لم يكن مجرد ملحن؛ بل كان موسيقارًا عبقريًا استطاع أن يحفر اسمه بحروف من ذهب في تاريخ الفن العربي. يُعد رياض السنباطي أحد أعمدة المدرسة الكلاسيكية في الموسيقى العربية، وتميز بقدرته الفريدة على المزج بين الطرب الأصيل والتجديد الموسيقي. شكّل ثنائيًا لا يُنسى مع كوكب الشرق أم كلثوم، حيث قدّما معًا أعظم الأغنيات التي ما زالت تتردد في وجداننا حتى اليوم.
وفي مثل هذا اليوم، تحل ذكرى وفاة الموسيقار رياض السنباطي، الذي رحل عن عالمنا في 10 سبتمبر 1981، تاركًا خلفه إرثًا موسيقيًا خالدًا يصعب تكراره.
ذكرى وفاة رياض السنباطي
وُلد رياض السنباطي في مدينة فارسكور بمحافظة دمياط عام 1906، ونشأ في بيت موسيقي، حيث كان والده مقرئًا ومنشدًا، ما جعله يتشبع بالتراث الموسيقي منذ الصغر، وانتقل إلى القاهرة في شبابه، لينضم إلى معهد الموسيقى العربية، حيث بدأ مشواره الفني الذي أثبت فيه قدراته الفريدة كمؤلف موسيقي وملحن.
تميز بقدرته على المزج بين الطرب الأصيل والتجديد الموسيقي، ومن أبرز أعماله مع أم كلثوم «الأطلال»، «رباعيات الخيام»، و«الأمل»، التي تُعد علامات في تاريخ الأغنية العربية، ولم يقتصر إبداعه على أم كلثوم، فقد تعاون مع عمالقة الغناء مثل «عبد الوهاب، نجاة الصغيرة، وليلى مراد»، وأبدع ألحانًا تركت بصمة في تاريخ الفن.
خلاف رياض السنباطي وأم كلثوم
شكّل رياض السنباطي وأم كلثوم ثنائيًا فنيًا لا يُنسى، حيث تعاونا على مدار عقود في 282 أغنية وقصيدة، تاركين بصمة لا تُمحى في تاريخ الموسيقى العربية، لكن هذا التعاون الفني المذهل انتهى بخلاف مثير للجدل، أنهى واحدة من أنجح الشراكات في عالم الفن، فما هو سبب هذا الخلاف؟
وفقًا لحديث تسجيلي للإعلامي الراحل وجدي الحكيم في أحد اللقات التفلزيونية كان رياض السنباطي ملحنًا استثنائيًا، وكانت أم كلثوم تثق في رؤيته الموسيقية، ما أثمر عن أعمال خالدة مثل الأطلال ورباعيات الخيام، وحدث خلاف بين رياض السنباطي وأم كلثوم أدى إلى القطيعة بينهما والتي استمرت لمدة 3 سنوات كاملة بسبب اعتراضها على فقرة غنائية في أغنية «يا طول عذابي» وطالبت بتغييرها، وذكرت السبب بأنها تكرار لـ«لحن القصبجي» كان قد قدمه لها مسبقًا، فاستاء «السنباطي» من اعتراضها ورفض تغيير المقطع مبادرا بالقطيعة.
وغضبت أم كلثوم وكانت في حيرة لعدم تمكنها من الاستغناء عن فن وموهبة رياض السنباطي، وكان من الصعب عليها استمرار تلك القطيعة وبالفعل حاولت أم كلثوم أن تنهيها بأي شكل من الأشكال، فتوسط الشاعر «أحمد رامي» ليجس نبض «السنباطي» إذا ما كان يقبل بتعاون فني جديد معها أم لا.
وجاء في حوار صحفي بأحد المجلات للموسيقار رياض السنباطي عام 1960، قوله «لن ألحن لأم كلثوم ولو على يد محضر» وذلك في فترة الخلاف بين أم كلثوم والسنباطي والذي استمر لسنوات، لأن وقت الخلاف بينهما أرادت الإذاعة أن تقدم أم كلثوم تهنئة للشعب العراقي بمناسبة الثورة المجيدة، لكنها رفضت أن يخرج صوتها إلا في أغنية، وفقًا لحديث «وجدي الحكيم».
حيث طلبت من الإعلامي «وجدي الحكيم» أن يذهب بالكلمات التي سبق وأن جهزتها الإذاعة إلى الشاعر محمود حسن إسماعيل، ليكتبها في شكل قصيدة، وبالفعل ذهب إلى الشاعر محمود الذي كان له طابع خاص، ويمنع أي شخص الذهاب إليه في منزله، لكن لم يكن هناك خيار آخر أمامه، وبعد أن ذهب إلى منزله «وبخه» لكنه كتب القصيدة في النهاية، وبعدها قالت أم كلثوم لن يحلن هذه القصيدة سوى «السنباطي».
وعلى الرغم خلافها معه، طلبت من وجدي أن يذهب إليه باعتباره ممثلاً للإذاعة للاتفاق معه على تلحين القصيدة، دون أن يخبره باسم المطرب، وبعدما وضع السنباطي اللحن أخبره أن القصيدة قوية وتحتاج إلى صوت قوي ليغنيها، وهنا عرض عليه «وجدي» أم كلثوم، فاحضر الأوراق والعقود له وأخبره أن يذهب، فوافق في النهاية تنفيذًا لأوامر الزعيم الراحل جمال عبد الناصر بعد أن تحدث معه هاتفيًا بنفسه وطلب منه أن يتعاون مع أم كلثوم لآداء الأغنية.
نقلاً عن : الوطن