يعد هذا العام بباقة مثيرة لعشاق الأدب، إذ يترقب العالم في فبراير (شباط) إصدار رواية “لا نفترق” We Do Not Part، وهو أول عمل روائي للكاتبة الكورية الجنوبية هان كانغ منذ فوزها بجائزة نوبل للأدب في أكتوبر (تشرين الأول). أما شهر يناير (كانون الثاني)، فيشهد انطلاقة واعدة لمؤلفين جدد مثل كاثرين إيري بروايتها “اعترافات” Confessions، إضافة إلى سيرة ذاتية للبابا فرانسيس، وهو أول كتاب ينشره بابا أثناء جلوسه على الكرسي البابوي، إلى جانب رواية مميزة للبالغين بعنوان “سعيدة جداً من أجلك” So Thrilled For You من تأليف كاتبة روايات الشباب هولي بورن.

وتماشياً مع التجديد، تتبنى زاويتنا الأدبية هذا العام أسلوباً مختلفاً، إذ تسلط الضوء على أبرز إصدارات الشهر في مجالات الأدب، والسيرة الذاتية، والكتب غير الروائية. وفيما يلي، سنستعرض بالتفصيل رواية الكاتبة إيري، وسيرة حياة النجم جيمس دين، ودراسة رائدة عن العنصرية من تأليف كيون ويست.

سيرة الشهر: “جيمي: الحياة السرية لـ جيمس دين” Jimmy: The Secret Life of James Dean لـ جيسون كولافيتو ★★★★☆ 

لم يحقق المحللان النفسيان اللذان لجأ إليهما جيمس دين كثيراً من النجاح في مساعدته، في ما يبدو. ففي رسالة وجهها عام 1954 إلى “حبيبته” باربرا غلين – أي قبل سنة من وفاته بعمر الـ24 – اعترف النجم الهوليودي الخالد بصراحة بحالته المضطربة قائلاً: “يا إلهي! أنا محطم تماماً”.

باعتباره واحداً من أشهر الممثلين في القرن الـ20، كان دين محور عديد من السير الذاتية. وعلى رغم كون هذه هي السيرة الأولى التي أقرؤها، ولا يمكنني إجراء مقارنات، إلا أنني أستطيع الجزم بأن “جيمي: الحياة السرية لـ جيمس دين”، من تأليف جيسون كولافيتو، تقدم نظرة متعاطفة ومتعمقة لحياة دين، مع التركيز على السياق المجتمعي للذعر من المثلية في الخمسينيات.

نجم أفلام “شرق عدن” East of Eden و”متمرد بلا سبب” Rebel Without a Cause (صدر كلاهما في عام 1955) و”العملاق” The Giant (1956)، كان شاباً مضطرباً ومزاجياً يميل إلى التهويل والتضخيم، آتياً من منطقة الغرب الأوسط الأميركي. غياب والده عنه ووفاة والدته بالسرطان عندما كان في التاسعة من عمره تركا جراحاً عميقة في نفسه. لكن على رغم اضطرابه منذ الطفولة، كان يسعى إلى تحقيق حلم النجومية. إليزابيث تايلر التي شاركته بطولة فيلم “العملاق”، لاحظت تلك الجراح النفسية وأشارت إلى كونها “جراحاً عميقة جداً”، بما فيها تجربته الأليمة بالتعرض للاعتداء الجنسي في طفولته على يد القس جيمس ديويرد، وهو قس من الطائفة الميثودية الويزلية في ولاية إنديانا، معروف بين بعض السكان المحليين الأكثر إدراكاً لسلوكه بلقب “د. ويرد” (الدكتور غريب الأطوار).

أبلى كولافيتو بلاء حسناً في توثيق سلوكيات جيمس دين الغريبة، موضحاً السبب وراء الكراهية الشديدة التي تكنها له مجموعة من الكتاب والمخرجين والشخصيات اللامعة مثل مارلين مونرو وروك هادسون ومارلون براندو. كما نجح في رسم صورة مثيرة للبيئة التي كانت تحيط بـ دين: هوليوود الجشعة والمتناقضة، إذ كان دين يعبر عن رأيه كما يراه، واصفاً المديرين التنفيذيين المتسلطين الذين استهدفوه بـ”مصاصي الدماء”، وكتب بعد أن حقق النجاح في منتصف الخمسينيات، قائلاً: “أرفض أن أنجرف إلى هذا النوع من الأشياء”.

