عادت مآسي غرق المهاجرين غير الشرعيين الجزائريين في عرض البحر إلى الواجهة، إذ يسعى مئات الشبان الجزائريين والمهاجرين من دول أفريقية أخرى إلى الوصول إلى الشواطئ الأوروبية عبر البحر المتوسط في رحلة مشحونة بالأخطار والعواقب الوخيمة، مما جعل الطريق البحري بين الجزائر وإسبانيا الأخطر عام 2024.

حوادث مأسوية

في حادثة مأسوية جديدة عُثر على جثث أم وأربعة من أطفالها على سواحل ولاية مستغانم غرب الجزائر، بعد انقلاب قارب هجرة كان يقلهم نحو السواحل الإسبانية. واهتز الشارع المحلي في مستغانم للحادثة، وتداولت صفحات جزائرية صور عملية نقل الجثث التي انتُشلت من البحر إلى مستشفى المدينة، فيما نشرت صور الأطفال الذين قضوا في هذه الحادثة، وكان التفاعل واسعاً على مواقع التواصل تزامناً ومراسم الدفن الذي أقيم في أجواء مهيبة.

الحادثة كشف عنها الناشط الإسباني المتخصص في متابعة أخبار الهجرة فرانشيسكو جوزي كليمنتي الذي أبرز أن القارب غرق على بعد بضعة كيلومترات فقط من ساحل مستغانم بعد ظهر الـ31 من ديسمبر (كانون الأول)، مرجحاً نجاة الأب، مما يفترض أن الأمر يتعلق بهجرة عائلة مكونة من الوالدين وأبنائهما.

تأتي هذه الحادثة المؤلمة بعد أيام من فاجعة أخرى في ولاية بومرداس، شمال وسط البلاد، حين غرق قارب يحمل 32 شخصاً، مما أسفر عن وفاة 28 منهم، بينهم امرأة حامل وأطفال قصر.

بالموازاة تناقلت صفحات جزائرية تقارير تفيد بغرق قارب انطلق من شاطئ بومرداس كان متوجهاً نحو السواحل الإسبانية. وأكد الناشط الإسباني صحة هذه الأنباء، مشيراً إلى أن عمليات البحث عن المفقودين ما زالت مستمرة.

ووفقاً لما تم تداوله من مصادر لم تؤكدها السلطات الجزائرية بعد، فإن القارب، المزود بمحرك من نوع “ياماها 85″، غرق قبالة سواحل كاب جنات شرق ولاية بومرداس (60 كيلومتراً شرق الجزائر العاصمة).

وفي منشور له على “فيسبوك” أوضح مارتين أن مأساة جديدة وقعت صباح الخميس الثاني من يناير (كانون الثاني) الجاري قبالة سواحل بومرداس، حيث أبلغ عن غرق قارب للمهاجرين.

وأشار كليمنتي إلى أن قوات خفر السواحل الجزائرية نجحت في تحديد مكان القارب الغارق وانتشال جثث ثلاثة من الركاب، بينما لا تزال عمليات البحث والإنقاذ مستمرة للعثور على بقية الجثث والمفقودين.

مسار خطر

وكشف تقرير حديث أصدرته المنظمة غير الحكومية الإسبانية “كامنندو فرونتيراس” عن أن عام 2024 شهد ارتفاعاً غير مسبوق في أعداد الوفيات المرتبطة بمحاولات الهجرة غير الشرعية عبر البحر الأبيض المتوسط، أو ما يعرف بـ”الحرقة”. فقد بلغ عدد الضحايا 10457 شخصاً بمتوسط يومي يصل إلى 30 حالة وفاة، مما جعل هذا العام الأكثر دموية في تاريخ الظاهرة.

وبحسب صحيفة “إسبانيول” فإن الطريق البحري الرابط بين الجزائر والسواحل الشرقية لإسبانيا، من ألميريا إلى فالنسيا، مروراً بأليكانتي وجزر البليار، سجل وحده وفاة 517 شخصاً، بزيادة قدرها 19 في المئة مقارنة بعام 2023.

وأشار التقرير إلى أن المسار الجزائري أصبح ثاني أكثر الطرق خطورة بعد الطريق الأطلسي المؤدي إلى جزر الكناري، الذي حصد أرواح 9757 شخصاً. كما سجلت 110 وفيات في طريق مضيق جبل طارق، و73 وفاة على طريق بحر البوران. علاوة على ذلك، سجل فقدان 131 قارباً 26 منها كانت تسلك الطريق الجزائري.

ولفتت المنظمة إلى أن الطريق الجزائري الذي كان في السابق يعتمد بصورة رئيسة على المهاجرين الجزائريين، أصبح يشهد تنوعاً متزايداً في جنسيات المهاجرين. وأظهر تقرير 2024 أن 40 في المئة من المهاجرين عبر هذا المسار ينتمون إلى مناطق أخرى مثل الساحل الأفريقي وغرب وشرق أفريقيا، إضافة إلى دول آسيوية كسوريا وفلسطين واليمن.

