على رغم الحال القاتمة الذي تلف اليمن بفعل 10 أعوام من الصراع الدامي الذي نالت منه حواء اليمنية نصيباً وافراً، فإن ثمة ومضات من وجوه اليمنيات تشع بقصص نجاح ملهمة ربما لم تكن غريبة عن بلد عريق خلد التاريخ في فصوله المثيرة حضوراً نسائياً بارزاً، وقد تكون لهذه الجهود إسهامات في رفد عودة السلام والبناء والتنمية لبلدهن الكسير.
وما بين الاعتقالات التعسفية والنزوح والاغتراب والفقر والظلم الاجتماعي ورعاية الأبناء تتلخص معاناة نساء اليمن لتأتي التقارير الحقوقية مؤكدة الحال الصعبة التي يعشنها ومن بينها ما كشف عنه مرصد حقوقي دولي عن “الانتهاكات الموثقة بحق النساء في اليمن التي تجاوزت 8400 حالة منذ بداية الصراع في البلاد عام 2015 وحتى نهاية العام الماضي 2024”.
ورصد المركز الأميركي للعدالة عدداً من الانتهاكات لمناسبة اليوم العالمي للمرأة، من بينها ما يقارب 1900 حالة اعتقال تعسفي وآلاف حالات القتل.
هناك جانب مضيء
وعلى رغم الواقع والبيئة الطاردة للعطاء والنجاح وما تضمنته التقارير الحقوقية من أرقام مخيفة ومقلقة عن الانتهاكات المريعة التي تكابدها اليمنيات، فإن حفيدات بلقيس لم يرضخن لكل هذه الأسوار الموحشة، وبعنفوان مستمر واصلن العطاء والنضال الذي كان له الأثر الواضح في التخفيف من وطأة المعاناة التي ضمدت جراح الوطن المنهك.
ومن بين قصص النجاح ما حققته الناشطة وصانعة السلام البارزة منى لقمان التي جمعت قصص نجاح شتى تنوعت بين الكتابة الإبداعية والنشاط الحقوقي وصناعة السلام ومساعدة قريناتها اليمنيات اللاتي يكابدن ظروفاً إنسانية صعبة في ظل الصراع الدائر.
وعلاوة على الحضور السياسي والحقوقي الذي برز أخيراً، تحفل مسيرة لقمان المهنية بتجارب ثرية في مجالات الرعاية الصحية والاجتماعية ومشاريع المياه وإزالة الألغام وتجربتها مع منظمة إنقاذ الطفولة، إضافة إلى سلسلة من الكتابات والمؤلفات في الأدب والتنمية الذاتية وغيرها.
وتتويجاً لحضورها الدؤوب لمصلحة التنمية وتطوير سبل العيش في مختلف المحافظات منحت لقمان جائزة دولية وهي وسام “كلينتون 2023” للشجاعة والقيادة الاستثنائية لصناعة عالم أكثر أماناً واستقراراً من بين كثير من المرشحين للجائزة.
وخلال حفل التكريم الذي جرى في جامعة جورج تاون بحضور وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون وأعضاء من الكونغرس ودبلوماسيين من مختلف دول العالم إضافة إلى منظمات غير حكومية وناشطين من دول عدة، قالت لقمان إن “هذه الجائزة تذكير صارخ بأن العالم لا يمكنه أن يغض الطرف عن الحرب المستمرة والأزمة الإنسانية والمعاناة العميقة التي يتحملها شعب اليمن”.
وفي إطار نشاطها لتصحيح السرديات المغلوطة عن اليمن وحشد المناصرة الدولية، قدمت عام 2022 شهادة مفصلة أمام لجنة مجلس النواب للشؤون الخارجية المعنية بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا والإرهاب الدولي في الكونغرس الأميركي حذرت خلالها من خطورة فرض الشعارات الأيديولوجية الأحادية، خصوصاً على الأطفال والشباب، كما استعرضت الانتهاكات ضد النساء داخل السجون في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون.
أشواق تطوي مسافات المهرة الطويلة
وفي أقصى المنطقة الشرقية لليمن برز وجه نسائي آخر من محافظة المهرة المحاذية لسلطنة عمان، طاوية مسافات طويلة من المشقات والتعب المترامي لتثري مجتمعها بجهودها المجتمعية التي بذلتها بسخاء. إنها التربوية والناشطة المجتمعية أشواق مبارك عوشن التي ظهر أثرها وكبر بدءاً من منطقتها في مديرية قشن مروراً ببقية مناطق وأرياف وقرى محافظة المهرة.