كانت استوديوهات السينما تحاول تصوير دين على أنه زير نساء، وعلى رغم كونه ثنائي الميول الجنسية، إلا أنه لم يكن يظهر أي استمتاع بمواعدة النساء أو ممارسة الجنس معهن. كان يربك الفتيات الجذابات عندما يواعدهن، إما بعدم اهتمامه التام أو بممارسته عادته في عرض رسومات فاحشة لرجال يمارسون الجنس. على كل حال كان دين متواطئاً مع الاستوديوهات لتورية حقيقته، إذ خلص كولافيتو إلى أن “دين كان يعمل بلا كلل للتحكم في صورته”، بل ودفع الأموال لرجل قام بابتزازه وتهديده بالكشف عن علاقاته مع رجال.

الصور المرفقة مع الكتاب مذهلة، وعلى رغم أن الكتابة تتدفق أحياناً (وهناك شغف خاص لدى الكاتب بكلمة “التشعب”)، فإن كتاب كولافيتو يقدم دراسة ثاقبة للعصر الغريب الذي تسبب في مثل هذا العذاب لـ دين. على سبيل المثال، القصة الحقيقية لفيلم “متمرد بلا سبب” قاتمة، إذ تعرض الممثل سال مينيو (الذي وصف شخصية بليتو التي أسندت إليه بأنها “بطريقة ما أول مراهق مثلي الجنس يظهر في السينما”) للنبذ من عدد من أعضاء فريق التمثيل بسبب “ميوله الجنسية المثلية الواضحة”. بينما في الوقت نفسه، كان المخرج نيكولاس راي، الذي كان في سن الـ43، يمارس الجنس مع الممثلة ناتالي وود التي تشارك في البطولة وتبلغ من العمر 16 سنة، في انتهاك لقوانين الاغتصاب القانونية في كاليفورنيا.

كان دين قارئاً جيداً – ومن بين مؤلفيه المفضلين فيديريكو غارسيا لوركا وألبير كامو، الذي كان يقوم بتقليد جلسته – وكان رياضياً ممتازاً، لكنه في الوقت نفسه لم يكن يبالي بالأخطار الجسدية، ففي نهاية المطاف، القيادة المتهورة هي التي لعبت دوراً في وفاته المأسوية. كما يكشف كولافيتو عن الضجة الإعلامية التي أعقبت وفاة دين. والتفاصيل الأكثر إثارة للشفقة (بالنسبة إلي في الأقل)، هي أنه تم السماح لـ ديويرد بالسير بترأس جنازته.

يصدر كتاب “جيمي: الحياة السرية لـ جيمس دين” لـ جيسون كولافيتو عن دار أبلاوز في الـ19 من يناير، وتباع النسخة الواحدة بسعر 25 جنيهاً استرلينياً.

رواية الشهر: “اعترافات” Confessions لـ كاثرين إيري ★★★★☆ 

 

تتتبع الرواية الأولى المثيرة للكاتبة كاثرين إيري، “اعترافات”، مسار ثلاثة أجيال من النساء، وتتنقل أحداثها بين نيويورك وريف أيرلندا. تتناول الرواية عدداً من المواضيع العميقة مثل الأسرار العائلية، والحب والمأساة، والصحة النفسية، وكراهية النساء، والتشرد والأحزان بسبب هجرة الأيرلنديين. 

إيري، التي درست الأدب الإنجليزي في جامعة كامبريدج وعملت في مجال النشر والإعلانات الحكومية قبل أن تتحول إلى الكتابة الأدبية، تبدأ روايتها “اعترافات” بافتتاحية أنيقة ومؤثرة في فصل تدور أحداثه في نيويورك عام 2001. هناك، تصبح كورا برادي، البالغة من العمر 16 سنة، يتيمة بعد أن توفي والدها مايكل في هجوم الـ11 من سبتمبر (أيلول) الإرهابي. تمضي أسابيع تتجول في المدينة في حالة ضياع – مما يمهد الأجواء لموقف طريف حول أصابع شوكولاتة “تويكس” وبرجي التجارة العالميين –  إلى أن تتلقى رسالة من خالتها رويشين، الأخت الصغرى لأمها الراحلة مايير، تعرض عليها اللجوء في بلدة صغيرة في دونيغال.

