أثارت ظاهرة الاختفاء القسري والاختطاف خلال الحرب المندلعة بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع” منذ أبريل (نيسان) 2023 غضب وقلق الأسر والقانونيين والنشطاء على مصير آلاف المدنيين خصوصاً بعد حدوث عشرات الوفيات في السجون، إذ وردت تقارير عدة عن حالات لضحايا مفقودين منذ أكثر من عام ونصف العام، في وقت تتهم فيه منظمات حقوقية طرفي الصراع بالتورط في عمليات احتجاز واعتقال غير قانونية بحق السودانيين.

وتعج مواقع التواصل الاجتماعي بعدد من الإعلانات والنداءات التي تحمل صور هؤلاء المفقودين مرفقة بأرقام هواتف عائلاتهم في ظل توقف عمل الشرطة منذ تفجر القتال، مما عقد عملية البحث عبر الجهات الرسمية.

مصير مجهول

في نهاية مايو (أيار) 2023، غادرت فاطمة حسن منزلها في مدينة أم درمان، لزيارة والدتها في ضاحية بحري في رحلة تستغرق 30 دقيقة، ولكنها لم تعد منذ ذلك الحين إلى بيتها وزوجها وأطفالها الثلاثة.

تتزامن واقعة فاطمة مع العثور على هبة عبيد وعودتها إلى أسرتها سالمة، بواسطة القوات الخاصة في منزل بالحلفايا شمال الخرطوم، هي ومعها مجموعة من الفتيات ونساء من كبار السن بعد فقدانها في الأسبوع الأول من الحرب.

وتروي أم سلمة مجذوب التي فقدت ابنها الطاهر قبل أكثر من ستة أشهر، “كان ابني يعمل في أسواق منطقة شرق النيل بالخرطوم، وظل يعود كل يوم إلى المنزل في الفترة المسائية، وفي أحد الأيام لم يصل في الموعد المحدد، حاولنا الاتصال به فوجدنا هاتفه مغلقاً، ووضعنا احتمال أن يكون فقد الشحن أو بسبب عطل في شبكات الاتصالات التي تتأثر في كل فترة”.

وأوضحت مجذوب، “بدأ القلق يساورنا مع مرور الوقت حتى دخل الليل، ليصبح الأمر بالنسبة لنا غير عادي، ولم أستطع النوم طوال تلك الليلة، وقمنا بالاتصال بزملائه في العمل، إذ أكدوا لنا أنه تحرك بالفعل إلى المنزل، ومنذ ذلك اليوم بدأنا في البحث عنه من خلال نشر صوره في مواقع التواصل الاجتماعي، من دون أن نجد أي خيط يوصلنا إليه حتى هذه اللحظة”.

دعاوى جنائية

إلى ذلك، أعلن تقرير صادر عن المجموعة السودانية لضحايا الاختفاء القسري ارتفاع الحالات، إذ بلغت 993 مفقوداً، بينهم 96 امرأة.

وشهدت مدن ود مدني والكاملين والحصاحيصا بولاية الجزيرة، وكذلك مدينة الرهد في ولاية شمال كردفان ومنطقة جبل أولياء جنوب الخرطوم تزايد أعداد المفقودين مقارنة ببقية ولايات البلاد المختلفة.

وقيدت المجموعة السودانية بعد الحصول على موافقة النيابة العامة، دعاوى جنائية في شأن 451 مفقوداً منذ اندلاع الحرب قبل 18 شهراً.

 

تفاقم الأوضاع

على الصعيد نفسه، تلقت وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل التابعة للحكومة السودانية تقارير عن نحو 20 فتاة وأطفال وكبار سن، تراوح أعمارهم ما بين سبع سنوات و75 سنة ظلوا محتجزين قسرياً لمدة خمسة أشهر في مساحة محدودة بمنطقة أمبدة في مدينة أم درمان في ظل ظروف قاسية تحت سيطرة قوات “الدعم السريع”.

وأشارت الوحدة إلى أن “المحتجزين حرموا من أبسط الحاجات وتم منعهم من التواصل مع العالم الخارجي، وكذلك عاشوا في أوضاع إنسانية صعبة تنعدم فيها الكرامة الإنسانية، قبل أن يفرج عنهم بعد المعارك الأخيرة بالمنطقة خلال الأيام الماضية”.