وبرز عطاء عوشن عندما عملت مديرة لمدرسة الفاروق للبنات خلال سنوات شبابها الأولى، ووفقاً لشهادات نساء مهريات فأشواق منحت محافظتها أجيالاً من الفتيات المتعلمات ممن حملن على عواتقهن مهمة بناء جيل متطلع إلى مستقبل واعد بعدما عانت محافظتهن عقوداً من التهميش والنسيان قبل أن تحمل قلمها وتنتقل إلى المكتب التنفيذي لتتولى منصب مديرة إدارة تنمية المرأة بمديرية قشن عام 2018.
هذا الموقع أتاح لأشواق فرصة أفضل لتقديم مزيد من العطاء إلى المرأة المهرية لتعزيز دورها الإنساني والتربوي والاجتماعي سواء من خلال المبادرات الذاتية أو برامج التأهيل والتدريب والإشراك المجتمعي، ومن ضمن النشاطات التي تولتها مبادرة العلاج المجاني للأمهات والأطفال خلال شهر رمضان وتنظيمها سلسلة من البرامج والدورات التي تحفز المرأة المهرية وتدفعها إلى المشاركة بفاعلية في العمل التنموي والمهني والحرفي ونيل حقوقها، محدثة ثورة اجتماعية في مجتمعات غارقة بعاداتها الرافضة لكسر عزلة الموروث.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلاوة على جهودها في تطوير حضور المرأة نجحت عوشن في الدعوة إلى عقد اجتماعات مع السلطة المحلية وشيوخ قبائل المديرية ورجال الأعمال دعت خلالها إلى تمويل بعض المشاريع الخدمية منها بناء صالة أفراح لتخفيف كلف الزواج وحفلات التخرج وغيرها.
كما كان لها إسهامها في الحفاظ على الهوية التاريخية للغة المهرية وإبراز الموروث الثقافي وتشجيع القطاع النسائي على الالتحاق بركب التعليم والقضاء على الجهل والأمية.
ابتسام يمنية في عموم بريطانيا
وفي يوليو (تموز) من عام 2024 احتفت الجالية اليمنية في بريطانيا بفوز البريطانية من أصول يمنية ابتسام قاسم محمد الشرفي بعضوية مجلس العموم بعد تمكنها من هزيمة مرشح حزب المحافظين في مدينة شيفيلد.
ومثلت الشرفي حزب العمال في الانتخابات التي جرت الخميس الماضي لتصبح بذلك أول بريطانية من أصل يمني تنال هذا المنصب، وجاء فوزها في إطار الانتصار الكبير الذي حققه حزب العمال بالحصول على 411 مقعداً من أصل 650 في مجلس العموم.
في المقابل تراجع حزب المحافظين الذي حكم البلاد منذ عام 2010 إلى 119 مقعداً فقط، مما سيعيده لصفوف المعارضة، إلى جانب حزب الديمقراطيين الأحرار الذي نال 70 مقعداً.
ومدينة شيفيلد مركز محوري للجالية اليمنية التي تعد من أقدم الجاليات العربية في بريطانيا، إذ استقرت في البلاد منذ أكثر من 150 عاماً، وهي المدينة التي ولد فيها أسطورة الملاكمة العالمية نسيم حميد لأب وأم من محافظة البيضاء وسط اليمن.
تطور مهم
واعتبر السفير اليمني لدى بريطانيا ياسين سعيد نعمان أن فوز الشرفي “تطور مهم في حياة اليمنيين المقيمين في بريطانيا”.
وقال نعمان لـ”اندبندنت عربية” إن “فوز الشرفي سجل نقلة كبيرة في حياة المهاجرين اليمنيين الذين ظلوا منعزلين حتى جاء هذا الجيل الذي تخطى العزلة بواسطة العلم وأخذ يعزز مكانتهم ضمن المجتمعات المحلية التي يعيشون فيها”.
ومن جانبها شكرت الشرفي في منشور عبر منصة “إكس” كل من صوت لها وقالت إنه “لشرف وامتياز مطلق أن تكون عضواً في البرلمان”.
نقلاً عن : اندبندنت عربية