مثل الغريق الذي يتعلق بقشة تتهافت قلوب وعقول قطاع لا بأس به من الجماهير مع التوقعات التي يطلقها بعض العرافين أو المتنبئين أو متخصصي الأبراج والتاروت وحتى الكف والفنجان، هذه الهواية التي تتدرج في حياة الأشخاص من الاهتمام العابر إلى الهوس لدرجة التحكم والسيطرة أصبح لها زبائن كثر في الأعوام الأخيرة ممن يحاولون الابتعاد عن الفأل السيئ بالبحث عن مصادر للتفاؤل.

بعد أن كانت قاصرة على متابعات سنوية لما يصدر في كتب توقعات الأبراج الـ12 بداية كل عام ميلادي جديد أضيف لها تخصصات أخرى، كما أصبحت نشطة تقريباً على مدى العام، ولم تعد حتى شخصية، إذ إن التوقعات طاولت دولاً وقيادات ومؤسسات كبرى، فخريطة العالم كلها تتأرجح بين أيدي المتنبئين. لكن يظل هذا الوقت من كل عام هو الظرف المثالي الذي يبحث فيه الجميع عن حظهم ومستقبلهم القريب، ويتمنون أن تتحقق آمالهم وتبشرهم بها ألسنة المشاهير الذين يتداول أنهم معروفون بقدراتهم على قراءة الوضع بدقة بناءً على إلهام خاص لديهم.

مع تزايد الهوس بهذا العالم أصبحت الفضائيات العربية تتسابق على استضافة نجومه البارزين، الذين تصادف أن صدقت توقعاتهم بضع مرات ليصبحوا من الفقرات شبه الثابتة في غالبية الأحداث الكبرى، أي قبيل المباريات المهمة وعمليات الاقتراع المصيرية وأيضاً بالتوازي مع اندلاع الحروب والمواجهات المسلحة. وإمعاناً في جذب المشاهد وقبله المعلن انسحب هذا المجال على كل الملفات السياسية والاقتصادية والإنسانية والرياضية والعسكرية كذلك. وارتفعت أصوات تنبه وتحذر من الغرق في هذه العوالم، واصفين إياها بالتغييب والشعوذة التي تعارض الأديان وتخاصم العلم. وربما تكون هذه الموجة هي ما استدعى اتخاذ الهيئة الوطنية للإعلام في مصر أخيراً قراراً حاسماً بحظر استضافة من سمتهم “المنجمين والعرافين” عبر شاشاتها.

قرار بمواجهة “الشعوذة”

وفقاً للبيان الرسمي، فقد أصدر القرار رئيس الهيئة الوطنية للإعلام أحمد المسلماني، المعين في منصبه حديثاً، مطالباً بضرورة مواجهة التفكير الخرافي وتعزيز الخطاب العلمي، إذ دعا إلى الاستعانة بالأكاديميين والخبراء والمثقفين في استطلاع مستقبل المنطقة بجميع الحقول. وبدا البيان حاداً في ما يتعلق بهجومه على المنجمين بالقول “يجب الابتعاد عن الترويج لخرافات المنجمين والمشعوذين مهما كانت شهرتهم، الذين يستهدفون إهانة العقل وتسفيه المعرفة وتأسيس شهرة كاذبة على توقعات عشوائية لا سند لها، لأن واجب وسائل الإعلام مواجهة الجهل”.

 

القرار بالطبع منوط بتنفيذه إذاعات وقنوات الهيئة الوطنية والمنصات التابعة لها، لذا ليس لزاماً أن تنفذه باقي المحطات الفضائية المصرية، لكنه مع ذلك أثار ارتياحاً في أوساط المهتمين بالحقل الإعلامي الذين كانوا يعتقدون أن الأمر زاد على حده في ما يتعلق بإصرار البرامج التلفزيونية على تفسير كل الأزمات بالطرق الغيبية المتعلقة بالتاروت والأبراج وغيرها، بخاصة في هذه الأيام إذ يرتفع مستوى تلقى هذه الفقرات لدى المهتمين بما يسمى تنبؤات العام الجديد وقراءة طالع سكان الكوكب.