وأوضح التقرير أن وجهات الهجرة عبر هذا الطريق توسعت من السواحل القريبة، كألميريا وأليكانتي، إلى مناطق أكثر خطورة مثل فالنسيا وجزر البليار، التي أصبحت نقطة بالغة الخطورة نتيجة تزايد أعداد القوارب المغامرة للوصول إليها. وأشار إلى أن 91.42 في المئة من جثث الضحايا تبقى مفقودة في البحر، مما يترك عائلاتهم في حالة من الحزن والانتظار من دون أي إجابات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبحسب الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل التابعة للاتحاد الأوروبي (فرونتكس) توجد ثلاثة طرق بحرية للهجرة بطريقة غير نظامية من الجزائر نحو أوروبا.

وعبر 6062 مهاجراً من الجزائر نحو أوروبا ما بين يناير (كانون الثاني) وأغسطس (آب) 2024، بينهم 5245 شخصاً من الجهة الغربية للمتوسطي (ولايات وهران ومستغانم وعين تموشنت وتلمسان)، بينما أبحر 752 “حراقاً” عبر المنفذ الأوسط، وفق أحدث إحصاءات وكالة “فرونتكس”.

وتظهر المعطيات الرقمية أن غرب الجزائر بات المنفذ الأكثر استقطاباً لتهريب البشر نحو أوروبا، وأشهر مناطقه مدينة بني صاف بولاية عين تموشنت (غرب) التي لا يفصلها عن ألميريا الإسبانية سوى 150 دقيقة على متن قارب سريع. فقد أحال القضاء الجزائري مئات القضايا لشبكات تهريب البشر لجزائريين ومغاربة معظمها من غرب البلاد، وفق تقارير إعلامية جزائرية.

عصابات وتوقيفات

وتنشر مصالح الأمن والجيش الجزائري يومياً بيانات تتضمن توقيف مهاجرين غير شرعيين يحاولون خوض مغامرة العبور نحو الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط عبر قوارب تسيرها عصابات تهريب البشر عبر البحر مقابل مبالغ مالية وتستهدف فئة الشباب على وجه الخصوص.

وأعلن جهاز الشرطة الجزائرية في الخامس من يناير توقيف عناصر شبكة لتنظيم رحلات الإبحار السري في وهران (400 كيلومتر غرب الجزائر العاصمة) مكونة من أربعة أشخاص.

وأفاد بيان الشرطة بأن عناصر مصالح الأمن وضعوا حداً لنشاط هذه الشبكة، بعد “المعلومات المحصل عليها ميدانياً، والتي مفادها قيام أفراد الشبكة بتنظيم رحلات الإبحار السري، بعد تكثيف التحريات الميدانية والتقنية وتتبع وترصد نشاطهم الإجرامي، وتحديد هوياتهم ومكان وجودهم ليتم توقيفهم الواحد تلو الآخر وإحالتهم إلى العدالة”.

وفي السابع من ديسمبر 2024 أعلنت شرطة ولاية مستغانم أنها عطلت “شبكة إجرامية تنشط في تنظيم رحلات هجرة غير شرعية عبر البحر”، موضحة أنها اعتقلت 10 أشخاص أعضاء في هذه المجموعة، التي درجت على اجتذاب مرشحين للهجرة من طريق وسائل التواصل الاجتماعي.

وجاء في حصيلة وزارة الدفاع الجزائرية لعام 2024، فيما يخص محاربة الهجرة غير الشرعية، توقيف مفارز مشتركة للجيش 29587 مهاجراً غير شرعي من جنسيات مختلفة عبر التراب الوطني العام الماضي.

وشددت الجزائر عقوبات تهريب البشر ومكافحة الهجرة السرية، بعدما عدلت قانون الوقاية من الاتجار بالبشر ومكافحته في مايو (أيار) 2023، وتراوح عقوبته ما بين خمسة أعوام حبساً نافذاً والمؤبد.

مفاوضات ومقاربات

وتعد الجزائر ضمن دول العبور للمهاجرين غير النظاميين الوافدين إليها من بؤر النزاعات المسلحة والفقر والمجاعات في منطقة الساحل الأفريقي تحديداً، مما شكل إزعاجاً للضفة الأوروبية من تنامي معدلات الهجرة غير النظامية، حتى أضحى الملف محور محادثات ثابتاً على طاولة المفاوضات مع شركائها الأوروبيين.

ولأعوام طويلة بقيت الجزائر على خلاف مع المقاربة الأوروبية المتعلقة بمكافحة الهجرة غير الشرعية عبر الطرق الأمنية، حتى إنها رفضت الحصول على مساعدات أوروبية في إطار سياسة الجوار الأوروبية لاحتواء ظاهرة الهجرة عكس باقي دول شمال أفريقيا.

