في حين تشعر الشركات في مختلف أنحاء الولايات المتحدة بالقلق من أن تهديد الرئيس المنتخب دونالد ترمب بفرض تعريفات جمركية جديدة قد يعني ضربة هائلة لأرباحها، تستعد صناعة واحدة في الأقل للعكس تماماً، ومع بقاء أقل من شهر حتى عودة ترمب لمكتبه في البيت الأبيض تواجه كثير من الشركات التي تشحن البضائع من وإلى الولايات المتحدة أسئلة حاسمة مثل، هل يجب أن ننقل إنتاجنا إلى مكان آخر؟ وإذا كان الأمر كذلك فأين؟ وكم سيكلف ذلك؟ وهل سنضطر إلى تغيير أسعارنا بسبب ذلك؟ وهل سيكلفنا ذلك كعملاء؟

وتأتي هذه الأسئلة في وقت تعهد ترمب بفرض تعريفات جمركية شاملة على كل ما تستورده الولايات المتحدة، مع فرض أشد الرسوم الجمركية على السلع الواردة من الصين، تليها المكسيك وكندا، إذ تعد الدول الثلاث أكبر شركاء تجاريين لأميركا.

والأسبوع الماضي رفع ترمب الرهانات وتعهد بفرض تعريفات جمركية جديدة على دول الاتحاد الأوروبي ما لم تشتر مزيداً من النفط والغاز الأميركيين.

وقال في منشور إن “التعريفات الجمركية ستكون هي السائدة”، من دون تحديد مستوى لها.

مخاوف من ضربة محتملة للتجارة العالمية

ويشير الواقع إلى أن الشركات تشعر بالتوتر إزاء حجم التعريفات الجمركية وأيضاً إزاء الجدول الزمني، لأن ترمب قادر منذ اللحظة الأولى التي يتولى فيها منصبه في الـ 20 من يناير (كانون الثاني) المقبل على تعطيل التجارة العالمية على الفور بمجرد نقرة قلم، مع قدرته على توقيع تعريفات جمركية جديدة لتصبح قانوناً.

وقد تستجيب البلدان الخاضعة لتعريفات جمركية جديدة بسرعة بفرض تعريفات جمركية انتقامية على السلع المصنوعة في أميركا، مما قد يلحق الضرر بصورة مباشرة بالصناعات التي تعتمد على التصدير مثل النفط والغاز، فضلاً عن التصنيع الكيماوي وصناعة السيارات، وقد يؤدي هذا إلى ترك الشركات مع قليل من الوقت للاستعداد أو عدم وجود أي وقت على الإطلاق للاستعداد، في حين تتدافع إلى طلب شحنات كبيرة من المخزون في اللحظة الأخيرة أو توقيع عقود تصنيع جديدة مع المنتجين.

وإذا تركت الشركات لأجهزتها الخاصة تحت ضغوط متزايدة فمن السهل عليها أن تتخذ قرارات قد تكلفها في نهاية المطاف كثيراً من المال والعملاء في وقت واحد، وهنا يأتي دور مستشاري سلسلة التوريد والتجارة.

من جهته قال رئيس شركة “تريد فاسيليتورز إنك” ولدان غاردنر “لا أعتقد أن أي شخص، أو في الأقل مشارك ضميري في التجارة العالمية، يتطلع إلى ممارسة الأعمال التجارية على أكتاف الفوضى والمعاناة”، مستدركاً “لكن الحقيقة تظل أن الشركات ستمضي قدماً وسيكون هناك عمل يتعين القيام به من جانب الاستشارات”.

تدفق الاستفسارات عن الأعمال الجديدة

وخلال الآونة الأخيرة كان غاردنر، وهو صاحب شركة استشارية مقرها لوس أنجليس متخصصة في إدارة سلسلة التوريد العالمية والخدمات اللوجستية، يساعد العملاء على رسم خريطة للدول التي يمكنها إنتاج السلع التي يبحثون عنها.

وقال إن عملاءه يشملون المستوردين والمصدرين الذين يغطون مجموعة واسعة من الصناعات ويحققون مبيعات سنوية تراوح ما بين 200 مليون دولار وملياري دولار، ثم يبدأ محادثات مع جهات الاتصال التي لديه في المصانع الموجودة هناك، وأخيراً يقدم لهم تقديرات لما يشير إليه بـ “الكلفة الإجمالية للإنزال” للمنتج، والتي تشمل جميع الرسوم الجمركية ونفقات الإنتاج والنقل وأي كلف أخرى مرتبطة بنقل شيء ما من النقطة (أ) إلى النقطة (ب)، مما يمنح العملاء إحساساً بكيفية تسعير السلع للعملاء في النهاية.