وقالت مديرة وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل سليمى إسحاق، إن “الوحدة مع شركائها على الأرض تعمل على جمع المعلومات المتعلقة بحالات الاختفاء القسري للنساء والفتيات في السودان وتوثيقها، وتحث المنظمات الأممية والدولية المعنية بالمرأة والطفل على دعم جهود إنهاء معاناة المحتجزات وإعادة المخفيات قسرياً، والضغط لضمان محاسبة الضالعين في هذه الجرائم”.

تجاوزات ووفيات

على نحو متصل، قال رئيس مجلس أمناء هيئة محامي دارفور الصادق علي حسن، “ليس لدينا إحصاءات بعدد المفقودين جراء هذه الحرب، والراجح أن أعدادهم كبيرة، ونتيجة تمدد رقعة القتال عانى المتطوعون من تزايد الانتهاكات، فضلاً عن ضعف عمل المنظمات في الرصد والتوثيق، مما أضعف آليات المتابعة الذاتية”.

وأضاف حسن، “قبل ثلاثة أشهر تجاوزت تقديراتنا وجود نحو 10 آلاف حالة اختفاء قسري، ولكن الأوضاع بعد ذلك تغيرت بسبب الاعتماد على الإمكانات الذاتية للأعضاء والشركاء”.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأوضح أن “عدداً كبيراً من ذوي الضحايا يتواصلون مع الهيئة ويسهمون في تقديم المعلومات لأنهم لم يفقدوا الأمل في الوصول إلى أبنائهم، وهناك أكثر من خمس حالات في ولاية الخرطوم بطرف قوات الدعم السريع، وكذلك تجاوز عدد المختفين قسرياً في شمال السودان 300 شخص خصوصاً في مدن عطبرة وشندي ومروي، واتخذت الحكومة مما أصدرته من قانون الوجوه الغريبة أداة للملاحقات والقبض الجزافي بسبب الاشتباه في التعاون أو الصلة بـ(الدعم السريع) أو ما يسمى الحواضن”.

وأوضح رئيس مجلس أمناء هيئة محامي دارفور أن “هناك حالات وفاة حدثت أثناء القبض والاعتقال لمختفين قسرياً، كما وصلت إلى الهيئة بلاغات قتل عدة أثناء الاشتباه، ولكن ليست لدينا إمكانات للتحقق والتقصي، وقد وردت إلينا معلومات عن قتل عديد من الشباب في معتقلات وسجون الأطراف المتحاربة، ولكن الحالات لدى قوات ’الدعم السريع’ أكثر نسبياً”.

وسائل ضعيفة

ومع هذا الوضع، تتنامى مخاوف المدنيين السودانيين في المناطق التي تشهد توترات وقتالاً مستمراً من تزايد حالات الاختفاء القسري وخطف الفتيات وتعرضهن للاعتداء الجنسي أو القتل.

وفي هذا الصدد، تعرب الناشطة في مجال حقوق المرأة نوال البشير عن قلقها إزاء تزايد حالات الاختفاء القسري، معتبرة أن “إفادات الناجيات في شأن وجود فتيات محتجزات في مناطق مختلفة بالخرطوم وإقليم دارفور تشير إلى تصاعد الانتهاكات ضد النساء وإقحامهن في الصراع ليصبحن ضحايا للعنف الجنسي المتصل بالنزاع المسلح”.

وأضافت، أن “المتطوعين يواجهون صعوبات جمعة تمنعهم من الوصول إلى المفقودين من آلاف الشباب وكبار السن نظراً إلى عدم وجود صلاحية تمكنهم من دخول المعتقلات لدى الجيش السوداني أو مقار قوات (الدعم السريع) بخاصة أن البلاد تمر بحرب، كما لا توجد أي جهة يتواصلون معها في هذا الخصوص غير أسر المفقودين”.

وأوضحت البشير أن “هذه القضية مقلقة جداً للأسر التي فقدت أبناءها ولا تدري أين مكان اختفائهم وهل هم أحياء أم مقتولون وما وضعهم الصحي؟ وللأسف فإن الجهد في هذه الحالة يكون عبر وسائل غير رسمية مثل مواقع التواصل ولجان متطوعة وناشطين وغيرهم، من ثم تكون وسائل البحث ضعيفة جداً، بعكس الوضع عندما تعمل الشرطة التي تمتلك آليات وصلاحيات وخبرات في هذا المجال، إضافة إلى أن التحرك في ظروف القتال يكون خطراً ومحسوباً”.

نقلاً عن : اندبندنت عربية