وعبر الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون عن تصور بلاده للتعاطي مع ظاهرة الهجرة غير النظامية التي تتفاقم باستمرار، وقال خلال أشغال المؤتمر الدولي حول التنمية والهجرة، إن المعالجة الأمنية لملف الهجرة و”إن كانت تستجيب للضرورة الملحة للحفاظ على النظام العام ومكافحة شبكات التهريب والاتجار بالبشر، إلا أنها لا تسهم في معالجة هذه الظاهرة بصورة مستدامة”.

وشدد الرئيس تبون على ضرورة اعتماد تصور شامل يقوم على التنمية لتطويق ظاهرة الهجرة غير الشرعية التي باتت تعانيها دول شمال أفريقيا شأنها في ذلك شأن الدول الأوروبية، وقال إنه “بات من الضروري تصور حلول شاملة تضمن تحقيق الاستقرار والدفع بديناميكيات التنمية وخلق فرص الشغل للشباب في دول المصدر من أجل تطويق الهجرة غير الشرعية”. ولفت في هذا السياق إلى أن “مقاربة الجزائر في مكافحة الهجرة غير الشرعية قائمة على دعم السلم والاستقرار في البلدان التي تشهد نزوحاً للمهاجرين، مع دعوتها إلى حشد مزيد من التمويل من أجل تنفيذ المشاريع التنموية وإعادة الإدماج وفق رزنامة زمنية محددة”.

قضية شائكة

ويقول الإعلامي الجزائري موسى قاسيمي إن كثيراً من الشباب الجزائريين ممن يقدمون على الهجرة بطريقة قانونية أو غير شرعية إلى الضفة الأخرى من البحر الأبيض المتوسط يعتقدون أنهم سيجدون ظروفاً أفضل من تلك التي يعيشونها في بلادهم، وأنهم سيجدون كل أسباب النجاح والتفوق بمجرد أن تطأ أقدامهم تراب القارة الأوروبية.

ويوضح في حديث إلى “اندبندنت عربية” إن من بين الدوافع التي تشجع الشباب على الهجرة، الظروف القاهرة التي يعانونها، على غرار مشكلة البطالة، والتسرب المدرسي، وتعاطي المخدرات، وهناك من أصابهم اليأس في إيجاد منصب عمل لائق يضمن لهم دخلاً من شأنه توفير لهم حاجاتهم الأساسية وحاجات أفراد عائلاتهم.

من جهته يرى المتخصص في علم الاجتماع بجامعة وهران ياسين فعفاع أن الهجرة، ولا سيما غير الشرعية، تمثل إحدى القضايا العالمية الشائكة، وأصبحت هاجساً لكثير من الدول والحكومات. وأشار إلى أن الجزائر تعد من الدول التي تشهد استمرار ظاهرة هجرة مواطنيها، بخاصة من فئة الشباب.

وأوضح فعفاع في حديث إلى “اندبندنت عربية” أن ظاهرة الهجرة شهدت تفاقماً ملحوظاً خلال العقد الأخير، استناداً إلى ما يتم تداوله عبر وسائل التواصل الاجتماعي، على رغم غياب إحصاءات رسمية دقيقة حول عدد المهاجرين غير الشرعيين، فإن الواقع يبرز أرقاماً تقديرية مقلقة تظهر حجم المشكلة. وأشار إلى أن الدراسات الأكاديمية، بخاصة في مجال علم الاجتماع، تعزو أسباب الهجرة إلى التدهور الاجتماعي وضبابية الأفق التنموي، مما يؤدي إلى فقدان الشباب الأمل في تحسين أوضاعهم. وأضاف أن البطالة وأزمة السكن تعدان من أبرز التحديات التي تؤرق الشباب والعائلات الجزائرية، إلى جانب غياب تكافؤ الفرص بين الكفاءات العلمية، ووجود فجوة بين خطابات المسؤولين والسياسيين التي يعدها الشباب شعارات جوفاء وشعبوية.

وعلى الصعيد النفسي يرى الطبيب فعفاع أن الإحباط النفسي الحاد وحالات الاكتئاب الناتجة من هذه العوامل الاجتماعية تعد من الأسباب الرئيسة التي تدفع الشباب للتفكير في الهجرة. كما أشار إلى أن آخر الدراسات النفسية أظهرت ارتفاعاً مقلقاً في حالات الاكتئاب وإدمان المخدرات بين الشباب، مما يزيد من احتمالات اتخاذهم قرار الهجرة بأي ثمن.

وفي ختام حديثه شدد فعفاع على أن الشباب الجزائري في حاجة إلى مؤشرات حقيقية وملموسة تتيح لهم رؤية مستقبل أفضل، من خلال تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة، وإرساء العدالة الاجتماعية، وتقديم خطاب سياسي يتسم بالصدقية ويوفر ضمانات فعلية لتحسين ظروفهم.

نقلاً عن : اندبندنت عربية