يدور سباق على إنتاج عقاقير جديدة تكبح الشهية وتحسن تنظيم مستويات الغلوكوز ويمكنها أن تحل محل الحقن، لكن هل تنفع هذه العقاقير حقاً؟ زوي بيتي تلقي نظرة على التغيير السريع في المجال الصحي واتجاهه نحو إحداث ثورة في مجال إنقاص الوزن – ومعالجة أزمة البدانة المتفاقمة
منذ ما يربو على سنتين انتشر الحديث عن عقار جديد. وسرعان ما أصبح “أوزمبيك” يعد دواء “معجزة” مع أنه لم يكن من الممكن لكثيرين أن يتنبأوا بسرعة التغيير الذي سيدخله إلى قطاع خسارة الوزن، ولا بدرجة تأثيره عليه. وبات هذا الدواء في صلب سعي محموم في هوليوود وأداة قابلة للحقن تسمح لسائر الناس بتحقيق التحول في الشكل بين “قبل وبعد” في وقت قياسي.
ومنذ تلك اللحظة مرت أحداث عديدة في “عصر أوزمبيك” – منها الحذر وإنكار المشاهير (الذي سرعان ما لحقته اعترافات كثيرة لعدد كبير من المشاهير من بينهم أوبرا)، ثم طفرة الإنجاب الظاهرية والقلق من الأعراض الجانبية (وهي لا تناسب أصحاب الهمم الضعيفة: ومنها الغثيان والصداع والتقيؤ والإسهال)، و”استرداد” الوزن المفقود بعد توقف المستخدمين عن تناول الدواء.
لكن ذلك لم يؤثر في الشعبية المتعاظمة لعقار “أوزمبيك” وغيره من ناهضات “1-جي أل بي” GLP-1 مثل “ويغوفي” و”مونجارو”. ونحن نعيش في الواقع حال من النقص العالمي في توفر هذا الدواء، فيما يعاني الأشخاص الذين وصف لهم عقار “سيماغلوتيد” لعلاج السكري من النوع الثاني – وهو الغرض الأساس منه – من مشكلات في إمداد الدواء بسبب ارتفاع إعطاء الوصفات الطبية “لغير الغاية الأساس من الدواء”، أي من أجل خسارة الوزن.
ويجري الآن “تقييد يد مستخدمي أوزمبيك” الذين يكذبون في شأن مؤشر كتلة جسمهم، فيما ترتفع أسعار العقار الباهظة أساساً – إذ يكلف نحو 200 جنيه استرليني شهرياً في المملكة المتحدة مقابل نحو 1000 دولار (824 جنيهاً) في الولايات المتحدة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومع ذلك لم ينته هوسنا به، بل في الواقع، تلوح في الأفق بوادر حقبة جديدة في عمر هذا العقار، إذ يباع شكل فموي من “أوزمبيك” – واسمه “ريبلسوس”، وطورته شركة “نوفو نورديسك” Novo Nordisk التي تصنع “أوزمبيك” و”ويغوفي” – في الأسواق الأميركية والبريطانية مع أنه لا يمكن الحصول على الدواء حالياً سوى بوصفة طبية لبالغين مصابين بالسكري من النوع الثاني.
وأكدت الشركة في بيان لها إنها “أنهت التجارب السريرية لعقار (سيماغلوتيد) الفموي لإنقاص الوزن إنما لا يمكننا مشاركة مواعيد الحصول على موافقة الهيئة التنظيمية في هذه المرحلة”. في عام 2023، أجرت “فايزر” Pfizer تجارب على مركب آخر يمكن تناوله بالفم، هو “أورفورغليبرون” orforglipron، وينتمي إلى فئة الأدوية نفسها مثل “سيماغلوتيد”، وهذا ما فعلته أيضاً شركة “إيلي ليلي”، التي تصنع “مونجارو”.
وفيما تتواصل هذه التطورات في الخلفية، تأخذ سوق جديدة بالتوسع بسرعة. شهدت أواخر العام الماضي ظهور سلسلة من البدائل “الطبيعية” من ماركات عدة تهتم بالصحة والرفاه تزعم أن المكملات الغذائية أو اللصقات التي تبيعها قادرة على زيادة معدلات الهرمون المنظم للشعور بالجوع الذي تستهدفه ناهضات GLP-1 دون الحاجة إلى الحقن.
وتزعم “لصقات GLP-1” التي تسوقها شركة “كايند باتشز” Kind Patches بسعر 12 جنيهاً استرلينياً لمخزون 30 يوماً، أنها “تساعدك على الشعور بالشبع لفترة أطول وتثبت مستوى السكر في الدم وتكبح الرغبة الشديدة بتناول أطعمة معينة”، وقد نفدت الكمية المتوافرة منها في السوق. في سبتمبر (أيلول)، أطلقت شركة “ليمي” للمكملات الصحية التي تمتلكها كورتني كارداشيان باركر منتجاً مماثلاً. قبل ذلك بعام، تولت هالي بيري منصب كبيرة موظفي التواصل (إضافة إلى كونها مساهمة) في شركة التكنولوجيا الحيوية “بندلوم ثيرابيوتكس” التي تسوق لـ”بروبيوتيك” يعزز GLP-1.
لكن إحدى الشركات الناشئة تقارب الموضوع بصورة مختلفة. وتدعي شركة “ميتابولايز”، ومقرها في الولايات المتحدة، أن منتجها القائم على الأيض قد “يقلب رأساً على عقب مجال فقدان الوزن” [ويعيد تشكيل وجهه]. يؤخذ المنتج من طريق الفم، وهو يحاكي الفوائد المثبتة لحمية “الكيتو”. وتعتقد الشركة، بناءً على دراسات أجريت على الحيوانات، أن منتجها قادر على إنقاص 10 إلى 20 في المئة من الوزن بعد الاستخدام المنتظم.