تزامناً مع هذا البيان خرجت تصريحات لمتخصصين في تلك الألعاب التنبُّئية، من بينها أن غالبية الأبراج الفلكية ستجد حظها وضالتها هذا العام بما يعني أن الجميع سيكونون سعداء، ونصائح تتعلق باستعمال حافظات نقود بلون معين وترتيبها بطريقة محددة لتحقيق الثراء، أو تأكيد أن تحقيق الأمنيات التي تبدو مستحيلة سيحدث من طريق منح من يلقونهم بالشارع قارورة مياه، إضافة إلى مئات الخبراء الذين يزعمون أنهم قادرون على قراءة طالع الأشخاص من بعد وعبر الإنترنت، إذ تحصد فيديوهات البث المباشر الخاصة بهم ملايين المشاهدات في وقت قصير، ويتلقون عدداً هائلاً من الطلبات التي تسعى إلى الحصول على مساعدة في اتخاذ قرارات مصيرية متعلقة بالزواج والعمل والسفر وغيرها.

محترفو المهنة يتحدثون

المتخصصة في الأبراج سابي عبدالله تستنكر بداية الاعتماد الكلي على علم الأبراج أو قراءة التاروت أو الفنجان أو أية وسيلة من هذه الوسائل، واصفة من يبني كل قراراته على هذه الأمور بأنه إنسان ضعيف الشخصية ولا يعرف كيف يسيطر على حياته. منوهة بأن للتفاؤل والتنفير دوراً كبيراً في الطاقة التي تحيط بالإنسان، مضيفة “يمكننا أن نقاوم التوقعات والمواقف السلبية بالدعاء، فلا يجب أن نستدعي السيئ أبداً”.

وأبدت رفضها مبدأ عدم احترام عقول الناس بالتركيز على نماذج سلبية ممن يعملون في مجالات قراءة الشخصيات والروحانيات، مشددة على أن لكل علم منها أصولاً وقواعد، فمثلاً من يطلب قراءة الفنجان يجب أن يشرب هو منه القهوة وليس شخصاً آخر، ومن يطلب قراءة أوراقه يجب أن يكون جالساً أمام المتخصص بنفسه وليس من بعد، معترفة في الوقت نفسه بأن انتشار التوقعات السياسية والرياضية والاقتصادية مع استقبال كل عام جديد يصب في خانة الاستخفاف بالمشاهدين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعلى رغم أن سابي عبدالله اعترفت بنفسها بوجود تجاوزات كثيرة، فإنها مع ذلك استنكرت قرار الهيئة الوطنية للإعلام بحظر الاستضافة واعتبرته نوعاً من المصادرة. فالقرار الأفضل من وجهة نظرها هو ترك الجميع يتحدثون وعلى المشاهد أن يختار ما يلائمه، فالفضاء مليء بمئات القنوات في المنطقة. واصفة القرار بأنه يهدف إلى الفرقعة، وتطبيقه على قنوات الهيئة الوطنية فقط سيجعل المتابع يذهب إلى باقي القنوات التي تفتح أبوابها لضيوف يبحث عنهم، لذا فلن يؤثر كثيراً.

وعن اتهام خبراء الفلك وقراء الورق بالمتاجرة بأحلام الناس بخاصة في موسم رأس السنة، تعتقد منى أحمد المتخصصة في الأبراج، أن السمعة السيئة يتسبب فيها من يجهلون أصول هذه العلوم وبينها علم الأبراج، مضيفة أنها ترى أشياء كاذبة وليس لها أساس من الصحة.

