كتب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب على منصة “تروث سوشيال” في أعقاب لقائه الرئيسين الفرنسي إيمانويل ماكرون والأوكراني فولوديمير زيلينسكي الذي استمر نصف الساعة، أن “القيادة الأوكرانية ترغب في إبرام اتفاق مع روسيا لوقف الأعمال العدائية”، ودعا “إلى وقف فوري لإطلاق النار والبدء الفوري في محادثات السلام”.
وكان ترمب أشار أيضاً إلى أن أوكرانيا “فقدت بالفعل 400 ألف عسكري وكثيراً من المدنيين”، وأن موت عدد كبير من الناس وتدمير العائلات أثناء العمليات العسكرية يمكن أن يؤديا إلى شيء “أكبر وأسوأ بكثير إذا لم تتوقف إراقة الدماء”، كما أشار أيضاً إلى أن “الخسائر من الجانب الروسي بلغت 600 ألف جندي”، وهو رقم لا يتفق ما سبق وكشفت عنه مصادر وزارة الدفاع الروسية.
موقف موسكو من مقترحات ترمب
وتعليقاً على ما كتبه الرئيس الأميركي المستقبلي دونالد ترمب فقد ذكر المتحدث الرسمي باسم الكرملين دميتري بيسكوف أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين “درس بعناية بيان الرئيس المستقبلي للبيت الأبيض في شأن التسوية في أوكرانيا”، وبالنسبة إلى لأرقام التي ذكرها ترمب حول الخسائر من الجانبين، قال بيسكوف “إنها من الواضح أنها تعكس الموقف الرسمي لأوكرانيا، وأن الأعداد الحقيقية التي أعلنها الرئيس الأميركي المنتخب ترمب مختلفة تماماً ولا تتوافق مع الواقع”، وأضاف بيسكوف لوكالة “تاس” أن خسائر القوات المسلحة الأوكرانية تزيد على خسائر الجيش الروسي بمرات عدة.
وأشار بيسكوف في الوقت نفسه إلى “أن كييف هي التي رفضت ولا تزال ترفض المفاوضات، في وقت أعلن الجانب الروسي أنه منفتح على المفاوضات ويرحب بمقترحات السلام من الصين والهند والبرازيل ودول أخرى”.
وأضاف أنه من أجل “الدخول في مسار سلمي” وبدء حوار بين كييف وموسكو، يحتاج زيلينسكي فقط إلى إلغاء المرسوم الذي وقعه حول حظر المفاوضات مع روسيا والعودة لتنفيذ اتفاقات إسطنبول، مارس (آذار) 2022، مع ضرورة مراعاة “الحقائق التي تتطور على الأرض”، في إشارة إلى ما ضمته روسيا من أراض جديدة وهي جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك ومقاطعتي زابوروجيه وخيرسون، إضافة إلى شبه جزيرة القرم التي أعلنت روسيا ضمها عام 2014.
وأكد بيسكوف “أن روسيا منفتحة على الحوار لحل النزاع، كما ترحب بمبادرات السلام المقترحة من جانب بلدان الجنوب العالمي وأعضاء مجموعة ‘بريكس’ وهي الصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا”.
وذكر أن موسكو قد أعربت بالفعل عن الشروط التي بموجبها تكون مستعدة لوقف الأعمال العدائية في منطقة العملية العسكرية الخاصة، مضيفاً أن “موقفنا في شأن أوكرانيا معروف جيداً، وشروط الوقف الفوري للأعمال العدائية حددها الرئيس بوتين في خطابه الذي ألقاه في وزارة الخارجية الروسية في يونيو (حزيران) الماضي”.
ماذا عن موقف زيلينسكي؟
من جانبه سارع الرئيس الأوكراني وبصورة غير متوقعة إلى رفض دعوة ترمب لإنهاء الصراع مع روسيا على الفور من خلال ما كتبه عبر قناته على “تيليغرام” بعد أقل من يوم من محادثاته في باريس مع ترمب وماكرون.
ووفقاً لما أشار إليه زيلينسكي فإن الصراع يمكن أن يندلع مرة أخرى في أي وقت بعد وقف إطلاق النار من دون ضمانات، وقال زيلينسكي إنه “لا يمكن إنهاء الحرب ببساطة بقطعة من الورق وتوقيعين”.
مبادرات السلام الأميركية الثلاث
وكانت وكالة أنباء “رويترز” أشارت إلى وجود ثلاث مبادرات وصفتها بالرئيسة لخطة السلام حول أوكرانيا لدى فريق ترمب، وتتضمن في مجملها “تأجيل طلب عضوية حلف شمال الأطلسي 10 أعوام، والاعتراف بنقل تبعية الأراضي التي أعلنت روسيا عن ضمها في سبتمبر (أيلول) 2022”.