ويقول لي الدكتور موريس لاستر، الطبيب الذي أسس الشركة، عبر “زووم”، “منذ سنتين، نشرت مجلة (نايتشور) العلمية مقالة حول حبوب الرياضة (حبوب فيها مواد كيماوية تحاكي فوائد الرياضة في الجسم دون الحاجة إلى ممارستها) القائمة على جزيئات الحمض الأميني فينيل ألانين”. كتب هذا البحث الدكتور جوناثان لونغ، مساعد أستاذ علم الأمراض في جامعة ستانفورد، وكشف عن أنه عند استهداف هذا الجزيء وتعزيزه، يكبح الشهية ويقلص البدانة ويحسن تنظيم الغلوكوز.
ويتابع لاستر بقوله، “اتصلت به فقال لي ‘اسمع، إن هذا الجزيء عظيم. لكن فيه مشكلة واحدة – لا يمكن تناوله بالفم، بل عليك حقنه’. وبعد ستة أشهر أطلعني على نتائج ما نسميه الآن كيتون فينيل ألانين ketone phenylalanine. فقد وجد أن كيتون فينيل ألانين والـ’فينيل ألانين’ أفرزهما الأنزيم نفسه، هو بي أتش بي فينيل ألانين BHB-phenylalanine – وهي أحماض ومركبات ترتفع نسبة إفرازها عقب ممارسة التمارين الرياضية الشاقة والصوم المتقطع وحمية ‘الكيتو’. وطريقة عملها متشابهة إلى حد بعيد، لذلك استهدفنا المستقبلات نفسها في الدماغ التي تكبح الشهية على المدى البعيد. ونعلم بوجود علاقة مباشرة بين الـ’فينيل ألانين’ في الدم وخسارة الوزن. ومن المفيد أنه يمكن تناول كيتون فينيل ألانين عبر الفم”.
بصورة عامة يزعمون بأن منتجهم ينظم الشهية من خلال مسارات عصبية معينة في الدماغ – وطريقتهم هي أول طريقة علاجية من نوعها تقوم على الأيض، وهي آمنة وزهيدة الثمن، والأهم أنها لا تترك آثاراً جانبية.
ويشرح لاستر، “إن ‘أوزمبيك’ وناهضات GLP-1 وكل هذه العقاقير تقوم بعمل مذهل في مجال خسارة الوزن، لكن لديها عدداً من الآثار الجانبية إلى جانب كلفتها الباهظة. يتوقف أكثر من 80 في المئة من الأشخاص الذين يتناولون هذه الأدوية عن تناولها في غضون عام، و30 في المئة من بينهم يوقفونها خلال الشهر الأول. هناك بعض الذعر من احتمال تسببها في سرطان الغدة، كما أنك تشعر بالغثيان غالب الوقت عند تناولها وقد تصاب بالقيء والإسهال”.
“وإضافة إلى ما سبق، أعتقد أن إحدى المشكلات الكبرى هي أن الناس لا يعون أن جزيئيات GLP-1 نفسها موجودة في مركز المتعة في الدماغ. أي إنها بالعامية تقمع تدفق الدوبامين في الدماغ وهو حيوي للشعور بالمتعة. وما لم تغير فعلاً نظامك الغذائي وطريقة حياتك، ستستعيد الوزن الذي فقدته فور انقطاعك عن تناول الدواء”.
وهو يقول إن عقار “ميتابولايز” قادر أن يكون بديلاً يمكنه إحداث “اختراق بيولوجي” في نظام الأيض أو “مساعدة” للأشخاص القلقين من إيقاف ناهضات GLP-1. لن تكون الآثار مباشرة ولا جذرية – لكنه قادر على توفير طريقة فعالة وألطف لإدارة الوزن على المدى البعيد.
وتعمل الشركة حالياً على الحصول على الموافقات اللازمة لطرح ميتابولايز كعنصر غذائي – لكنها تأمل في ترخيص المنتج كي تستخدمه شركات الأطعمة في صناعة “ألواح البروتين والوجبات الخفيفة” وباعتباره مكملاً غذائياً بحلول العام المقبل.
ربما يبدو الموضوع أروع من أن يصدق – والوقت وحده الحكم، لكن يمكننا أن نفهم سبب التسابق لإيجاد بدائل عن “أوزمبيك” أو مكملات له مثل “ميتابولايز”: في الآونة الأخيرة، ظهر تقرير جديد يقول إن 3.4 مليون بريطاني تقريباً يستوفون شروط الحصول على وصفة “ويغوفي” أو “منجارو”، بكلفة تبلغ 10 مليارات جنيه سنوياً. وهذا كفيل بإفلاس هيئة الخدمات الصحية الوطنية.
إنها سوق سريعة التحول. وتتوقع شركة “نوفو نورديسك” أن “تقلص (التطورات القادمة في هذا القطاع) الفجوة” في مجال خسارة الوزن بفضل الأدوية، بدل إجراء عمليات جراحية تنطوي على أخطار. وفي موقع آخر، هناك إمكانية لعلاج البدانة باستهداف هرمونات الأمعاء والبنكرياس التي تفرز أثناء تناول الطعام. الحق يقال إن العلم وراء هذه الأمور مربك، لكنه قد يخلف آثاراً بالغة الأهمية بالنسبة إلى الرعاية الصحية. يبدو أن الثورة في مجال خسارة الوزن لا تزال في إرهاصات البداية.
نقلاً عن : اندبندنت عربية