كشف بيانات حديثة عن زيادة كبيرة وقياسية في حالات التخلف عن السداد في سوق الديون المحلية في الصين فيما اتخذت الحكومة المركزية في الصين بعض الإجراءات الحاسمة لمواجهة أزمة الديون المعدومة التي أصدرتها أذرع التمويل التابعة للحكومات المحلية، لتسمح للحكومات المحلية بجمع نحو 2.2 تريليون يوان (309 مليارات دولار) عبر إصدار سندات جديدة للمساعدة في سداد ما عليها للدائنين، وأمرت الحكومة المركزية في الصين، البنوك التابعة للدولة بتقديم دعم إضافي لإعادة التمويل.
وأدت هذه التدابير إلى خفض كلفة الاقتراض إلى مستوى قياسي، واندفع المستثمرون مرة أخرى إلى السوق، مطالبين بشراء السندات والقروض، غير أن قطاعاً واحداً من هذه الديون لم يجر إصلاحه، إذ ارتفعت إلى مستويات قياسية حالات التعثر في ما يسمى المنتجات المالية غير القياسية، وهي من استثمارات الدخل الثابت غير المدرجة للتداول العام.
ووفق وكالة “بلومبيرغ”، ستسمح الصين للحكومات المحلية بإصدار سندات لدعم قطاع العقارات المتعثر، في إطار سعيها لوضع حد للتباطؤ الاقتصادي، وفي حين لا يوجد إحصاء رسمي لحجم هذا القطاع، إلا أن المحللين يقدرونه بنحو 800 مليار دولار.
تعذر سداد الالتزامات في 60 منتجاً مالياً
وخلال الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي تعذر سداد الالتزامات عن 60 منتجاً من هذه المنتجات المالية غير القياسية المرتبطة بالأذرع التمويلية للحكومات المحلية أو صدرت في شأنها تحذيرات من أخطار عدم السداد، بزيادة نسبتها 20 في المئة عن الفترة نفسها من العام الماضي، وفقاً لشركة “فايننشيال تشاينا إنفورميشن أند تكنولوجي” المتخصصة في توفير المعلومات.
وتشير البيانات إلى أن هذا الرقم في زيادة مستمرة، وإن كان صغيراً نسبياً حتى الآن، وبلغ مستوى قياسياً في البيانات المسجلة التي تبدأ من عام 2019. ولا تفصح الجهات المصدرة للديون بصورة عامة عن المبلغ الإجمالي، فلم تعلن أي أرقام في 40 حالة من بين 60 حالة من المنتجات المالية غير القياسية التي تخلفت عن السداد أو حذرت من أخطار عدم السداد، التي حصرتها شركة “فايننشيال تشاينا إنفورميشن أند تكنولوجي” المتخصصة في توفير المعلومات هذا العام، وبلغت قيمة المنتجات المالية الـ20 المتبقية نحو 4.55 مليار يوان (0.639 مليار دولار).
وتتوقع وكالة التصنيف الائتماني “أس أند بي غلوبال ريتينغز” زيادة في حالات التعثر في سداد الديون بالعملة الأجنبية بين جهات الإصدار السيادية خلال العقد المقبل، ويعود ذلك بصورة مباشرة إلى استمرار سلسلة الأزمات التي تضغط قطاع العقار الذي يستحوذ على 30 في المئة من ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي مذكرة بحثية حديثة، قالت العضو المنتدبة في وكالة “أس أند بي غلوبال ريتينغز” العالمية للتصنيف الائتماني، لورا لي، “على رغم تطبيق الصين مجموعة من السياسات التي تهدف إلى معالجة ديون الأذرع التمويلية للحكومات المحلية، ينبغي أن تضمن هذه السياسات سداد السندات التي تصدرها هذه الأذرع لأنها جزء من سوق رأس المال، وفي حال تعثرها فإن ذلك يعرض الاستقرار المالي والاستقرار الاجتماعي للخطر”.
وتلجأ الأذرع التمويلية للحكومات المحلية إلى المنتجات المالية غير القياسية بسبب معاناة هذه الحكومات من ضائقة مالية متزايدة نتيجة التباطؤ الاقتصادي في البلاد والخفض الحاد في مبيعات الأراضي.