وفي معظم الحالات يتقاضى إما رسوماً شهرية أو ينشئ عقوداً مع العملاء لمشاريع ذات نتائج محددة لفترة محدودة ما بين ستة أشهر إلى عام، ولكن في كثير من الحالات ينتهي بهم الأمر إلى التمديد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتابع أن “بعض هذه المشاريع عُلقت حتى يتوافر مزيد من المعلومات حول ما سيفعله ترمب بالرسوم الجمركية، لكن بالفعل تتدفق استفسارات الأعمال الجديدة قبل عودة ترمب للبيت الأبيض، وفقاً لما قاله غاردنر، الذي كان سمساراً جمركياً مرخصاً أيضاً في الولايات المتحدة لأكثر من 30 عاماً، وبدأ بعضهم حتى في تغيير خطط إنتاجهم بعد التشاور معه قبل أية تعريفات جمركية جديدة.

وقال الرئيس التنفيذي لشركة “ماين بوينت”، وهي شركة استشارات لسلسلة التوريد والعمليات وجزء من مجموعة “إس جي إس”، جوزيف استيفز ، إن كثيراً من العملاء الجدد يتطلعون إلى تجنب تكرار الأخطاء الناجمة عن الوباء، مضيفاً “لقد علمتهم الطريقة الصعبة لمواءمة مخزونهم مع الطلب ومنع تخزين المخزونات غير الفعالة، أو بعبارة أخرى التعثر في مخزون مفرط لا يباع”.

ومع إمكان فرض تعريفات جمركية جديدة يمكن أن ترفع كلفة السلع بصورة كبيرة، بدأت كثير من الشركات تخزين السلع لتجنب احتمال الاضطرار إلى رفع الأسعار، ولكن إذا لم يصمد الطلب الاستهلاكي فإن هذا يخاطر بتكرار موقف الوباء، إذ طلبت الشركات في بعض الحالات مخزوناً زائداً عن الحد للتغلب على أزمات سلسلة التوريد بهدف ضمان وجود ما يكفي لبيعه للعملاء، ولهذا السبب يأتي كثير من العملاء إلى “مين بوينت” للمساعدة في تحقيق التوازن ما بين العرض والطلب مع تقليل تأثير الأسعار.

ويتوقع استيفز أن تستمر الأعمال في التزايد مع تولي ترمب منصبه، قائلاً “أعتقد أننا سنحظى ببعض أعوام الاستشارات الرائعة”، مضيفاً “يستعد لتوظيف مزيد من العمال لمواكبة التدفق المحتمل للطلب”.

شركات الذكاء الاصطناعي تدخل السباق

وفي الوقت ذاته يشكل الذكاء الاصطناعي جزءاً متزايداً من سلسلة التوريد ومساحة الاستشارات مما يتيح للشركات تقديم حلول مخصصة، أما بالنسبة إلى بعض الشركات فهو في صميم عملها.

وبالنسبة إلى شركة “جي أي بي”، وهي شركة برمجيات سلسلة التوريد والمشتريات التي تقدم أيضاً خدمات استشارية، فإن أنظمة الذكاء الاصطناعي الخاصة بها تساعد الشركات في تتبع الإنفاق وإدارة آلاف الموردين ومراقبة المخزون والإشراف على العقود وتلقي التحديثات والتنبيهات في الوقت الفعلي حول الأسعار والمشكلات المحتملة، ويتنبأ نظام الذكاء الاصطناعي بالاضطرابات ومصادر توفير الكلف.

من جانبه قال نائب رئيس الاستشارات في الشركة جون بياتيك إن “خدمات التخطيط للطوارئ هي الموضوع الساخن بالتأكيد، إذ يبحث العملاء بصورة يائسة عن أفضل خططهم التالية في الحال الحالية، فعندما يجري تقديم التعريفات فإنهم قادرون على التحرك بسرعة وقبل منافسيهم للوصول إلى هذه الحلول”، لأنه إذا نقل أحد المنافسين الإنتاج إلى موقع جديد قبل شركة منافسة فيمكنه الحصول على سعر أفضل، وهناك أيضاً احتمال ألا يكون مصنع الإنتاج قادراً فعلياً على تحمل مزيد من العمل بعد توقيع عقد جديد مع عميل مختلف، موضحاً أن الشركة مشغولة للغاية بالفعل بزيادة الأعمال الجديدة المتعلقة بإدارة ترمب المقبلة، ولكن بمجرد فرض أية تعريفات جمركية جديدة فمن المرجح أن تصبح أكثر انشغالاً.

نقلاً عن : اندبندنت عربية