على مدارعقود طويلة، شهدت مسيرة الرسام سمير فؤاد تطورات ملحوظة سواء في تعامله مع الخامات الفنية أو في الموضوعات التي تناولها في أعماله. بدءاً من إحدى أقدم لوحاته “فتاة على شاطئ البحر” (1965)، وصولاً إلى أحدث إبداعاته في السنوات الأخيرة، تكشف هذه المسيرة عن فنان مخلص لروح الابتكار ومتجدد الرؤية، ومتشبث بشغفه الفني الذي لا يتوقف عن التطور.

تتميز تجربة سمير فؤاد بالجمع بين الالتزام بالتعاليم المدرسية والرغبة في الابتكار والتجديد. في مراحل مبكرة اعتمد فؤاد الألوان المائية كوسيط رئيسي يعكس اهتمامه بالتفاصيل الدقيقة والخفة التي تمنحها هذه الخامة. انتقل الفنان لاحقاً إلى استخدام الألوان الزيتية، التي وجدها أكثر ملاءمة للتعبير عن موضوعاته، مثل معارضه التي تناولت الحركة واللحوم أو حتى رمزية الزمن. وقد مثلت الألوان المائية أساس تجربة سمير فؤاد الأولى، فحققت أعماله المائية حضوراً قوياً في المشهد الفني المصري، بفضل مهارته الفائقة في التعامل مع هذه الخامة.

في أعماله المائية، يظهر الحس العالي في تدرجات اللون الشفافة والقدرة على تمثيل التفاصيل بدقة. ولأن العمل مع الألوان المائية يتطلب جهداً وتركيزاً كبيراً، تحول فؤاد لاحقاً إلى خامات أخرى كي يصبح أكثر تحرراً. باعتماده على الألوان الزيتية شهد أسلوب الفنان تحولاً ملحوظاً لما تمنحه هذه الخامة من كثافة وعمق ومرونة في التعامل، مما ساعده على التعبير عن موضوعات أكثر تعقيداً. استخدم فؤاد الألوان الزيتية لإبراز ملامح الحركة والقوة في عمله، مؤكداً بذلك رؤيته الخاصة التي تستكشف العلاقة بين الحركة والزمن.

كان تمثيل عنصري الحركة والزمن أحد أبرز المحاور التي شغلت الفنان سمير فؤاد، وهو ما ينعكس في العديد من أعماله. يشير الفنان إلى تأثير السينما عليه، حين كان يطل من نافذة منزله على سينما صيفية في طفولته، مما زرع في وعيه رغبة في نقل الإيقاع البصري المتحرك إلى لوحاته. كما تأثر الفنان كذلك بالتصوير الفوتوغرافي، وخاصةً أعمال المصور الإنجليزي “إدوارد مويبريدج”، الذي وثّق الحركة باستخدام صور متتابعة. وقد تجسد هذا التأثير البالغ للسينما والفوتوغرافيا في معرضه “إيقاع الزمن”، الذي قدم فيه أعمالاً تصور الحركة اللحظية للأشخاص والعناصر، معتمداً أسلوباً يمزج بين الواقعية والتجريد، كأن تبدو العناصر متحركة وغير مستقرة، وهو ما يعكس رؤيته العميقة للعلاقة بين الإنسان والزمن. لم تكن السينما والفوتوغرافيا المصدرين الوحيدين لإلهام سمير فؤاد؛ فدراسته الهندسة أسهمت في تطوير مهاراته التحليلية التي انعكست بوضوح على تنظيم عناصر لوحاته. بالإضافة إلى ذلك، ساعده عمله في إحدى شركات تكنولوجيا المعلومات على اكتساب قدر أكبر من النظام في إدارة وقته، مما مكّنه من التوفيق بين العمل وممارسة الفن.

بين الواقعية والغرائبية

بحث فؤاد عن العناصر غير التقليدية في أعماله، مثل عظام الحيوانات وقطع اللحوم، بهدف استكشاف جماليات غير مألوفة. لم يكن الفنان يتعامل مع هذه العناصر على أنها غريبة، بل كان يُضفي عليها نوعاً من الاحترام والتبجيل، كما في تعامله مع الطبيعة الصامتة. من ناحية أخرى، تظهر النزعة السوريالية في لوحاته، بحيث تتداخل العناصر بشكل يبدو غير واقعي، لكنه يخلق تأثيراً بصرياً مثيراً غير مألوف أو خيالي. هذه النزعة يمكن ملاحظتها بوضوح في معارضه الأخيرة، حيث دمج بين الرموز الواقعية والخيالية لاستكشاف معاني أكثر عمقاً.

يجسد الانتقال من لوحة “فتاة على شاطئ البحر” التي رسمها فؤاد في ستينيات القرن الماضي إلى  لوحاته الجديدة، ومن بينها مثلاً “فتاة السيلفي” مدى التغير الكبير في رؤية الفنان. في اللوحة الأولى يظهر اهتمام الفنان بالبُعد الجمالي للطبيعة والتفاصيل الدقيقة، أما في الثانية فيبرز تفاعله مع العالم الحديث، بحيث يعكس موضوع السيلفي تحولات اجتماعية وثقافية معاصرة، وهو ما يُسلط الضوء على مدى قدرة الفنان على مواكبة التغيرات الزمنية من دون فقدان هويته الفنية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تُعد تجربة الفنان سمير فؤاد تأريخاً حياً للتحولات التي شهدها الفن المصري على مدار الستين عاماً الماضية، فمن خلال أسلوبه المميز ورؤيته الخاصة، استطاع أن يكون شاهداً ومؤثراً في مشهد الفن التشكيلي في مصر. ويمثل معرضه الأخير احتفاءً بمسيرته الإبداعية، وبقيمة الفن كوسيلة للتعبير عن التحولات الإنسانية والاجتماعية.

نقلاً عن : اندبندنت عربية