وشددت الجهات التنظيمية القيود على إصدار الأذرع التمويلية لهذه الحكومات للسندات، مما اضطرها إلى البحث عن بدائل، وهي تدفع عادة فائدة تراوح ما بين سبعة وثمانية في المئة على المنتجات المالية غير القياسية مقارنة بفائدة بنسبة ثلاثة في المئة للسندات المدرجة.
الديون تتصدر 3 أزمات تخنق النمو الصيني
وقبل أيام أظهرت بيانات رسمية أن اقتصاد الصين سجل في الربع الثالث أبطأ وتيرة نمو منذ أوائل عام 2023، عند مستوى 4.6 في المئة، وعلى رغم أن بيانات الاستهلاك والإنتاج الصناعي جاءت أفضل من التوقعات الشهر الماضي فإن قطاع العقارات المتعثر لا يزال يشكل تحدياً كبيراً لبكين التي تسعى جاهدة لإنعاش النمو.
ومنذ أواخر سبتمبر (أيلول) الماضي صدرت بيانات من بنك الشعب (المركزي الصيني) تعهدت خفض أسعار الفائدة وضخ مزيد من السيولة في الاقتصاد، وتوفير التمويل لشركات الأوراق المالية، وبيانات من المكتب السياسي للحزب الشيوعي الحاكم والذي قال إنه يريد استقرار السوق العقارية ودعم سوق المال والتحول نحو سياسة نقدية ومالية مرنة، ومن لجنة التخطيط والتنمية الاقتصادية المعنية بالتخطيط للحكومة وفيها تعهدت حزمة سياسات لدعم الطلب المحلي، ثم بيان من وزير المالية نفسه، الذي تعهد في مطلع الأسبوع الجاري بيع مزيد من السندات لتمويل عمليات زيادة رأسمال البنوك ودعم الحكومات المحلية ومساعدة المستهلكين.
يقول الباحث الزميل في برنامج الاقتصاد والتمويل العالمي بالمعهد الملكي للشؤون الدولية في بريطانيا ديفيد لوبين إنه على رغم ندرة التفاصيل استجابت سوق الأسهم الصينية بحماسة لهذه الموجة من البيانات الحكومية، لكن السؤال الأكبر بالنسبة إلى الاقتصاد العالمي هو هل يستطيع تعزيز الطلب الصيني إعادة البلاد إلى مكانتها السابقة كوجهة موثوقة للصادرات ورؤوس الأموال العالمية.
يقول المتفائلون إن ما أعلنته المؤسسات الصينية خلال الأسابيع الأخيرة هو أنها عادت الآن إلى وضع التحفيز، وهذا الكلام صحيح جزئياً، لكن هناك ثلاثة عوامل تقول إن الأمر مختلف قليلاً هذه المرة، بحسب لوبين.
أول هذه العوامل أن تزايد أعباء الديون يثير قلق السلطات الصينية في شأن الاستقرار المالي، إذ تشير بيانات بنك التسويات الدولي إلى أن ديون القطاع الخاص في الصين تضاعفت خلال السنوات الـ15 الماضية لتصل إلى ما يعادل 200 في المئة من إجمالي الناتج المحلي بنهاية 2023، في حين يقل هذا المعدل في كل من الولايات المتحدة ومنطقة اليورو إلى 150 في المئة تقريباً.
ثاني هذه العوامل هو أن الأيديولوجيا تلعب دوراً متزايداً في السياسة الاقتصادية الصينية، ويوضح لوبين تأثير هذا الدور في إعطاء الشركات المملوكة للدولة الأولوية على حساب القطاع الخاص. وأصبح هذا واضحاً بصورة خاصة في 2021، من خلال حملة استهدفت منع “التوسع غير المقيد لرأس المال”، وهي طريقة بكين للتعبير عن قلقها من تعارض طرق تصرف الشركات الخاصة مع أهداف الحزب الشيوعي.
أما ثالث العوامل فهو أن الأخطار الجيوسياسية التي تواجهها بكين اليوم تشكل السياسة الصينية، وأصبحت هذه الأخطار واضحة تماماً في فبراير (شباط) 2022، بعد الحرب الروسية ضد أوكرانيا، حينما قررت الدول الغربية الكبرى تجميد الأصول الروسية وحظر استخدام عملات هذه الدول، وأدى هذا إلى وضع اقتصاد روسيا تحت شبكة كثيفة من العقوبات التي حرمته من الوصول إلى مجموعة كبيرة من الواردات.
نقلاً عن : اندبندنت عربية