تتصاعد موجة الاحتجاجات الشعبية في اليمن مع توالي الانهيار المتسارع للخدمات العامة والأساسية في المناطق التي تقع تحت سيطرة الحكومة الشرعية.
وتسبب هذا الانهيار باشتعال موجة احتجاجات شعبية غاضبة في العاصمة الموقتة عدن (جنوب) لليوم الثاني على التوالي وسط مساعي الحكومة المعترف بها دولياً للمعالجة، سبقتها مطالب مجتمعية ضاغطة من قبل أبناء محافظة حضرموت (شرق) لتحسين الخدمات في المحافظة النفطية البارزة. في حين تواجه بوادر الاحتجاج بالقمع الرهيب في مناطق سيطرة الميليشيات الحوثية كما هي الحال باعتقالها وتغييبها لعدد من الناشطين والناشطات المطالبين بالحقوق وصرف المرتبات ووقف القمع الذي تمارسه.
وقطع المحتجون في عدن الشوارع الرئيسية للتنديد بانقطاع خدمة الكهرباء كلياً منذ ثلاثة أيام مرددين شعارات مناوئة بتقصير الشرعية ومتهمينها بممارسة ما وصفوها بسياسة التجويع واللامبالاة لمعاناة المواطنين بالتزامن مع انهيار جديد للعملة المحلية وارتفاع الأسعار.
سكان محليون أكدوا لـ”اندبندنت عربية” أن المحتجين الذين توافدوا في تجمعات غاضبة في مديريات المنصورة وخور مكسر والشيخ عثمان قطعوا الشوارع الرئيسية وأحرقوا إطارات السيارات ما تسبب في عرقلة حركة المرور متسائلين: أين الكهرباء والمياه وأين الحلول من الانهيار المتلاحق للعملة المحلية والارتفاع المتزايد للأسعار؟.
مساع لإطفاء الغليان
وعلى وقع هدير الغضب الجماهيري، حمل توجيه رئيس المجلس الرئاسي رشاد العليمي إلى حكومته، بتسريع إجراءات توفير الوقود اللازم لإعادة تشغيل المنظومة الكهربائية في العاصمة المؤقتة عدن في مسعى رسمي لوقف تصاعد الغليان الشعبي ووعد بـ”التزام الدولة بتحمل كامل مسؤولياتها في تخفيف المعاناة”.
وفي الاجتماع الاستثنائي الذي عقده مع رئيس الحكومة، أحمد عوض بن مبارك والوزراء والمسؤولين المعنيين بالملف الخدمي والاقتصادي المنهك، استعرض العليمي “الجهود المبذولة” للمعالجات المستعجلة لإعادة تشغيل الكهرباء وضخ المياه لأحياء عدن، “بما في ذلك الاستجابة من عضو المجلس سلطان العرادة، محافظ محافظة مأرب (النفطية) لزيادة كمية الوقود المرسلة لمحطات التوليد في عدن وعدد من المحافظات”.
وتطرق إلى “الجهود المبذولة من قبل اللجنة المكلفة من مجلس القيادة بتطبيع الأوضاع في حضرموت، واحتواء تداعياتها على موارد الدولة وكفاءة الخدمات”، مؤكداً “تفهمه للاحتجاجات المطلبية السلمية بعدن”. وشدد العليمي في الاجتماع المنعقد بالسعودية على “إنفاذ قرارات المجلس الرئاسي بعودة جميع المؤسسات للعمل من الداخل، والقيام بمسؤولياتها”.
إسعاف عدن
ويتوقع أن يواصل الرئاسي اليمني لقاءاته الموسعة مع الحكومة لتدارس الأوضاع والتوصل للمعالجات والإصلاحات الاقتصادية، التي يرى مراقبون أنها لن تدم طويلاً ما لم تتخذ الشرعية سلسلة عميقة وملموسة من المعالجات ترتبط “بوقف الهدر والفساد وإعادة تصدير النفط والغاز” لتأمين الخدمات والسلع الأساس، والحد من تداعيات التضخم الحاد والتقلبات السعرية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأمس الأول أعلن رئيس الحكومة بن مبارك عن حلول إسعافية لتوفير الوقود لمحطات الكهرباء في العاصمة المؤقتة عدن التي تشهد انقطاعاً كلياً للخدمة لليوم الثاني على التوالي بعد منع حلف قبائل حضرموت مرور ناقلات النفط.
وذكرت وكالة سبأ الرسمية، أن بن مبارك، أجرى اتصالات مكثفة مع محافظ البنك المركزي “أحمد غالب”، ووزراء المالية، والكهرباء ومحافظ عدن للإشراف ومتابعة تنفيذ زيادة ضخ النفط الخام من حقول صافر لتغذية محطات الكهرباء في عدن بالوقود اللازم ابتداء من اليوم.
الحوثي سبب الكارثة
وتترجم صور المحتجين ذلك المشهد الكالح لملايين الجياع الذين امتلأت بهم البلاد جراء الانهيار التاريخي لسعر صرف الريال اليمني أمام العملات الأجنبية، وهم يشاهدون نذر موجة مجاعة وعجز شرائي تام نتيجة الارتفاع الذي يفرضه هذا النزول على أسعار المواد الغذائية والضروريات.
