرات من صديقاتها اتخذن قرارات مماثلة، مشيرة إلى أن الأزمة كانت في عدم توافر العملة وأيضاً بسبب الفحوة الكبيرة بين سعر الدولار بالنبوك وبين سعره الرسمي (30 جنيهاً) حيث كان يصل إلى أكثر من الضعف وقتها.
وتابعت، “كانت العاملة بالنسبة إلي مثالية بخاصة أن سابقتها كانت أوقعتنا في ورطة بسبب عدم انضباط أوراقها الثبوتة، وأيضاً كان وضعها غير قانوني ومن يومها ونحن ندقق كثيراً في المكاتب التي نتعامل معها، والآن بعد استقرار الأوضاع أصبحت أستقدم مساعدة فيليبينية أيضاً عند الحاجة فحسب، إذ إن المشاغل المنزلية أصبحت أقل لأنني تفرغت لرعاية الأبناء، وتحصل العاملة على ما بين خمسة و10 دولارات في الساعة، وأقوم عادة بطلبها من خلال أحد التطبيقات المتخصصة في هذا الأمر، والأوضاع تسير على ما يرام حتى الآن”، مشددة على أنها تفضل العاملات الأجنبيات لأنهن يتمتعن بصفة أساسية وهي عدم التدخل في شؤون الغير، كما أن قلة معرفتهن باللغة العربية تجعلهن على غير دراية بتفاصيل ما يجري بالتالي لا يخرجن أسرار المنزل إلى الأغراب”.
التحايل على القانون
في حين أن التعاقدات الرسمية يمكن أن تضمن سلامة الموقف لطرفي علاقة العمل، إلا أنه في بعض الأوقات يتم التحايل على القانون، فوفقاً لمصدر قانوني رفض ذكر اسمه فإن هناك شروطاً شبه تعجيزية لاستقدام العاملة المنزلية من الخارج وذلك كي لا يأخذن فرص نظيراتهن المصريات، من ثم كثيرات منهن يعملن من دون تصريحات عمل رسمية وخارج منظومة القوى العاملة وهيئة الاستثمار، من ثم يقدمن خدماتهن بصورة غير شرعية، لكن بالطبع حينما تُكشف هذه الأمور تقوم الجهات الأمنية بترحيلهن إلى بلدانهن.
ويضيف المصدر نفسه، “الأمر معقد تماماً، فاقتصاد بعض الدول الأجنبية قائم على هذه العمالة، ولهذا يقدمون مساعدة للعاملات في استخراج أكثر من هوية، فإذا حدث وكُشف عدم قانونية أوضاعهن يلجأن لجواز السفر البديل، كما أن كثيرات منهن يأتين مباشرة إلى مطار شرم الشيخ باعتبارهن سياحاً، ثم يسافرن إلى باقي المحافظات مثل القاهرة والجيزة وممارسة عملهن من دون إقامة عمل، وبالطبع يقعن تحت طائلة القانون في مثل هذه الظروف وكذلك العائلات التي تستعين بهن، وقد يصل الأمر إلى تهم الاتجار بالبشر والسخرة، ومع ذلك نظراً إلى احترافيتهن واهتمام دولهن بتدريبهن جيداً لا يزلن مفضلات لدى قطاع لا بأس به”.
الاطمئنان أولاً
على العكس لا تطمئن الطبيبة نورين عدوي أبداً على أبنائها أو حتى طعام عائلتها إلا في وجود مساعدة مصرية، مضيفة أنهن بالنسبة إليها أكثر يسراً في التعامل وثقة وتفهماً، ومشكلاتهن لا يمكن قياسها بالأجنبيات، إذ تستعين الطبيبة التي تداوم بمستشفى خاص بعاملة تعدها بمثابة فرد من عائلتها إذ كانت هي ووالدتها تعملان لدى الأسرة منذ عشرات الأعوام، وتعد نفسها محظوظة للغاية لأنها تعرف كم هي شاقة مهمة إيجاد مساعدة منزلية على درجة من الأمانة والثقة، وإتقان العمل والمهارة، مشيرة إلى أنها تتقاضى 9 آلاف جنيه شهرياً مقابل ست ساعات لمدة أربعة أيام في الأسبوع، فيما الشقة مكونة من ثلاث غرف وبهو ومطبخ ودورتي مياه وشرفة كبيرة، وإلى جانب أعمال التنظيف هي أيضاً تساعد في تجهيز الطعام وتفريز بعض الوجبات الإضافية.
وبناء على مقابلات مع ربات بيوت ونساء عاملات، فإن متوسط راتب العاملة المصرية باليومية يراوح ما بين 300 جنيه و850 جنيهاً (ما يعادل تقريباً ستة إلى 17 دولاراً) وذلك وفقاً لاتساع المنزل ومدى عمق التنظيف والمهام المطلوبة في المطبخ وأيضاً رعاية الأبناء، وكان المبلغ أقل من النصف قبل التعويم الأخير، لكن الأسعار ارتفعت بصورة كبيرة منذ نحو سبعة أشهر، في حين تبدو أعداد العمالة المنزلية في مصر غير خاضعة لتقدير دقيق، إذ تراوح وفقاً لتقارير عدة ما بين نصف مليون ومليون ونصف، شاملة الأجانب أيضاً.
نقلاً عن : اندبندنت عربية