غير أن الواقع الراهن يقول إن المطروح عملياً هي مبادرة واحدة يسمونها “خطة كيث كيلوغ”، أوردها جنرال متقاعد سبق وأعلن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب تعيينه مبعوثاً شخصياً في أوكرانيا، وكان الجنرال كيلوغ طرح رؤيته للتسوية الأوكرانية في معرض مقالة حول الصراع في كييف في أبريل (نيسان) الماضي، أوردها مع الرئيس السابق لإدارة مجلس الأمن القومي الأميركي في الولاية الماضية لدونالد ترمب، فريدريك فليتز، وقد عادت هذه المقالة لتشغل المراقبين في الداخل والخارج ممن راحوا يتداولون ما تضمنته من أفكار ورؤى تحت عنوان “خطة كيلوج” لحل الأزمة الأوكرانية، وبما تشمله من حوافز وأساليب للضغط على كل من كييف وموسكو، بوصفها واحدة من ثلاث خطط يجرى تداولها على الصعيد السياسي الدولي.
أما ما أوردتها وكالة “رويترز” بوصفها “خطة ثانية مستقلة” فهي ما تناوله نائب الرئيس الأميركي المنتخب حديثاً جيمس دي فانس في معرض مقابلة صحافية أجريت معه في سبتمبر الماضي، وتضمنت تصريحات حول معارضته تقديم الدعم العسكري والمادي لأوكرانيا، فضلاً عما طرحه من اقتراحات في شأن “إنشاء منطقة منزوعة السلاح على طول خطوط المواجهة الحالية”، إضافة إلى “ضرورة أن تكون هذه المنطقة شديدة التحصين من أجل منع وقوع هجمات جديدة من روسيا، واللافت أن تصريحات نائب الرئيس الأميركي المنتخب حديثاً لم تتناول طلب عضوية أوكرانيا في حلف شمال الأطلسي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي ما يتعلق بالمبادرة الثالثة فقد وردت كأفكار سبق وأعلنها في يوليو (تموز) الماضي السفير السابق للولايات المتحدة في برلين إبان ولاية ترمب السابقة، ريتشارد غرينيل، ونقلت وكالة “رويترز” عن أحد مستشاري ترمب، لم تذكر اسمه، أن غرينيل لم يحصل بعد على منصب في الإدارة الأميركية الجديدة، لكن ترمب لا يزال يستمع إلى رأيه في شأن القضايا الأوروبية.
وأوضحت “رويترز” أن غرينيل كان أحد القلائل الذين حضروا اجتماع ترمب خلال سبتمبر الماضي مع زيلينسكي في نيويورك، وهذه الأفكار لم تتعد ما طرحه غرينيل في تصريحاته التي أدلى بها في هذا الصدد حول إنشاء ما يسمى “مناطق حكم ذاتي” في شرق أوكرانيا، لكنه لم يكشف عن تفاصيل حول هذا الأمر، كما أعرب عن رأي مفاده بأن انضمام أوكرانيا إلى الـ “ناتو” لا يخدم مصالح الولايات المتحدة الأميركية.
“خطة كيث كيلوغ”
ويتلخص جوهر “خطة كيلوغ” كوثيقة إستراتيجية تحت عنوان “أميركا أولاً، روسيا وأوكرانيا إلى دونالد ترمب”، بتجميد الصراع على طول خط المواجهة الحالي انطلاقاً من حقيقة أن روسيا يجب أن توقف تقدم قواتها واحتلال أراض أوكرانية جديدة، ولكن في الوقت نفسه يجب على الولايات المتحدة أن توفر لأوكرانيا فرصة “التفاوض من موقع قوة”، وثمة من يقول إن هذه الخطة لا يمكن أن تصبح ذات صلة إلا إذا كان كلا الجانبين في طريق مسدود وغير قادرين على زيادة التأثير في مسار الصراع، كما أنها يجب أن تأخذ في الاعتبار الحقائق الجيوسياسية والمصالح الروسية في مجال الأمن والسيادة والسلامة الإقليمية، فضلاً عن ضرورة ألا يؤدي اتفاق السلام المزمع توقيعه إلى حقيقة أنه في غضون 10 أعوام يمكن أن تواجه روسيا “أوكرانيا أكثر عسكرة وخطورة، وعلى استعداد لانتهاك المعاهدة”، وبالتالي فإن “خطة كيلوغ” لا يمكن أن توفر ذلك ولا تفي بالمتطلبات الروسية، مما يجعلها غير قابلة للتحقيق، ولا يمكن إلا أن تكون خطوة نحو بداية المفاوضات.