وفي حين تفرض ميليشيات الحوثي سعراً وهمياً ثابتاً في المناطق الخاضعة لسيطرتها يقابلها ارتفاع كبير في الأسعار، اقترب سعر الدولار الواحد من 2300 ريال في مناطق الشرعية في أدنى مستوى له منذ ثلاثة أعوام كاشفاً الستار عن أسوأ مشهد اقتصادي يشهده اليمن، ومنذراً بتفاقم الأزمة الإنسانية على نحو أكثر شراسة، في ظل تساؤلات الملايين هناك عن دور السلطتين المسؤولتين على القطاعين المصرفي والاقتصادي في البلاد، فضلاً عن حال التردي غير المسبوق في قطاع الخدمات وفي مقدمها المياه والكهرباء وانقطاع الرواتب عن غالبية الموظفين العموميين، كتبعات رسمها انقسام البلاد بين جماعة الحوثي والحكومة الشرعية من دون حل منظور.
ويأتي الانخفاض التاريخي وسط انقسام رأسي عميق في المؤسسات المالية والنقدية المتدهورة بين الحوثيين والحكومة الشرعية، على رغم جملة المعالجات والقيود المؤقتة التي انتهجتها الأخيرة وفرضتها على قطاع الصرافة بالعملات الأجنبية في مدينة عدن، قبل أن تعاود عملية الانهيار مجدداً خلال الأيام المنصرمة.
وترجع الحكومة اليمنية كل تلك التبعات لتكبدها خسائر اقتصادية تقدر بنحو ملياري دولار جراء توقف تصدير النفط الخام عقب استهداف جماعة الحوثي موانئ نفطية جنوب وشرق البلاد أواخر عام 2022، وللسماح بالتصدير، اشترطت الميليشيات حصولها على نصيب الأسد من عائدات النفط وهو ما رفضته الحكومة الأمر الذي يحول دون إعادة التصدير وبالتالي حرمان اليمنيين من دخلهم القومي الرئيس، إضافة إلى تكبد الحكومة شراء المشتقات النفطية الخاصة بالتشغيل التي يستهلك منها مئات الملايين من الدولارات شهرياً، كما يوجد في البلاد بنكان مركزيان متنافسان أحدهما خاضع للحكومة المعترف بها في عدن والآخر لجماعة الحوثي في صنعاء.
وعادة ما يؤدي انهيار الريال إلى زيادة كبيرة في أسعار السلع الضرورية نتيجة لاعتماد البلاد على استيراد السلع والمواد الغذائية من الخارج.
ويرى خبراء اقتصاديون أن الحلول الممكنة لانعاش الاقتصادي المتردي واستقرار العملة لن يحدث من دون كبح جماح المضاربة التي تحتاج إلى قرارات جريئة من قبل المجلس الرئاسي والحكومة، تتمثل في إعادة تفعيل المصادر المعطلة ومنها تصدير النفط والغاز وتنمية الموارد المحلية وضبط عملية الإنفاق وتقليص المدفوعات الخارجية، إضافة إلى ضرورة تفعيل أدوات السياسة النقدية للبنك المركزي والسيطرة على سوق الصرف، وإعادة الثقة للجهاز المصرفي الرسمي وإنهاء حال العشوائية التي تسود سوق الصرف.
توقف ضخ الكلى
وترجمة لحال التردي غير المسبوق، أعلن قسم الغسيل الكلوي بمستشفى الجمهورية الحكومي في عدن عن توقفه عن العمل بسبب انقطاع الكهرباء ونفاد الوقود الخاص بمولدات التوليد التابعة للمستشفى، وهو ما تسبب بتراكم حالات مرضى الفشل الكلوي المعتمدين على جلسات الغسيل الدورية، قبل أن يعلن المستشفى اليوم الجمعة معاودة التشغيل بعد معالجات حكومية إسعافية.
ووفقاً لسكان محليين، دفعت هذه الحال عدداً من مرضى القلب والكلى الذين يعتمدون على نوعيات من الأجهزة الكهربائية للخروج إلى المحلات التجارية التي يعمل بعضها بمنظومات الطاقة الشمسية لشحن الأجهزة الطبية الخاصة بهم.
حرص الميليشيات
ويلحظ الاهتمام الحوثي المستجدات الجارية في مناطق الشرعية عدن التي أولاها اهتماماً إعلامياً بالغاً تمثل بشن كيل من عبارات السخرية والنقد ضد الشرعية. وفي صورة الحريص على أوضاع الناس هناك، اتهموها بالتقصير في واجباتها تجاه المواطنين في الجنوب.
ودعا القيادي في الميليشيات، نصر عامر، “إلى استمرار العمل الإعلامي بفعالية لمساندة المواطن المغلوب على أمره والمظلوم في عدن”.
ومع ما تبديه الجماعة من تعاطف قادتها مع أبناء عدن جراء تردي الخدمات تساءل الناس عن رفضها القاطع دفع المرتبات وعدوا حرصها مزايدة معتادة دأبت الجماعة انتهاجها واستغلال تردي الخدمات للنفاذ عبرها لتشويه خصومها، وتأليب الناس ضد الحكومة المعترف بها دولياً، في مسعى لصرف النظر عن ممارساتها بالتزامن مع الدعوات الشعبية بإنهاء مشروعها المدعوم من إيران في اليمن في ظل المتغيرات الدولية ضد الأذرع الإيرانية في المنطقة العربية.
نقلاً عن : اندبندنت عربية