وتتابع “يفتحون الورق بطريقة خاطئة، لذا يحصلون على رسالة خاطئة. والحقيقة أن 90 في المئة ممن يدعون علمهم بالمهنة غير صادقين ويخدعون الناس بعلم ناقص”، واصفة بعض مشاهير علم التنجيم الذين تتهافت الفضائيات على توقعاتهم، لا سيما في عوالم السياسة والأحداث المفصلية في العالم، بأنهم يملكون إشعاعاً ساماً. وحاولت تفسير سبب اعتقاد الجماهير بأن توقعات هؤلاء تصيب دوماً بالقول “التوقعات لديهم غالبيتها سلبية، والمعروف أن الشر يغلب الخير في هذا العالم معظم الأوقات، وهم يلعبون على هذه الحقيقة، ومع حدوث أية عكوسات تفسر على أنها تمثل تنبؤاتهم المسبقة، ومن ثم تبنى حولهم هالة قوية أو ما يشبه التخاطب الروحاني مع الجماهير التي تربط أي شيء يحدث بهذه التنبؤات”.

إدمان قراءة الطالع

تعتقد نورين سامح أن الاهتمام بعالم التنبؤات يشبه الإدمان تماماً، مؤكدة أنها منذ 15 عاماً تتابع التوقعات السنوية للأبراج على وجه التحديد، إذ كان الاهتمام الإعلامي بهذه الأمور في هذا الوقت قليلاً للغاية، وكانت تتنقل من قناة لأخرى بحثاً عن ضيف يشبع فضولها. وكانت في بعض الأوقات تشتري الكتاب السنوي لأحد أشهر المنجمات في هذه الفترة بثمن باهظ.

وتواصل “كنت مهووسة وما زلت بهذا العالم، والحقيقة أنني حاولت مراراً الإقلاع عنه خوفاً من حرمانيته، فلا يعلم الغيب إلا الله، لكنني أعتمد على أجواء حظوظ برجي الفلكي في كل عام لتكون تنبيهاً لي في شأن بعض القرارات. فإن لم تكن حركة الكواكب مواتية في أشهر بعينها أبتعد عن القرارات المصيرية. لذا فأنا أحصل على خطوط عريضة وفقاً لحركة الأجرام، وأعتقد أن الموضوع مفيد لي، ولكنه قد يكون مجرد إسقاط نفسي على ما أقرأ أو محاولة مني لتقريبه إلى واقع ما يحدث معي، ففي النهاية هي عادة تسلية لا أستغني عنها أبداً، بخاصة في أوقات الإحباط والبحث عن بارقة أمل، كما أنني تعلمت أن أفرق بين المخادعين، ومن لديهم علم صادق”.

 

لكن هناك أيضاً من لا يكتفي بنوع واحد من ألعاب التنبؤات، من بينهم دينا التي تعمل متخصصة في التجميل، وهي من مريدي هذه العوالم، ودوماً تبحث عن جديد التنبؤ سواء كان “ويجا” أو أبراج أو قراءة كف أو تاروت، لافتة إلى أن لديها زبونات كثيرات لا يتحركن خطوة واحدة من دون الاتصال بأحد الخبراء المعروفين بقدراتهم في قراءة الشخصية وحياتها. لكنها في النهاية تعرف أن الأقدار بيد الله، مشددة على أنها وجدت تناقضاً كبيراً في آراء المتخصصين حول موضوع معين يخصها. ومع ذلك لا تزال هذه الأمور هي حديثها المفضل مع معارفها باعتبارها موضوعاً شيقاً وممتعاً ويتضمن قصصاً لا تنتهي.

هذه الحكايات تشير إلى أنه ربما تكون النساء أكثر اهتماماً بهذا المجال، وأن اللجوء له والمواظبة عليه يأتيان كذلك في أوقات الأزمات النفسية أو ضيق الحال، إذ يبحث الجميع عن متنفس للخروج من مأزقهم، بخاصة في هذه الظروف التي تشهد تعطيلاً لكثير من الأعمال بسبب المشكلات الاقتصادية. وكذلك فإنه أيضاً بمتابعة مشاهير التنبؤ على الـ”سوشيال ميديا” فإن النساء أكثر سيطرة، ووجود الرجال يتراجع.