ولكن هناك من يتحدث عن نقطة إيجابية في “خطة كيلوغ” تقضي بتعليق الدعم العسكري إلى كييف من أجل دفعها إلى المفاوضات، وقد توقفت صحيفة “أزفيستيا” الروسية عند “أن النقطة الأولى في الخطة هي إنهاء العزلة السياسية لروسيا وإقامة اتصال دبلوماسي مع موسكو، ورفض شيطنة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين”، كما أشارت إلى الحوافز التي تقدمها “خطة كيلوغ” لروسيا في تأجيل مسألة عضوية أوكرانيا في حلف شمال الأطلسي لفترة 10 أعوام، والاحتفاظ بجميع الأراضي الجديدة لروسيا، والرفع الجزئي للعقوبات وإمكان رفعها بالكامل إذا وافقت روسيا على اتفاق سلام مقبول لدى أوكرانيا”.
أما في ما يتعلق بما تقدمه الخطة كحوافز للجانب الأوكراني فإنها تتلخص في “استمرار تقديم المساعدة العسكرية في صورة قروض من دون فوائد وضمانات أمنية، وكذلك فرض رسوم على شركات الطاقة الروسية وتوجيه العائدات لإعادة إعمار أوكرانيا ودعم دفاعاتها، وتوفير ضمانات أمنية طويلة الأجل كتدابير ضغط، إضافة إلى عدم الاعتراف بالتغييرات الإقليمية لها شرط ألا تحاول استعادة الأراضي بالقوة، وعدم فرض أي قيود على سيادتها”، وفي حال رفض أوكرانيا فكرة المفاوضات وما يجري طرحه من خطة للتسوية، فإن الجنرال كيلوغ يقترح وقف الدعم العسكري لها.
ويتوقف مراقبون كثر عند ما أعلنه زيلينسكي حول استعداده لوقف “العمليات العسكرية” في مقابل عضوية كييف في الـ “ناتو” حتى لو لم تقدم روسيا تنازلات إقليمية، ووفقاً له فإنه إذا جرى قبول الأراضي التي تسيطر عليها أوكرانيا “تحت مظلة الـ “ناتو” فسيكون من الممكن في المستقبل الاتفاق على عودة بقية البلاد من خلال الوسائل الدبلوماسية.
أما بوتين فقد وعد بإنهاء الأعمال القتالية في أوكرانيا في اللحظة ذاتها التي تعلن فيها كييف انسحاب القوات الأوكرانية من جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين ومقاطعتي زابوروجيه وخيرسون، فضلاً عن رفض الانضمام إلى الـ “ناتو”.
منظومة “أوريشنيك”
واللافت أن ما طرحه ترمب خلال مبادرته حول السلام في أوكرانيا جاء في أعقاب إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في ختام اجتماع مجلس الدولة الاتحادية في مينسك حول ما تملكه روسيا من “أنظمة صاروخية حديثة مثل أوريشنيك التي ليس لها مثيل في العالم، وأنها تقارن بالأسلحة النووية من حيث القدرة التدميرية، وإن ليست أسلحة دمار شامل”.
وأوضح الرئيس الروسي أن “أوريشنيك” منظومة عالية الدقة وليست لها عواقب إشعاعية على عكس أسلحة الدمار الشامل، كما أعلن بوتين إمكان نشر منظومة “أوريشنيك” الباليستية الفرط صوتية في بيلاروس اعتباراً من النصف الثاني من عام 2025 استجابة لطلب رئيس بيلاروس ألكسندر لوكاشينكو.
وحول هذا الصاروخ الروسي الجديد قالت صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية إن الصاروخ الباليستي متوسط المدى “أوريشنيك” حتى في نسخته غير النووية يهدد بعواقب كارثية على أوروبا، وذكرت الصحيفة أن استخدام القوات الروسية لـ “أوريشنيك” أرسل إشارة قوية إلى الغرب حول عزم روسيا على وضع أوكرانيا في قبضتها ضمن محاولة إضعاف الـ “ناتو” وتقسيم أوروبا والولايات المتحدة، وكذلك لردع أوروبا عن دعم أوكرانيا وتغيير البنية الأمنية الأوروبية بما يتماشى مع الإرادة الروسية.
كما نقلت الصحيفة عن محللين قولهم إن “أوريشنيك” يهدد أوروبا بعواقب كارثية محتملة حتى في نسخته غير النووية، ونقلت عن الخبير في مركز التحليل في القوات البحرية الأميركية ديكر إيفليت ما قاله حول “أن إطلاق صواريخ ‘أوريشنيك’ عدة من شأنه أن يدمر عدداً كبيراً من القواعد الجوية وغيرها من المنشآت العسكرية في أوروبا، إضافة إلى قدرته على حمل ستة رؤوس نووية إلى أوروبا في غضون 20 دقيقة، مما يزيد صعوبة اعتراضه بسبب سرعته ومساره”، وإن كانت هذه التوقيتات تبدو منافية لما تحدده المصادر الروسية من أرقام.
نقلاً عن : اندبندنت عربية