أكد الإعلامي الدكتور عمرو الليثي أن فيلم “بئر الحرمان”، الذي أخرجه المخرج الكبير كمال الشيخ عام 1969 عن قصة للكاتب إحسان عبد القدوس، يُعد من أبرز الأعمال السينمائية التي تناولت المرض النفسي بعمق وجرأة غير مسبوقة في تاريخ السينما المصرية. وأشار إلى أن الفيلم لا يكتفي بسرد حكاية درامية، بل يغوص في أعماق النفس البشرية، كاشفًا عن تمزق داخلي تعانيه امرأة تعيش بين صورتين متناقضتين لذاتها.

وأوضح الليثي أن المخرج كمال الشيخ قد روى له كيف بنى شخصية “ناهد” – البطلة التي جسدتها الفنانة الراحلة سعاد حسني – باعتبارها فتاة من طبقة راقية، تنشأ في أسرة محافظة، وتظهر في النهار بصورة الفتاة المثالية التي تحظى باحترام المجتمع، بينما تنقلب في المساء إلى امرأة تبحث عن متعة عابرة لا تدري مصدرها، في انعكاس واضح لاضطراب نفسي ناتج عن بيئة أسرية مضطربة.

وأشار إلى أن جذور الاضطراب تعود إلى اكتشاف كل من الأب والأم خيانة الآخر، لينتقل الصراع إلى الابنة التي أصبحت ضحية لهذا التفكك الأسري.

وذكر الليثي أن سعاد حسني أعربت له عن اعتزازها بهذا الدور، مؤكدة أن الفيلم طرح قضية المرض النفسي بواقعية وعمق إنساني، مبتعدًا عن الصور النمطية أو التهويل المعتاد. فحالة “الانفصام” لم تُقدَّم كجنون، بل كأزمة حقيقية لامرأة تعاني كبتًا وانفصالًا بين رغباتها وما يُفرض عليها مجتمعيًا.

كما أشاد الليثي بالإخراج الفني للفيلم، قائلًا إن استخدام كمال الشيخ للإضاءة، وتوظيفه للموسيقى التصويرية الهادئة والمقلقة في آنٍ واحد، لعب دورًا كبيرًا في التعبير عن الاضطراب النفسي للبطلة، وجعل المشاهد يتماهى مع حالتها المعقدة.

ولفت إلى أن أهمية الفيلم تتجاوز البُعد النفسي، ليكون نقدًا اجتماعيًا حادًا، حيث يُبرز كيف يمكن للمرأة، تحت ضغط التقاليد والخوف من بيئة أسرية مزدوجة المعايير، أن تنقسم بين عالمين متناقضين: نهار تلتزم فيه بالفضيلة، وليل تطلق فيه العنان لمكبوتات اللاوعي.

وأضاف: “هذه المفارقة هي جوهر الفيلم، حيث جسّد المأزق الوجودي الذي تعانيه نساء كثيرات بين القيم المفروضة ورغبات الجسد والنفس. وقد استلهم الفيلم بوضوح نظريات التحليل النفسي، خصوصًا فرويد، في تفسير السلوك الإنساني”.

واختتم الليثي حديثه بالتأكيد على أن “بئر الحرمان” ليس مجرد فيلم عن المرض النفسي، بل هو عمل فني يحمل رسالة ثقافية وإنسانية عميقة، ويُعد نموذجًا نادرًا للسينما التي تقوم بدورها التوعوي والاجتماعي بصدق وجرأة، رافضًا الوصم، وداعيًا إلى فهم الجذور الحقيقية للاضطرابات النفسية داخل المجتمع.