كان عنوان الرواية في البداية “مدرسة الصراخ”، وهو اسم لعبة الفيديو التي كانت تلعبها رويشين في الثمانينيات، التي تسهم في تكوين إطار للرواية وتصبح نقطة تحول في الحبكة. من خلال التنقل بين السرد المتغير وتسلسل الفلاش باك، تقوم إيري ببراعة بتركيب قصة ما حدث للأختين والغموض المحيط بـ لايكا، ابنة كورا. أثناء ذلك، تكشف إيري عن الأسرار والآلام التي يحملها تاريخ العائلة المليء بالفوضى، ويتضمن حالات انتحار واعتداءات جنسية. الأحداث الحقيقية مثل زواج تشارلز وديانا، ووفاة بوبي ساندز، وأزمة الإيدز، تظهر في خلفية قصة تتطرق أيضاً إلى معركة الحقوق الإنجابية، وصراع الأخوة، والسعي نحو المغفرة.

على رغم أن “اعترافات” تضعف في بعض الأماكن (وهو أمر غير مفاجئ لرواية متعددة الطبقات تمتد على 461 صفحة)، إلا أن تطوير الشخصيات وبنية الحبكة فيها قويان، ونجحت إيري في إطلاق رواية أولى جذابة ومكتوبة بإتقان.

تصدر رواية “اعترافات” لـ كاثرين إيري عن دار فايكينغ في الـ23 من يناير، وتباع النسخة الواحدة بسعر 16.99 جنيه استرليني.

الكتاب الواقعي لهذا الشهر: “علم العنصرية: كل ما تحتاج إلى معرفته، ولكنك ربما لا تعرفه – بعد” The Science of Racism: Everything You Need to Know But Probably Don’t – Yet لـ كيون ويست ★★★★☆ 

هناك مقاطع عدة في كتاب كيون ويست “علم العنصرية” قد تتسبب في تلبك دماغ القارئ، وذلك ببساطة بسبب حجم المعلومات القاتمة التي يقدمها في هذا البحث المتعمق حول العنصرية.

ويست، الأستاذ في جامعة لندن ورئيس الجمعية النفسية لدراسة القضايا الاجتماعية، يقدم أدلة لدعم حجته بأن العنصرية تؤثر في كل جانب من جوانب الحياة. في كتابه المعقد، ولكن الذي لا يزال في متناول القارئ، يرسم صورة محطمة للواقع الذي تعيشه الأقليات العرقية في البلدان ذات الغالبية البيضاء، بما في ذلك المملكة المتحدة – حيث تتضاعف معدلات البطالة بين السود، ومن المرجح أن يزداد استخدام رجال الشرطة الصاعق الكهربائي على الأشخاص السود بمعدل تسع مرات أكثر من غيرهم، وحيث يشكل البيض 98 في المئة من الرؤساء التنفيذيين في الشركات الكبرى، وهكذا دواليك.

ينظر ويست بعين علمية بعيدة من العواطف إلى مجموعة من المواضيع، بما في ذلك العنصرية المنهجية، وإلقاء اللوم على الضحايا، والطبقية المبنية على أساس العرق في المجتمع، والصور النمطية التي تقدمها وسائل الإعلام. ولا يتردد في تقديم آرائه الحادة، مثل رأيه في أن “عمى الألوان” كعلاج للعنصرية هو “فكرة سيئة للغاية”. نبرته حادة وساخرة، وأحياناً فجة، كما في وصفه لآراء النائب المحافظ بن برادلي حول تدريب التحيز اللاواعي “بطريقة مماثلة لما قدمه جورج أورويل في أعماله” بأنها “من وجهة نظر علمية، هراء”.

التفاصيل الصغيرة، ولكن الكاشفة، تبدو أكثر قتامة، بما في ذلك حقيقة أن بطاقات البيسبول التي تحمل صورة يد لاعب أسود تباع على موقع “إيباي” بسعر يقل بـ 20 في المئة عن تلك التي تظهر عليها يد شخص أبيض. الأمر الأكثر إحباطاً على الإطلاق في الكتاب هو وصفه لما حدث عندما تم في عام 2021 تكرار تجربة شهيرة أجريت في عام 1947 حول تفضيلات الأطفال العرقية المتعلقة بالدمى، وكانت النتائج، كما هو الحال مع معظم ما في كتاب ويست، مروعة في حق.

نظراً إلى كوننا قطعنا أول ربع من القرن الـ21، ومن الواضح أن التمييز العنصري لا يتراجع، فإن “علم العنصرية” هو قراءة ضرورية على رغم قتامتها.   

يصدر كتاب “علم العنصرية: كل ما تحتاج إلى معرفته، ولكنك ربما لا تعرفه – بعد” لـ كيون ويست عن دار بيكادور للنشر في الـ23 من يناير وتباع النسخة الواحدة بسعر 18.99 جنيه استرليني.

نقلاً عن : اندبندنت عربية