التوقعات هوس عالمي

متخصصة الأبراج سابي عبدالله تشير إلى أن اهتمام النساء بهذا العالم بصورة شبه حصرية كان منذ ثلاثة أعوام مثلاً، لكن في الوقت الحالي بات الجميع يهتم بالمعرفة من دون فرق في الأعمار أو النوع، بخاصة مع استقبال العام الجديد، وهذا من واقع خبرتها الطويلة في المجال، إذ تشير سابي التي تعمل أيضاً كـ”لايف كوتشينج” إلى أن التعامل مع التنبؤ على أنه شيء حتمي أمر خاطئ تماماً ونابع من عدم الفهم، فهي مجرد تحذيرات وتنبيهات، وعلى الشخص أن يجيد قراءة الرسالة.

 

وتشرح بصورة أكبر المؤهلات التي بسببها يحترف الفرد هذا المجال بالقول “هناك مدارس كثيرة في علم التنبؤ وقراءة الأوراق، لكن قبل كل شيء يجب أن يكون لدى الشخص روحانيات معينة، ويثقل تجربته بالخبرة والتعلم من مراجع موثوقة، فهناك من أعطاهم الله بصيرة وليس فقط نعمة البصر، والبصيرة من المعروف أنها تورث من الجد للحفيد وليس من الأب للابن، وبالطبع هناك من يدعون المعرفة ويشوهون سمعة المجال، ويعتمدون على حفظ بعض الجمل والعبارات أو النقل من غيرهم مع التفنن والابتكار في طريقة الإلقاء، والمؤسف أن هؤلاء المدعين أصبحوا أكثر انتشاراً”.

الرأي نفسه تقوله خبيرة التاروت والأبراج منى أحمد، مشددة على أن الروحانيات هي الأساس ثم التعلم والدورات التدريبية في ما بعد، كما تعيب على من شوه سمعة علم الفلك بسبب الممارسات التي تهدف إلى المتاجرة بآمال الناس واستغلال غريزة الفضول لديهم، مشيرة إلى أن لديها هذه الموهبة منذ أن كانت في الرابعة من عمرها، كما لدى كثر من أفراد عائلتها كذلك، ثم قررت احتراف المهنة وعززت هذا الإلهام بالمعرفة – على حد قولها – ولكن في ظل الاتهامات الموجهة إلى هذا المجال بالخداع بالتدخل في ما يخبئه القدر، ترى خبيرة التاروت أنها تمنح المتعاملين معها بعض الإرشادات والإنذارات للحذر ولا تدعي معرفتها بما يخبئه الله، مشبهة الأمر بتنبيهات الأرصاد الجوية التي تعطي الناس نصائح متعلقة بتوقعات الطقس لأخذ الاحتياطات.

وفي حين تعتمد تنبؤات الأبراج على حركة الفلك والنجوم والكواكب وتأثيراتها في كل برج، بما فيها الأبراج الصينية التي تستند إلى سنة الميلاد أيضاً وترتبط بالفلكية بصورة أو بأخرى على رغم اختلاف التسميات التي تتمحور حول الحيوانات، فإن أوراق التاروت تعتمد على استنباط رسالة أو قصة معينة من ترتيب الرموز على الورق. وقد وُضعت قواعدها منذ القرن الـ15 تقريباً وانتشرت في العالم، وهي تشبه لعبة الـ”ويجا” التي يتعامل معها كثر بتوجس وتشكك، زاعمين أنها تدخل في نطاق ما يسمى تحضير الأرواح، إذ تُلعب على لوح يتضمن حروفاً وأرقاماً وبعض الكلمات، وبناء على توجيه حركة اليد التلقائية يكتشف المتخصصون بعض الرسائل التي قد تخيف بعض الناس.

نقلاً عن : اندبندنت عربية